نَسَتْ بِسَوادِ اللَيلِ جُلَّ مصائبي
فَتُهْدي جَحِيمَاً حازَ شَتّى العَجائِبِ
تَبُوحُ بِشَوقٍ مِنْ عَظِيمِ شُجُونِها
إلى اللهِ تَشْكو مِنْ سِقامِ المَكارِبِ
وَكَمْ عاتَبَتْنِي في شِتاءِ ظُنُونِها
وَقَسْوَتُها تُضْنِي بِحِبٍّ مُعاتَبِ
تَلُومُ سِنِينَاً مِنْ جَفاءِ عَذابِها
تُذِيقُ لَظى جَمْرٍ بِحَرِّ النَوائِبِ
تُبيدُ بَقايا مِن ضِياءِ سَرابِها
جَرى بِينَ صُلْبٍ مُغْرَمٍ وَتَرائِبِ
تَقُولُ وَداعَاً عِنْدَ بُعْدِي وَما دَرَتْ
بِأَنِّي ذّبِيحٌ دُونَ بَطْشِ المُحارِبِ
جَفَتْ مُونِساتِ الدَّهْرِ إلا عِجافَها
أَتَتْ مُوحِشاتٌ حَمْلُها بِمَثالِبِي
تُسامِرُني الذِّكْرى وَطَعْنٌ بِخافِقِي
رَفِيقِي أَنِينٌ فِي الأَسى المُتعاقِبِ
سَقَتْنِي بِداءٍ مِنْ رَحِيقِ سِقامِها
وَكُنْتُ صَحِيحَاً قَبْلَ هذا التَجاذُبِ
سَلَكْتُ دُرُوبَ الخَيرِ فِي كُلِّ مَوطِنٍ
وَضَنَّتْ بِها الأيّامُ عَنّا لِخائِبِ
دُمُوعِي أنِيسي في سُباتِ ظَلامِها
وَصَمْتي صَدى لَيلٍ طَويلٍ مُشاغِبِ
وَما بِي سِوى حُزْنٍ أَلِيمٍ خَلِيلُهُ
دُمُوعَاً بِها قَهْرُ السَّعيرِ المُداعِبِ
شَدَدْتُ رَحِيلَاً عَنْ دِيارِ ضَياعِها
وَذُلُّ أساها قَدْ أشابَ عَصائِبي
فَلِلهِ دَرُّ الصّبِّ إنْ هاجَ سَيلُهُ
وَلِلهِ دَرّي عِنْدَ ظُلْمِ الأقارِبِ
شَرِبْتُ مُدَامَاً مِنْ ثَمالَةِ خَمْرِها
رَوَتْ عَطَشِي طِيبَاً بِشَهْدِ المَشارِبِ
بُلِيتُ بأوجاعٍ تُزِيلُ جِبالَها
دُجى لَيلِها قَعْرٌ لِبَحْرِ الغَياهِبِ
تُضِيعُ مِنَ الأحلامِ عُمْرَاً فَنى بِهِ
رَبِيعَاً مَضى ظُلْمَاً بِلَسْعِ العَناكِبِ
وَكَمْ عانَدَتْنِي فِي صَفاءِ وِصالِها
تَحُوكُ دواهِيها بِمَكْرِ الثَّعالِبِ
بُلِيتُ وَجِسْمِي مُثْقَلٌ بِجِراحِها
تُمَزِّقُنِي إرْبَاً بِشَقِّ المَخالِبِ
هَجَرْتُ صَبا حِبٍّ بِهِ القَلْبُ مُولَعٌ
فَضاعَـتْ عَنِ الدُّنيا سُمُوَّ المَآرِبِ
دِثارِي بِها لَثْغُ السُمُومِ بِهَجْرِها
فَتَسْلِبُ سَعْدَاً فاضَ مِنْ صَدْرِ واثِبِ
أَنُوحُ مِنَ الآلامِ قَهْرَاً بِمُهْجَتِي
وَنَحْرِي غَدا سِكِّينُهُ خَيرُ صاحِبِ
سَوارٍ مِنَ الهَمِّ الدَّفِينِ بِثُقْلِها
تُحِيلُ سُهُولَ الأَرْضِ وَحْلَ الرَّواسِبِ
صَبَرْتُ لها دَهْرِي وَلَسْتُ بِنادِمٍ
وَقَلْبِي مِنَ الطَّعْناتِ لَيسَ بِتائِبِ
تَضِيقُ عَلى الدُّنْيا قَلِيلُ مَصائِبِي
وَأَصْفَحُ حِلْمَاً مِن عَظِيمِ مَذاهِبِي
كَتَمْتُ جِراحَاً مِنْ نصالِ سُيُوفِها
تُطِيحُ ثِقالاُ فَوقَ حَدِّ المَناكِبِ
رَمَتْنِي مِرارَاً مِنْ سِنانِ حِرابِها
كَأَنَّ قِصاصِي مِنْ جَزاءِ المُعاقِبِ
تَكِيدُ بِجورٍ قَتْلَ رُوحِي بِطَعْنِها
تَحُطُّ بِأَطوادٍ لِأدْنى المَراتِبِ
تُكِيلُ عَجِيبَاً مِنْ ضَراوَةِ لَومِها
وَتَحْشِدُ خَلْفَ السِّتْرِ فُحْشَ العَواقِبِ
جِنانِي غَدَتْ مِثْلَ القِفارِ بِرَوضِها
وَصَرْحِي بَقايا مِنْ هَشِيمِ الخَرائِبِ
دَعَوتُ إلهي حِينَ ظُلْمِي مُسامِحَاً
إلهٌ عَظِيمٌ بابُهُ دُونَ حاجِبِ
بَرِئتُ مِنِ الأَحْقادِ ، كُنْ بِيَ راحِمَاً
وَبَدِّدْ جَحِيمَاً نالَ هَولَ الغَرائِبِ
صُلِبْتُ عَلى أبْوابِها دُونَ رَحْمَةٍ
فَقُلتُ اسْفِكُوا كُلِّي ، وَلَسْتُ بِراهِبِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق