أنا الوطن المصلوبُ على هاوية ليس لها قرار، كلّما حاولت التّجاوز نصبوا الكمائن ، سلّوا سيوف الغدر، عقروا راحلتي وسَقوا زروعي البَوار..فُرشاتُهم الحمقاء رسمتني مجرّد كتلة جاثية ما عادت ساقاها تحملان ثقل الهموم المكدّسة على كاهلها... مُذْ زمن وهي تُداري دمعة خفيّة، حرقة تلهبُ أنفاسها، براكين مضطرمة ترهقُ فكرها.
في فمها يتلجلج صوتٌ متهدّج يردّد السّؤال تلو السّؤال ولا جواب...من قطع الماء عن الجذور فبات العطش قرين الأيّام واللّيالي ؟ لِمَ عندما أنادي لا أحد حولي ُيبالي؟ مَنْ وأدَ منظومة البِرّ؟ مَنْ علّم أولادي النّكران فامتدّت أيديهم تحصُد أمني ، تقضّ راحة الأموات قبل الأحياء.
لهفي عليّ... أنا الثّكلى كلّما نظرتُ عاد البصر كسيرا ، ضبابيّا...الأوراقُ الصّفراء المتناثرة تحجبُ الرّؤية ، تسدُّ منافذ الضّوء...يا لهذا الخريف ..إنّه عجائبيّ السّمات ، يسلبُ الخضرة من رحم الحياة، يؤشّر أنّ الآتي شتات...صفعةٌ تتهاوى لها الأغصان اليابسة وتتكوّر الأشجار على ذاتها خشية الفؤوس المتحفّزة.
تُرى ماذا يحدثُ؟ سؤال ابتعله الصّمت والإعصار يسرق كلّ شيء حتّى الحبال الصّوتيّة تتعثّر فيها كلمات الصّدق ، على الشّفاه لا يبقى غير غمغة فقدت إيقاعها ، نشاز كلّما حاولت الأرض أن تختلس منه همسة ، هدهدة تروّض بها جماح الوجع، شرقتْ وتحوّل الصّوت غصّة تقطع أنفاسها.
كَمْ يحنّ الفؤاد إلى رفّة الصَّبَا ، كَمْ تتوق العين إلى العود الأخضر على فننه يردّد الصّادح : تيهي يا نجمة الصّبح ، هلّلي لعناق الفجر يسقط غُبار العتمة...أبشِري أيّتها السّاقية فالينابيع قد فكّت أختامها والخميلة حضنت الأطيار مِنْ كلّ لون وجنس.
أنصتي : هذا الهمس يسْري وشوشة لذيذة تدكّ حصون الصّمت ،عزف يرتشفه النّبض فينتقض الجسد الموهن ...رقصة صحّة بعد إعياء والصّوت يستردّ صفاءه ، يعدّل أوتاره ، يهزج ...دعوني أغنّ فقد مللتُ البكاء.
9 /7/ 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق