كنا عشرة أطفال وأمّـا وَدُودا.. وأبًـا عَـمُــولا.. حَنُـونــا.. نفتـرش حصيـرًا من حلفَــاء.. تحت سقـفِ غـرفـة واحـدة.. هي أشبـهُ بالكـوخ... بـل هـو عيـنـه.. ونَـقـتَـات ما تجُــود بـه الأرض من "القيــز" و "الخرّوب".. و"التّـالمـة" .. و"الرّعيانـة" .. و "التّـلّـغُـودة".. و"الغُـرّيمة"... وغيـرهـا مـن الأعشـاب التـي نُـسَابــق الشّيــاه للفــوْز بهــا..
وكـان اللّيــل يجمعنَـا للاستمتاع بحكايات "الغــول والعنقــاء والجــازيـة الهلاليّـة.. وما فعلتــه بأبــي زيــد الهلالي".. تــرْويهَـا لـنـا جَـدّة طيّـبـة الكـلام ، عذبـة الرّوح، بأسلوب شيّـق لا تعْـرف سـرّه إلاّ هـي.. ثـمّ نـنْـصـرفُ إلى سُـبَـات عميـق، آمِـنـيـنَ مُـطـمـئـنّـيـن، يحْـرُسـنَــا الله، بينما يحاذي كَـلـبناٌ الشـرِس زريـبَـة الشّـيََــاه..بعينيه البراقتين.. ونباحه المتواصل.. فلا تَـفُـوتُـهُ شــاردة.. ولا واردة..
ومع إشـراقـة شمْـس اليوم الجديد، يستيقظ الجميع على صوت أمّ مُناضلـة، هـدّهـا التّعََـب، لكنّها تُغـالبُـه فتغْـلـبُـه بعـزيمتهـا الفولاذيّـة، تـتـوَعّـد كلّ من يتأخّـر في القيام من النّـوم بحرمانه من خبز الطابونة الذي يفـوح عَـبَـقُـه في كلّ مكـان.. ويُـدغـدغ الأنُـوف.. ويُكـرم الضّيـوف.. لأنّ من تطلـع عليه شمـسُ الصّبـاح وهـو في فراشـه، هو في عِـداد المرضى بالنّسبة إلى أهـل قريتنـا.. وهـو في عِـداد المـوْتى إن بلـغ الضّحـى وهـو نائـم..
ثم ننتشـر في الأرض.. كلّ يكـدّ ويجـدّ، لتحقيـق مبتغـاه.. هـذا يـَرْعى الشّـويهـات.. وذاك يحْــرث الأرض.. وآخَـر يسْقـي الشّجـر.. ورابـع يحصـد الزّرع.. ولا أحـد يتقاعـس في عملـه.. أو يتأخّـر عن موعـده.. أو يـنـسَـى مهامّـه.. ومشاغلـه... فجميعنـا كخليّـة نحْـل لا يهْــدَأ لهـا بـَــال .. نُـسَـابِـق الزّمـن لتحقيـق كـلّ الآمـال..
وكـانـت الحيـــاة جميلــة..
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق