تأمَّلْ هذه الدُّنيا وراقبْ ..... بعين النَّاقدِ الحرِّ البصيرِ
ترَ الأشياءَ توغِلُ في التَّخفِّي ..... تغورُ وتنطوي خلف القشورِ
وتربضُ في كهوفِ الغيبِ تهفو ..... لملاّحٍ ومكتشفٍ خبيرِ
عليمٍ في البواطنِ والخفايا ..... يشقُّ بسيفِه جلَدَ الستورِ
يُطِلُّ على الحقيقةِ دون لُبْسٍ ..... ويجلو ما تلبَّسَ من أمورِ
***
هو الإنسانُ ينشأُ من ترابٍ ..... كأيَّةِ بقلةٍ أو قردِ غابِ
ومن أملاحِه يقتاتُ ينمو ..... ويقوى في المداركِ واللُّبابِ
ويبدأُ بالتَّمايُزِ والتَّرقي ..... فيفتحُ للتَّطوُّرِ ألفَ بابِ
يطالعُ في الطَّبيعةِ ما تبدَّى ..... فينظُمُه علوماً في كتابِ
ويخلقُ من هَباءِ الأرضِ كوناً ..... يفوقُ ويعتلي كونَ الترابِ
***
هو الإنسانُ مخلوقٌ طموحٌ ..... إلى العلياءِ يحلُمُ بالصعودِ
يَحوكُ من التُّرابِ جناحَ نورٍ ..... ليعبُرَ سابراً لُغزَ الوجودِ
يحطُّ على الكواكبِ في شموخٍ ..... وعقلٍ شاخصٍ صوبَ الخلودِ
ينقِّبُ في زوايا الكونِ بحثاً ..... وتمحيصاً عن الأصلِ التَّليدِ
يُحسُّ بذاتِه فرداً فريداً ..... يُغايرُ جوهراً نسلَ القرودِ
***
هو الإنسانُ أبدعَ كلَّ فنٍّ ..... علومٌ جمَّةٌ أدبٌ جميلُ
وموسيقى وتصويرٌ ونحتٌ ..... وهندسةٌ فبنيانٌ جليلُ
وأخرجَ من بطونِ الأرضِ زيتاً ..... فعمَّ بفضلِه الخيرُ الجزيلُ
أضاءَ بنورِه عتمَ الدَّياجي ..... فشعَّ اليُسرُ والدِّفءُ العليلُ
وأخصبتِ الحقولُ جنىً شهيّاً ..... فسادَ الرَّغدُ والعيشُ الأسيلُ
***
هو الإنسانُ خَلْقٌ لا يُجارى ..... يسودُ على الطَّبيعةِ والوجودِ
فمن طينٍ وبعضٍ من موادٍ ..... يصوغُ عجائبَ العقلِ الفريدِ
يُغيِّرُ وجهَ كوكبِنا ويمضي ..... يجدُّ السَّيرَ للكونِ البعيدِ
ويحملُ بين جنبيهِ الأماني ..... وأشواقاً إلى الوطنِ السَّعيدِ
وأحلاماً بكشفٍ للخفايا ..... يُعيدُ له الأصالةَ من جديدِ
***
بربِّك يا أخي هل هذا قردٌ ؟..... حفيدُ بهيمةٍ نسلُ القرودِ ؟
فيغزلُ من أديمِ الأرضِ فكراً ..... يجوزُ به متاهاتِ الحدودِ
يَشيدُ حضارةً تزدادُ زهواً ..... يَزينُ بدُرِّها صدرَ الوجودِ
يَسنُّ شرائعاً، نُظُماً وعلماً ..... بها يحبو إلى الكونِ الأبيدِ
إلى الآفاقِ حيثُ النُّورُ يجلو ..... ظلامَ الجهلِ والفهمِ البليدِ
***
أرى في العقلِ لمْحاً من إلهٍ ..... توارى خلف أسدالِ الضَّبابِ
وما الصَّلدُ البليدُ سوى سرابٍ ..... تكثَّفَ آخذاً صورَ النِّقابِ
ليحجُبَ عن مداركِنا وجوداً ..... نراه مُموَّهاً نهبَ ارتيابِ
يبينُ ويختفي في كلِّ آنٍ ..... عصيَّ الفهمِ مشكولَ الجوابِ
يراه أخُ البصيرةِ دون لُبْسٍ ..... فينحو سالكاً سُبلَ الصوابِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق