هو أبو الحسن ، مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي وينسب مهيار الى الديلم فقيل ( مهيار ا لديلمي ) وهم اقوام من بلاد فارس. وتقع بلاد هم ما وراء طبرستان .والديلم شعب من ذراري الفرس ينسبون إلى ارضهم التي تقع في القسم الشمالي من بلاد فارس ويحدّها من الشمال جبال الجولان ومن الشرق طبرستان ومن الغرب أذربيجان أما من الجنوب فمنطقة قزوين ويصفها المقدسي بان مناطقهم جبلية وهي كورة صغيرة المدن ليس لأهلها لياقة ولا علم ولا ديانة وبقوا على الكفر الى نهاية القرن الرابع الهجري حيث اسلم الديلم على يد الأطروش العلوي
وفي منطقة (قزوين) عاش والدا مهيار وكانا فقيرين فنزحا في طلب الرزق الى بغداد التي كانت خاضعة يومئذ للنفوذ البويهي وكانت الخلافة العباسية كأنها في حالة احتضار. والبويهيون اصلهم من الديلم فأرتقب الوالد خيراً في ظل سلاطين بغداد البويهيين الذي تربطه بهم وشائج القربى .
وكان البويهيون مجوساً إلى أن بايعوا الحسين بن زيد العلوي سنة\ 250 هـجرية فأسلم اغلبهم وبقي الاخرون على مجوسيتهم الى ان اسلموا على يد الحسن بن علي الاطروش.
ولد أبو الحسن مهيار الديلمي البغدادي عام \ 334 هـجرية في زمن يموج بالاضطرابات السياسية والاجتماعية والفكرية والمشاحنات والمنازعات المختلفة قائمة في بغداد وفي غيرها من المدن الاسلامية .
وفي رواية اخرى كانت ولادته في طبرستان في منتصف القرن الرابع الهجري وقدرت ولادته بعا م \ 365 هجرية.
ويذكر انه ولد في فارس فيقول:
وفيكم ودادي وديني معاً
وأن كان في فارس مولدي
خصمتُ ضلالي بكم فاهتديت
ولولاكمُ لم أكن اهتدي
نشأ مهيار الديلمي في عائلة فارسية ثم سافر إلى بغداد وسكن فيها وكان على دين قومه فسكن في بغداد في جانب الكرخ في منطقة يقال لها ( درب رياح ) . و لم يحالف الحظ والدي مهيار في توفير لقمة العيش لابنهما الذي لم يكن أسعد حظا من ابيه فلازمه الشقاء منذ طفولته وحتى شبابه وسقاه الدهر كأس المرارة حتى الثمالة فكان مهيار يشكو الدهر والفقر والناس فيقول :
عيش كلا عيشٍ ونفسٌ مالها
من لذّةِ الدنيا سوى حسراتِها
إن كان عند ك يا زمان بقية
مما يضامُ بها الكرام فهاتِها
اتصل مهيار الديلمي بالشريف الرضي الذي كان حجّة الأدباء ونقيب الأشراف ببغداد ـ فأثَّر هذا الاتصال بشخصية مهيار الديلمي وعقيدته الدينية وشاعريته فهجر مجوسيته واعلن اسلامه فاصبح مسلما في دينه ، علويا في مذهبه ، عربيا في أدبه فابتهج بسؤدد عائلته وافتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه فيقول في ذلك :
لا تخَالِي نَسَباً يَخفِضنِي
أَنَا مَن يُرضِيكَ عِندَ النَّسَبِ
قَومي استَوَلوا عَلى الدهر فتىً
وَمَشُوا فَوق رؤوسِ الحُقَبِ
عَمَّمُوا بالشَّمسِ هَامَاتَهُمُ
وَبَنَوا أبياتَهُم بالشَّهَبِ
وَأبِي كسرَى عَلَى إِيوَانِهِ
أَينَ فِي النَّاسِ أَبٌ مثلَ أبِي
سُورةُ المُلك القُدَامَى وَعَلى
شَرَفِ الإِسلامِ لِي وَالأدَبِ
قَد قبستُ المَجدَ مِن خَيرِ أبٍ
وقبستُ الدِّين مِن خَيرِ نَبِي
وَضَمَمْتُ الفخرَ مِن أطرافِهِ
سُؤدَد الفُرس وَدِين العَرَبِ
ولما مات الشريف الرضي عام \406 رثاه بقصائد عديده ومنه احداها هذين البيتين يقول :
أقريش لا لفمٍ أراكِ ولا يدِ فتواكلي
غاض الندى وخلا الندي
بكر النعي فقال: أُردي خيرها إن كان
يصدقُ فالشريف هو الردي
ولما اعتنق الإسلام زهي سروراً كبيراً والتزمه بقوه ويتضح ذلك من قوله وشعره فهو يقول :
هو منقذي من شرك قومي وباعثي
على الرشد أُصفي هواي محمدا
وتارك بيت النار يبكي شراره
عليَّ دما إن صار بيتي مسجدا
الا انه كان يتغنى بمجوسيته وخاصة بنسبه لكسرى ملك الفرس حتى بعد اسلامه:
قد قبست المجد من خير أبِ
وقبستُ الدين من خير نبي
وضممتُ الفخر من أطرافه
سؤدد الفرس ودين العربِ
ويغتز بإسلامه فيقول:
لهف نفسي يا آل طه عليكم
لهفة كسبها جوى وخبال
وقليل لكم ضلوعي تهتز
مع الوجد أو دموعي تُذال
كان هذا كذا وودي لكم حسب
ومالي في الدين بعد اتصال
توفي مهيار الديلمي في الخامس من جمادى الثاني من سنة \ 428 هـجرية -1037 ميلادية .
يتميز شعره بانه رقيق الحاشية طويل النفس قصائده طافحه بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه، فهو يكاد في قريضه يلمس حقيقة راهنة مما ينضده، ويذر المعنى المنظوم كأنه تجاه حاسته الباصرة، ولا يأتي إلا بكل اسلوب رصين، أو رأي صحيف، أو وصف بديع، أو قصد مبتكر، فكان مقدما على أهل عصره وهو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر، وكاتب وتحت كل كلمة من كلماته كاعب، وما في قصائده بيت يتحكم عليه وهي مصبوبة في قوالب الافئدة والنفوس وقد قال الشعر في المدح والفخر والغزل والوصف والرثاء وفي اغلب فنون الشعر فابدع واجاد . فمن رقيق شعره يقول :
إن التي علقت قلبـك حـبـهـا
احت بقلب منك غير عـلـوق
عقدت ضمان وفائها من خصرها
فوهى، كلا العقدين غير وثـيق
ويقول في قصيدة طويلة ومن رقيق شعره منها:
أرقت فهل لها جعة بسلـع
على الأرقين أفـئدة تـرق
نشتك بالمـودة يا ابـن ودي
فإنك بي من ابن أبي حـق
أسل بالجزع دمعك إن عيني
إذا استبررتها دمعا تـعـق
وإن شق البكاء على المعافى
فلم أسألـك إلا مـا يشـق
وله في القناعة وقد أحسن فيها كل الاحسان:
يلحى على البخل الشحيح بمـالـه
أفلا تكون بماء وجهـك أنـجـلا
أكرم يديك عن السؤال فـإنـمـا
قدر الحياة أقل مـن أن تـسـألا
ولقد أضم إلي فضل قنـاعـتـي
وأبيت مشتملاُ بهـا مـتـزمـلا
ومن بديع مدائحه قوله:
وإذا رأوك تفرقت أرواحهم
فكأنما عرفتك قبل الأعين
وإذا أردت بأن تفل كتـيبة
لاقيتها فتسم فيها واكتـن
وله العتب يقول :
إذا صور الأشفاق لي كيف أنتم
وكيف إذا ما عن ذكري صرتم
تنفست عن عتب، فؤادي مفصحٌ
به، ولساني للحافظ يجمـجـم
وفي فيّ ماءٌ من بقايا ودادكـم
كثيراً به من ماء وجهي أرقتم
أضم فمي ضنا علـيه وبـينـه
وبين انسكاب ريثما أتـكـلـم
والمتابع لشعر مهيار الديلمي رغم كثرته يجد انه يفخر في اصوله الفارسية ويعرض ان نسبه من نسب ابناء الملوك الكسروية . وفي قصيدته (أعجبت بي ) التي نظمها في ( بغداد ) وتتكون من تسعة أبيات على بحر الرمل ذي الموسيقى الرشيقة الخفيفة يظهر فيه الفخر بالفرس وبكسرى واضحا وجليا يقول:
أعجِبَتْ بي بينَ نادي قومِها
(أمُّ سعدٍ) فمضتْ تسألُ بي
سرَّها ما علمَتْ مِن خُلُقي
فأرادتْ علمَها من حسبي
لا تخافي نسباً يخفضُني
أنا مَنْ يرضيك عندِ النَّسبِ
قوميَ استولوا على الدَّهرِ فتًى
ومَشوا فوقَ رؤوسِ الحُقُبِ
عمَّمُوا بالشمسِ هاماتُهُم
وبَنُوا أبياتَهم في الشُّهُب
وأبي كِسرَى على إيوانِهِ
أينَ في الناسِ أبٌ مثلُ أبي
سوْرَةُ المُلْكِ القُدامى وعلى
شرفِ الإسلامِ لِي والأدبِ
قد قَبَسْتُ المجدَ من خيرِ أبٍ
وقَبَسْتُ الدينَ مِنْ خيرِ نبي
وضمَمْتُ الفخرَ من أطرافِهِ
سُؤْدَدَ الفرسِ ودينَ العرَبِ
فالقصيدة نتاجٍ عربي لشخص فارسي يعتد بفارسيته غرض الشاعر منها التعبير بوضوح عن وجهة نظره من تفوق الفرس من حيث الأصل والمحتد وتنم عن عظمة الفرس، والتذكير بأمجادهم، كما يتصورها ويتخيلها مهيار الديلمي وانها تمثل رمزا لروح الفلسفة الشعوبية التي نشأت وترعرعتْ في ظل التسامح الإسلامي وأخلاقياته النبيلة. .
وقد رد عليه الشاعر العربي الملحمي في قصيدة طويلة اقتطف منها هذه الابيات :
لكَ يا مهيارُ في الشّعْرِ يدٌ
ولنا أيدٍ لَها لمْ تُغْلَبِ
لا تُفاخرْ أمةَ الضَّادِ التي
خصَّها الله بذِكْرٍ عربي
وحَبَاها من لدُنْه المُصْطَفَى
وكَفَى العُرْبَ النبيَّ اليَعْرُبِي
لا تفاخرْنَا فإنَّا أمَّةٌ
شَمْسُها منذُ بَدَتْ لَمْ تغْرُبِ
لا تُفاخِرْ أمةَ الضَّادِ التي
خَصَّها الله بذِكْرٍ طَيِّبِ
كُنتُمُ مِنْ قبْلِهِ في مِحْنَةٍ
والوَرَى كُلُّهُم ُ في نُوَبِ
تعْبُدَونَ النَّارَ ويَحْكُمُ
وتجُودُونَ لها بالقُرَبِ
قِصّةُ المجدِ لنا قد بدأتْ
بِظُهورِ الدين فافْهَمْ يا غَبِي
حيثُ نلْنَا ذُرْوةِ المجْدِ هُنَا
وغَدًا نَبْلُغُ أعْلَى الرُّتَبِ
الا انه يدعو اصحابه الى اعتناق الإسلام بعد اسلامه فيقول:
تبدّلت من ناركم ربها وخبث مواقدها الخلد طيبا
افيئوا فقد وعد الله في ضلالة مثلكم أن يتوبا
وإلا هلموا أُباهيكم فمن قام والفخر قامَ المصيبا
أمثل محمد المصطفى إذا الحكم وليتموه لبيبا
كان مهيار غزير المادة قل من جاراه من شعراء العربية في كثرة شعره وفي نفسه الطويل فكانت بعض قصائده تقارب الثلاثمائة بيت فهو ذو شاعرية فذة وابداع رائع تربع على رأس الحركة الادبية في أواخر القرن الرابع الهجري
وحتى وفاته .
اختم بحثي بهذه الابيات من قصيدة له طويلة :
سقى دارها بالرقمتـين وحـياهـا
ملث يحيل الترب في الدار أموالها
وكيف بوصل الحبل من أم مالـك
وبين بلادينا زرود وحـبـلاهـا
يراها بعين الشوق قلبي على النوى
فيحظى، ولكن من لعيني برؤياها
فلله ما أصفى وأكـدر حـبـهـا
وأبعدها مني الغـداة وأدنـاهـا
إذا اسوحشت عيني أنست بأن أرى
نظائر تصبيني إليها وأشـبـاهـا
وأعتنق الغصن الرطيب لقـدهـا
وأرشف ثغر الكأس أحسبه فاهـا
ويوم الكئيب استرشقت لي ظبـية
مولهة قد ضل بالقاع خشفـاهـا
يدله خوف الثكل حبة قـلـبـهـا
فتزداد حسناً مقلتاها ولـيتـاهـا
فما ارتاب طرفي فيك يا أم مالـك
على صحة التشبـيه أنـك إياهـا
فإن لم تكوني خدها وجـبـينـهـا
فإنك أنت الجيد أو أنت عينـاهـا
ألومـه فـي حـب دار عـزيزة
يشق على رجم المطامع مرماها
دعوه ونجداً إنها شـأن قـلـبـه
فلو أن نجداً تلعة ما تـعـداهـا
وهبكم منعتم أن يراها بـعـينـه
فهل تمنعون القلب أن يتمنـاهـا
وليل بذات الأثل قصـر طـولـه
سرى طفيها، آها لذكرتـه آهـا
تخطت إلي مشياً علـى الـهـوى
وأخطاره، لا يصغر الله ممشاهـا
وقد كاد أسداف الدجى أن تضلها
فما دلها إلا وميض ثنـاياهـا
امير البيان العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق