أبحث عن موضوع

الأحد، 1 أكتوبر 2017

لماذا التغيير / مقالة ................. بقلم : اوس غريب / سوريا



لماذا التغيير ، لماذا التأكيدُ على التغيير ، لماذا الانطلاق من التغييرِ والبناء على التغيير

هذا الشعار الذي لن نستطيع فهمه ومعرفة دواعيه ، إلا باستعادة أصله الذي انبثق منه
إلا بالتأمل في المواضعة التي قام عليها .

والتي يمكن أن نسميها  : مواضعة البيئة الملوثة واللقمة الذليلة
تلك المواضعة التي أسستها  القسوة وأرست دعائمها البغضاء
 مواضعة  القوة والتوحش
المواضعة التي تسلب فيها لقمة عيشك فإذا شكوت وهممت بالإعتراض
تصفع على الملأ ويقول لك قاهرك في بلدك وبلسان غريب :(Dégage)
(ارحل)   كأنك لست في بلدك
من هنا انطلقت غضبة التغيير ، صرخة التغيير ، هدرة التغيير
من هنا راحت المئات تردد وتهتف وترعد وتنادي لن نرحل نحن ولكن أنت ارحل
لم تكن الناس تنادي رجلا كانت تنادي واقعا ، كانت تنادي انهيارا نزل بها إلى قاع الجحيم ، إلى حفرة المهانة ، وقبر الحضارة
أيها الواقع الذي لا كرامة فيه ولاحق ارحل
أيها الواقع الذي يتسيد فيه الكره ويعلو الظلم ارحل
ولأنها ثورة عظيمة بقدر الحق العظيم الذي  انبنت عليه وانبثقت منه
لأجل ذلك كله كانت خلاصا وكانت خلاصة وكانت حلا سحريا عبقريا لكل المشاكل والخصومات            
سواء دخلت بأمر السماء ، أم بأمر الأرض
سواء ارتكزت على دين أم دنيا

هنا ولكي نزداد بصيرة بعبقرية هذه الثورة   علينا أن نسأل عن مصدر الكراهية والقسوة من جهة
ومصدر التوحش والعنف من جهة ثانية
وكيف حلت الثورة العربية العالمية المباركة هذه الإشكالية وهذه الكارثة

جاءت الكراهية والقسوة من الدين ، بل من المتدينين ، من اعتقادهم بأنهم أصحاب كتاب مقدس ينطق بالحقيقة المطلقة والنهائية ، من هذه القناعة ينبع التعصب ويأتي التطرف ويجري العنف
لأنها قناعة تفضي إلى الإنغلاق ، إلى قمع الحرية حرية السؤال والشك ، وتفضي من جهة أخرى إلى منع الرأي ، عليك أن تتلقى وتنفذ بصمت ورضا لأنه لا رأي أمام الأمر

قالت الثورة انطلاقا من مجرياتها وضروراتها    هذا هراء ، هذا كذب محض وخداع محض
لأن الكتاب المعتمد في تسويغ هذه القناعة غير مقدس
إذ الكتابُ ألفاظ ومعاني ولاقداسة في ألفاظ ولا معاني ، لأن الألفاظ متغيرة والمعاني متغيرة
قداسة الكتاب ليست في ألفاظه ولا في معانيه وإنما فيم تحدثه هذه الألفاظ وهذه المعاني من تغيير
في القيم المثلى والأخلاق العليا التي ينتجها ويحدثها الكتاب
هكذا نقلت الثورة القداسة من جسم الكتاب إلى روحه

ثم لم تكتف بذلك بل وضعت ضابطة كلية تحاصر بها أي إمكانية لتوليد الكراهية وإنتاج القسوة
حين نوعت التغيير الحادث ببركة الألفاظ والمعاني إلى قسمين
الواقع والإنسان

أما تغييرالإنسان فيكون بإحداث القيمة فيه بعد أن تجرد من كل قيمة ، والقيمة التي قدمتها الثورة
وجعلتها عنوانا ومنطلقا في تغيير الإنسان هي الكرامة  

وأما تغيير الواقع فيتمثل في تغيير مواضعته ونقلها من مواضعة البيئة الملوثة واللقمة الذليلة
إلى مواضعة البيئة النظيفة واللقمة الشريفة

هكذا احتفظت الثورة للدين بدوره ووضعت رجاله على الجادة التي ينبغي أن يسيروا عليها وهي استخراج ما في الكتاب من تعاليم تؤكد المواضعة الجديدة وتحفظها
ثم لم تكتف الثورة بذلك حتى اقترحت بابين لدخول الدين في الحياة ، اشتقتهما من الضرورة التاريخية
من سؤال التغيير ، من الحاجة إلى إيقاف الكراهية وتعطيل القسوة
هذان البابان هما باب الرحمة الإسلامية ، وباب المحبة المسيحية
مظهرة الدور الذي يمكن أن يلعبه الدين والمؤمنين به
وهو مكافحة القسوة بالرحمة ومكافحةالكراهية بالمحبة

هذا فيم يتعلق بأمر الدين ، لم تعد مسألة الطوائف والمذاهب واختلافها مدعاة للخوف لأنها ليست في سياق حقيقة مطلقة وأمرنهائي  ، وإنما في سياق بناء البيئة النظيفة واللقمة الشريفة
في سياق تأكيد الكرامة في الإنسان

 وأما موقفها من السياسة ، أو الدنيا ، من التعاليم الأرضية  والوضعية  ،  فيتحدد من تضادها ورفضها
 للعنف والتوحش ،
من سؤالها عن السبب  الذي جعل العالم في سباق تسلح وصراع لا يهدأ ولا يلين
من سؤالها عن السبب  الذي حوّل الإنسان إلى أكبر منتج للتلوث والإذلال
من سؤالها عن السبب  الذي جعل الأرض جحيما على ملايين الناس فأخرجهم من بنائها وعمارتها إلى كونهم مجرد أرقام وعبيد عند أرباب السلطة والمال

هذه المواضعة انبنت وانبثقت من قانون القوة الذي به وحده ينقسم الناس إلى سيد وعبد وقوي وضعيف وغني وفقير وحاكم ومحكوم وقاهر ومقهور
والذي به وحده يتمجد السلاح ويصير القبلة والغاية والمنطلق
ويتمجد المال ويصير الرب الواجب الطاعة والأمر
وحتى تحاصر ثورة العرب المجيدة هذا الواقع ، و تعطل طاقته  في نشر  التلوث وإشاعة  المذلة
وتمهيدا منها وتوطأة للمواضعة الجديدة
مواضعة البيئة النظيفة واللقمة الشريفة ، مواضعة الكرامة والإنسان الكريم
من أجل إحداث ذلك كله نادت بالتغيير وأكدت عليه
تغيير القانون الحاكم والمنتج للفساد والوحشية ، قانون القوة

و القوة كما هو بيّنٌ قرينة الحرب ولازمتها
وقرينة العنف وقاعدته
لهذا  فقد نادت بالسلم وأهابت بالناس أن يتوقفوا عن العمل ، أن يحفظوا عرقهم وكدهم وسعيهم الحثيث المضاع والمنتهب
أن يمسكوا هذا العرق وهذه القوة التي بها وحدها تمتلئ خزائن الأغنياء ويتسلط الجبابرة
أن يمسكوها ويحبسوها ويحفظوها حتى تنزاح القوة  من تحت المال والسلاح إلى تحت القانون
مذكرة كل واحد فيهم بأنموذجها العظيم البوعزيزي
 لم نستطع أن نعيش شرفاء ولكن نستطيع أن نموت شرفاء
حاجتكم لنا أكبر من حاجتنا لكم
فأعملوا إرادة سلاحكم الظالمة نعمل إرادة سلمنا المحق

لذلك نادت بالناس ليعتصموا ويتظاهروا ويوقفوا هذه المركبة التي تتدرك في المهاوي وتبعث دخان الموت والوباء

من سرقة  عرق الفقيرالشريف  وتعبه جاء الغنى ، وتكدست الثروات
 من هذه الوضيعة الظالمة والجائرة
انبثق  شعار العدالة الاجتماعية الذي هدرت به الجموع في الساحات والشوارع ،وعرضت صدورها المكشوفة للنار ، حتى تعيد إلى عرق الإنسان وتعبه مابه يحفظا ويصانا

وهل كان لأرباب القوة أن يتسيدوا ويطغوا ويتجبروا ويعلوا لولا فقدان الناس كرامتهم لولا ركونهم إلى الرضا ، وتلفعهم بالصمت والرضوخ
 هل كان الإذلال والهزء والسخرية والمهانة أن يكونوا لولا الاستبداد
لذلك وانطلاقا منه  جاء شعار الحرية ،الذي هتفت به الجموع  ورددته الحناجر وأكدعليه الشهداء

هكذا أحدثت الثورة العربية الكريمة العظيمة الشرط التاريخي لإنقلاب أحوال العالم من عالم يستنزف نفسه ويتهاوى سدا ، إلى عالم يستعيد الفرصة ،يرجع الأمل ، ينتزع الفاعلية والدورعالم بصير بالطريقة التي
يوقف  بها أسباب الظلم ويعطلها ، ويوقف  بها أسباب الهدر ويمنعها

عالم  يعيد الثروة إلى مكانها إلى تعب وعرق الشرفاء ، ويعيد القوة إلى مكانها إلى كرامتهم وحفظ ماء وجوههم ، مع الكرامة وبالكرامة يتوقف هذا الفساد ، يتوقف هذا التيه ، يتوقف هذا الصغار ، يعود الإنسان إلى طاقته ، إلى ملكاته وقدارته وميوله ، لايفكر في خيانتها ، في استرذالها ورميها ، لأن سبيلها مفتوحة
فالبيئة النظيفة واللقمة الشريفة عالم يحتاج إلى الجميع ويتغذى بخبرةودور الجميع

هذا هو التغيير الذي نادى به وإليه العرب
هذا هو التغيير الذي يعطل  أسباب الصراع دينية كانت أو دنيوية
هذا هو التغيير الذي يجذب الجميع ويحتاج الجميع ويعود على الجميع
 فالبيئة النظيفة واللقمة الشريفة (الكرامة)  بيئة الكل
فجدير بها أن تكون  مركزا ومحورا
يتوافد الناس من  مختلف حقولهم وعلى جميع أصعدتهم إلى العمل على ضمانتها
وتأكيدها وحمايتها
إنها الشرط الوحيد الذي تتوقف عنده دواعي الفرقة وأسباب الخصومة ولوازم الصراع
الشرط الوحيد الذي يحفظ الأدوار جميعا ، وينعكس خيره  على الناس  جميعا
عالم القسوة والكراهية والتوحش لا ينتهي ولا يتوقف ولا يرتد إلا بالمحبة والرحمة والسلم
لكم كراهيتكم ولنا حبنا ، ولكم قسوتكم ولنا رحمتنا ، ولكم توحشكم وعنفك ولنا سلمنا
لا عرق ولا عمل  حتى نعيد القوة إلى ما يحفظ العدالة ويضمن الحرية ، إلى مايحفظ العرق والجهد الشريف ويضمن الكرامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق