في يوم جليديّ الملامح تكاثفت الارتعاشات في دروب السّيقان الحافية لكنّ الخطو تفرضه الأمعاء المقرقرة في البطون ...الشّفاه الزّرقاء تستجدي رشفة دافئة ولقمة فتجول العيون في الأركان الفارغة.
شدّ الحزام على البطن ليقمع ثورة فطريّة ورفس الحذر بأرجل الوجع...لابدّ أن يتحدّى الطقس والخوف...لن تحول العاصفة بينه وبين إرجاع البسمة إلى هذه الوجوه الكالحة.
تقلّد فأسه واستدعى صديقه...حمار هزيل يجرّ أرجله جرّا... هيّا يا صديقي لن تعوقنا العاصفة وهذا الجليد سيكون نعالا دافئة تحفّز على المسير.
دفع بحماره إلى مهبّ الرّياح والثّلج ، كانت وجهته الغابة القريبة , من هناك سيجمع الحطب ولعلّ الحظّ يسعفه بصيد يخفّف علّة الاحتياج . مشى بعض الأمتار وهو يرتجف ، فجأة توقّف الثّلج عن السّقوط ...هلّل...هي السّماء أبوابها رحيمة ، إنّها تعرفنا يا صاحبي بل وحدها تشفق علينا. أنت تعلم كَمْ فتحت في وجوهنا باب الفرج كلّما لبسنا اليأس...حُثَّ الخطى ولا تأسَ فللنّفوس خالق يرعاها.
عن يمينه برز رأس أرنب صغير ...ابتسم ، طوبى لنا يا صاحبي ، وبشّر المنتظرين ، الليلة ستكون الوليمة راقية... حاول التّقدّم بحذر لكنّ الأرنب لَمْ يقفز، لَمْ يفرّ ...هل حجزك الجليد أيّها الأرنب الصّغير أم هي العناية تضعك في طريقي صيدا سهلا.
مدّ يده يحمله... يا إلهي إنّ رجله مكسورة ...هي العلّة إذن . لقد اقعدك العجز أيّها الصّغير ، لا ترتجف لن أؤذيك وأنت مصاب ...أنا وأبنائي جائعون لكنّي لن أبني راحتي على آلام غيري .
مزّق طرفا من حزامه وحاول أن يجبّر السّاق المكسورة ثمّ وضع الأرنب عند جذع شجرة ...لك اللّه أيّها الأرنب ، ربّما نلتقي في ظروف أحسن وعندها يحقّ لنا اصطيادك. ربط حزمة الحطب على ظهر الحمار ولملم بعض الحشائش المنتقاة في كيس وقفل راجعا.
عند المنحدر المؤدّي إلى المعبّد انزلقت به الأرض فوجد نفسه تحت عجلات سيّارة شاردة ...حاول أن يرفع رأسه لكنّ العتمة أخفت عن عينيه بياض الثّلج...إحساس غريب ينتابه وهو يرى أبناءه في حلل ورديّة يركضون نحوه بينما تشدّ قبضته على مقود الحمار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق