أبحث عن موضوع

الأربعاء، 12 ديسمبر 2018

الرقص على رجل واحدة _ قصة قصيرة ...................... بقلم : عادل نايف البعيني / سورية






كانوا خمسة ولدوا تباعا خلال عام في أحد الأحياء الفقيرة من المدينة، وجمعتهم الطفولة في الحي وباحاته الضيقة ، فيه عاشوا وعلى ارضه شبّوا.

فمنهم من التحق بالمدرسة وتعلم ما تيسّر له من علم، ومنهم من التحق بالعمل مبكرا لضيق الحال، ومنهم من جمع بين الاثنين رغبة في التعلم ، وتحصيل مصاريفه.

ومع كل ذلك كانوا قلما يفترقون عن لقاء بعضهم بعضا ، وقد أحكمت الصداقة بينهم عروة الوفاء والمحبة .

ومع صعوبة الحياة تشتتوا لاهثين خلف لقمة العيش، فهذا صار في الجيش جنديا، وذاك موظفا ، والثالث وجد في العمل المهني غايته، والرابع في التجارة مطلبه. وشابت الأيام ومن شيبها غارت بعض الرؤوس فابيضت شعورها، ومن قهرها وقسوتها هرّت شعورٌ وطيّرها الوجعُ فصلعُت الرؤوس، وانحنت بعض الظهور همّا، وتغضّنتْ وجوه غمّا ونكدا، حتى أزفت ساعةُ اللقاء عند أحدهم.

ضحكت له الحياة فنالَ حظّاً أكثر وفرة، ومكانة راحَ يتطور فيها فترفّع حتى صار مديرا لإحدى المؤسسات الكبرى ، وفي بيته الباذخ كان لقاءُ الأصدقاء الخمسة. فوصلوا تباعا وعلى الأرائك المبثوثة تمدَّدوا مازحين ضاحكين، مباركين غير حاسدين.

دخل المضيفُ باشّاً وعلى أجمل حال، مرحبا متودّداً، فانطلقوا بين هرجٍ ومرجٍ حتى إذا أطلّت مدبّرَةُ المنزلِ الشقراء الجميلة بما تحمل من عصيرٍ وشراب حلّ الصمتُ ملكاً، وجاء دور ثرثرة العيون فمن رنوٍّ وتأمُّلٍ، الى ذهولٍ وتذبيلِ جفون، وحملقةٍ وتحديق، نحو تلك القادمة من الخيال والتي سقطتْ عليهم كإحدى حور السماء.

أخذ كلّ نصيبَهُ مما جاءت به، وما إن انصفق البابُ خلفها حتى هبّ الهرج والمرج واشتدّ من جديد وانصبّ المزاح حول الحورية .. خادمة الصديق، فسالتِ التعليقات المهذّبة المبطّنة تترى، وكلٌّ منهم يضرب على صدره قائلا أنا لها.

نظر المضيفُ لأصدقائه باسماً، وخرج من الغرفة لبضعة دقائقَ، ليعودَ وبيدِهِ أربعةُ أزواجٍ من الجوارب.

وضعها على الطاولة أمام دهشة واستغراب الأصدقاء .. ثم قال:

- من يتمكّن من ارتداءِ الجوربَ وهو واقفٌ على رَجلٍ واحدةٍ فستكون هذه الحسناءُ من نصيبه.

تحرّكت الشهوةُ في العقول، فسال ريقُها، واستسهلَ الكهلةُ اللعبةَ فانقضّوا على الجوارب ..

وبدأ الرقصُ على رجلٍ واحدةٍ ، وأخذت الأجسادُ تموجُ يمنةً ويسرةً ، وأخرى تترنّحُ أماماً وخلفاً، وثالثة سقَطتْ على الأريكة إعياءً، بين قهقهةٍ وضحكٍ وتندّرِ الجميع، وطال المشهدُ.

فانسلّ المضيفُ ليطلبَ تحضيرَ طعامَ الغداءِ لضيوفِهِ تاركاً جوقَةَ الرقصِ على رجلٍ واحدةٍ تؤدّي وِصْلتَها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق