آخرُ رسالةٍ وَصلتني من (ريتا)
الصديقةُ المهاجرةُ خارجُ وطنٍ جريحٍ، مثلُ جُلِّ رسائلها، عبارةً عن أسئلةٍ أحزنتني كثيرًا
وَ جعلتني أذرفُ دمعًا سخيًّا في ليلٍ
طويلِ...
قالتْ تُخاطبني:-
- رند... أقسمتُ عليكِ بالمقدّسِ، وَ بما
آليتِ على نفسكِ من اِيمانٍ مطلقٍ بدينٍ
سماويٍّ... كيفَ هو العراق؟!
كيف جبينُ العربِ وبؤبؤ أعينهم؟!
كيف بغداد؟ هل مازالت عروسًا ترتدي
فستانًا ناصعَ البياضِ، هل الشموخ عنوانها؟
هل ما زالت كفّاها مضمختين بالحناء؟
أم طغى لونٌ آخرُ فيهما؟
باللهِ عليكِ... ما حالُها؟
أعرفُ أنَّ رأسَها يشاكسُ السّحابَ،
وغبطةَ اخواتها تزداد وهي تنعم وَ تَتَرعرعُ على جنباتِ الرافدين وَ تزدادُ
حُسنًا وَ جمالًا مع جنّاتِ الله في أرضهِ؟!
أَ حَقًا فراتُ الجنَّةِ وَ دَجلةُ الخيرِ
يشكوان الظمأ، وَ يكادان ان يُصبِحَا
مقابرَ لأبنائهما ؟
ضاقَ صدري وهي تستطرد حديثها معي!
- اخبريني عن الكريعات وَ ليالي السّمرِ،
وَ الفرحِ وَ مقامِ الخضر وَ زوّارهِ...
اخبريني عن أُمِّكِ، المرأةُ حاملةُ
همومِ
وَطنٍ أخذَ منها أكثرَ مِمّا أعطاها وَ هي
تتابِعُ كلَّ صغيرةٍ وَ كبيرةٍ...
مَنْ منّا ينسى توبيخَها لنا عندما نلهو
بأشيائنا الخاصةِ وَ نتركُ الكتابَ بعيدًا عنّا!
كُنّا نبتسمُ حينما تقول:-
- انظرا... ماذا أُخَبّئ تحت " شَيْلَتي" ؟
انهُ العراقُ الحبيبُ! وَ هو بانتظاركما!
آهٍ يا حبيبتي رند...
أكتبُ إليكِ وَ دموعي لا تتوقفُ...
كَمْ يَعزُّ علينا ان نطوّحَ بضفائِرنا على
جَنباتِ شَطِّ العرب، ونوقظَ نوارسَهُ
وَ هيَ تَغفو بينَ القصب وَ البردي ؟
الغشاقُ طيورُ الخضيري
يا إلهي...
جسرُ الشهداءِ... وَ ما أدراك ما ....؟!
المعظم وَ الأئِمّة...
بابُ إلى أين اتجهوا؟
هل اِستمرأوا أرضًا غير العراق؟!!
لِمَ السكوتُ المخيفُ...
أعلمُ أنّك عاشقَة للعراق بجبالهِ و سهولهِ
وَ أهوارهِ وَ بغدادهِ، عِشقُك من الطراز
الاوّلِ يَتقلَّبُ في الأصلابِ منذُ آلاف السنين...
وَ مَنْ يلتقيك .. يرى فيك عشتارَ
وَهي تصوغُ الحُبَّ بِجدائلها، أو نزيهةَ الدليمي مضربَ الأمثال بالنزاهةِ، أو زُها حديد، أو أُميّة وَ أُمَّ قصي... بل يرى؛
وَطنًا كاملًا وَ بأبهى ألوان الطيفِ
الشمسي!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق