مسرحٌ صَغير علىَ ناصيةِ الرصيف ، وطفلٌ يَجلسُ على صُندوق خَشبٍ يَترقّبُ بِلهفةٍ ظُهورَ دُمىً مُلونةٍ تُحرِكُها خُيوطٌ ، ويَظنُّ أنها حَقيقة كما البشر
وبعدَ طولِ انتظار ، رُفِعَ ألسّتار، صَفّقَ فَرحاً ، والدُمىَ ألملونةُ تَتحرك وتتراقصُ ، وتَعزفُ لحناً ، وتروي قصصاً ؛ يُنصتُ بِأبتِسامةٍ بَريئةٍ
ويقفَزُ وَيدورُ فَرحاً
لازال صَغيراً ، وأمَامَهُ وقتٌ كي يكُبرَ ؛ فَلم تُقحِمةُ ألحياةُ في دوامةِ ألقهرِ بَعد والألم
فجأة ، صَمتت ألدُمىَ، تَقطّعتِ ألخُيوط وَسقطَت ،وَانسدل السَتار ،وسُرِقَت بَهجةُ وضَحَكاتُ ألأطفال ؛ تَحوّلَ المكانُ حَولَهُ إلى مَسرحٍ مُوحَشٍ لِلكِبار
اُرغِمَ على الجُلوسِ والصمتِ وَعدم ألإعتراض ، أو حتى ألابتسام ،
تسارعت عقاربُ السّاعةِ ، وجعلتة يسابقُ الزّمنَ ، ويؤدّي ادواراً رجوليةً للكبار
تحوّلَ ذاك الطفلُ الى رجل يجوب الشوارع ، ويجلسُ على الرصيف متسولا بدلا عن الجلوس أمامَ مسرح الدمى مع الاطفالِ
ترى من كان السبب ؟ ومن أسدلَ على طفولتة السّتار ؟
ومن مزّق الدمى وسلبَ الحياةَ كلَّ الألوان ؟
وسرق طفولتة وملامح وجهة البريئة وخط بدلا منها شارباً ؟
ونثر حوله رماداً ودخاناً ؟
وبدلا عن حملِ حقيبةِ الكتبِ ، حملَ على ظهرة مبكراً قهراً وأحزاناً ..
وبدلا عن جمعهِ الألعابِ اخذَ يجمعُ في عربةٍ من حديدٍ متاكلٍ ، وعجلةٍ بالكاد تسيرَ في الطّرقات اشلاءً واطرافاً متدلية من جسدِ أخية الذي قطّعتة صواريخُ الحربِ ، ونثرت دمة في كل مكان
يواسي أمّه ويخبرها أنَّ أخية سيعود لاحضانها كما كان
وباذرعٍ كانّها لرجالٍ ، جرَّ العربةَ مسرعاً يتمايلُ يمينا ويساراً ،
وبعقلِ طفلٍ يظنُّ أنّ هناك من سيُلصِقُ ما تقطّعَ من الجسد المتطاير من أشلاءٍ
صرخَوا ، وقالوا له إمضِ بذاك الجسد المهتريء ، وارمِه في حفرةٍ ،والقِ عليه التراب
لا زال طفلاً يتلفّتُ باكياً ويمسحُ الدّموعَ عن عينية ، و يحملُ جثّةَ اخيه منها الدماءُ تسيل
جرَّ العربةَ منكسراً ذليلاً مثل مسافرٍ طاعنٍ في السّنِّ اضاع الطريقَ والعنوانَ
في بلد غريب بعيداً عن أرض الوطن عرفَ حينها أنه كبر
وأنَّ الأرض لم تعد له ، وأن العمر تقدّم به وأسرعَ نحو المشيب ..
توقّف ساكناً بلا حراك ، وبات وحيداً بلا أرض ، ولا وطن ، ولا سند ..
أدرك أن الطفولة قد قد غادرتة مبكرا وودعتة الفرحة بلا عودة..
أبدلَ حياتة بتعبٍ وقهر ، وأسدل السّتار ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق