كنحلةٍ ترافقُ الفجرَ في رحلتهِ إلى ربوعِ بلادي سهولها وتلالها ،تلبسُ سوار الشمسِ ، و تتزين بأقراطِ الحبِّ كلَّ صباحٍ ، وكراعيةِ ظباءٍ ، تستبشرُ بها الأحداقُ ،تشعُّ حيويَّةً وإشراقاً ، أيقظتني رائحةُ البنفسجِ في أنفاسها ، و أخبرتني خطاها عن أميرةٍ فينيقيةٍ في بساتينِ اللوزِ والتفاحِ ، كماقصَّت لي قامتها الوارفةُ العطاءِ عن نخلةٍ عريقةٍ على فراتٍ عذبٍ ، شبيهةُ أمِّي تدأبُ النهارَ لتعودَ برحيقِ السعادةِ لفراخها الصغارِ ، أنثى بلادي تقسو عليها القوانين الجائرةُ ، تضيَّقُ الخناقَ على حديقةِ الطفولةِ التي ترعاها بعيونٍ لاتنامُ ، و قلبٍ لايهدأُ ، تحاصرها محاكمُ ارتجاليةٌ وأنظمةٌ عمياءُ صمَّاءُ .
رأيتها اليومَ تنطلقُ ككلِّ الأمهاتِ اللائي يسرنَ دربَ الجلجلةِ ملكةً تحاربُ جيوشَ الكسلِ والرتابةِ في طريقها إلى العلياءِ ، تغدرُ بها ذئابٌ ترتدي أقنعةَ الحمائمِ
ترتطمُ بجرفٍ هائلٍ في بحرِ الغطرسةِ ، ينهالُ بسياطِ الأنانيةِ، و عسسِ القهرِ ، فتذرفُ الكثيرَ من الآهاتِ و تحتسي أباريقَ الصبرِ ، لتمرَّ الساعاتُ بسلام دون أنْ تريقَ نفسها أمامَ الآخرين
ماأقسى الحياةَعلى روحكِ الطيبةِ ! أيتها النخلةُ الأصيلةُ في هذا الشرقِ الكئيبِ ، لم تنتهِ رحلةُ الشقاءِ يا أمي تؤوبين لمنزلكِ منهكةً ومعكِ دنانُ العسلِ لأبنائكِ ، تبحثينَ في ثناياهُ عن كسرةِ راحةٍ ، أو ليمونةِ صفاءٍ ، فتجدينَ سلالَ التعبِ تنتظرُ أناملكِ لتفرغَ حمولتها ، و أكوامَ الفوضى ليعودَ إليها الترتيبَ ، وازدحامَ الاحتياجاتِ لتنتظمَ بحسبِ الأولوياتِ ، تشرقُ شمسكِ فتنقشعُ سحبُ الخوفِ ويتلاشى ضبابُ الأوهامِ ، يعودَ للأسرةِ الأمانُ ، أمَّا أنا فلا أملكُ إلا هذا القلبَ المترعَ بالحبِّ أقدِّمهُ لكِ .
رعاكِ المولى يا مصنعَ الأملِ ، و أدامكِ زيتونةَ الدارِ ياقزحَ السعادةِ ، منحكِ الصحةَ يا سنديانةَ العطاءِ ، طوبى لك ، فلولا يداكِ ما أعشبتْ قفارُ الإنسانية و ماسالَ نهرُ الحنانِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق