مثانته الممتلئة بركام سنواته الخمسين تجعل جلوسه يتأرجح بين ميلان واعتدال، يردد في نفسه بصوت مكتوم
- سأبلل بِنْطَالي.
يتلفت يميناً ويساراً يختلس الوقت، يطرح سؤاله على الجهات الأربع، بإحساس مفجوع.
-متى سنصل؟؟!.
الباص مكتظ بالنساء والأطفال، الطريق عارٍ من كل شيء الا من الرمال.
غادر كرسيه بخطوات خجولة، همس في أذن السائق
-أين أقرب مكان فيه دورة مياه؟؟!.
أبتسم السائق مشفقاً على حاله
-سنصل الى محطة الوقود بعد أكثر من نصف ساعة.
-كليتي المتعبة لن تتحمل كل هذا الوقت.
-حسناً سأقف هنا، وأنزل انت خلف الباص حتى لا يراك أحد من الركاب.
كان الارتباك والتردد يقيدان خطواته، وهو يفكر في منظره المستسلم للريح وهي تداعب أعضاءه ليقضي حاجته.
مجرد وقوف الباص يثير انتباه الركاب ويطلق جماح أفكارهم وموضوع لنكاتهم السمجة.
-لكن هل سيبقى لي شيء من هيبتي امام الجميع؟؟!.
الإجابة كانت تدفعه الى النزول فأحلاها مر، تأبط قنينة الماء وهرول مسرعاً نحو الباب.
خلف الباص القى الاحمال عن كاهله، صنع منها وقتاً جميلاً.
مرت بالقرب منه سيارة فارهة ذات لون اسود من دون أن تثير أنتباهه، أنشغل في ترتيب هندامه قبل الصعود مرة أخرى.
الجلوس امر مريح بعد وقت من القلق الطويل، قطعه انعكاس فم السائق في المرآة الوسطية وهو يعلن قرب الوصول الى محطة المدينة، كأنه قرع ناقوس المارثون الكبير.
بدأ الجميع يلملم شتات أمتعته المبعثرة بين الكراسي والرفوف، الايدي تتشابك في منظر مهيب، أصوات الأمهات والأطفال تتناغم.
فضل أن يكون أخر من ينزل ليحافظ على ملامح هيبته واتزانه، فأثار فضول السائق وسيل أسئلته الجارف.
-أنا مدير فرع شركة مشهورة في هذه المدينة، حضرت لاجتماع مهم لتطوير العمل.
أنصرف في طريقة نحو سيارة فارهة تنتظره في أخر الشارع، أوصلته لبناية مشهورة بفخامتها وأهميتها، تقع في منتصف هذه المدينة.
قبل ان ينزل تأكد من الأوراق التي يحملها في حقيبته، يقلبها كمن يقلب صفحات من سنين عمره، يخوض فيها كمن يخوض في بحار من عرق وجهد بذله طوال هذه السنين، معلقاً عليها آمالاً كبيرة.
كشجرة سنديان زاهية تراقص اوراقها الريح، تتراقص الاحلام في مقلتيه المتعبة.
قادته خطواته في الممرات المتشعبة والطوابق، الى غرفة في الطابق الأعلى يجلس في منتصفها رجل يلقي عليه الجميع التحية باحترام بالغ.
أعلنت سكرتيرة الشركة الجميلة ذات الصوت الرخيم عن بدءِ الاجتماع، فتسمر الجميع أمام قطع تدل على أسمائهم ومناصبهم وعناوين أعمالهم.
كان المدير يجلس في راس الطاولة وعن يمينة وشماله مستشارية وكبار موظفيه.
أخذوا يعرفونه على الموظفين واحداً تلو الاخر وهو يسمع منهم مقترحاتهم ويقلب أوراقهم التي قدموها لسكرتيرة الشركة قبل الاجتماع.
كالعداء يريد الانطلاق في السباق، أنتظر أشارة البداية.
أشار المستشار نحوه وهو يقدمه الى المدير، فهمس المدير في أذنه
- اليس هذا المتبول في الشارع؟؟!.
- بلى يا سيدي.
أبتسم المدير وهو يغلق الملف ويمرره بإشارة عدم الموافقة علية.
2016/12/25
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق