أبحث عن موضوع

الأربعاء، 11 أبريل 2018

كأن شيء لم يكن _ قصة قصيرة ...................... بقلم : فؤاد حسن محمد / سوريا



المقهى مصنوع من الخشب الذي يذكر رواده بالطبيعة ، الطاولات ، الكراسي ، الجدران ،في محاولة لخديعة الزبن بالجمال ،ترى أكان يخطر في البال بعد أن حدث ما حدث بعد قطعها وتصنيعها ،إنها بلا روح كالجثث .

اقترب النادل وسألنا بلباقة :

- ماذا تطلبان

أنا طلبت فنجان قهوة وهي طلبت كوكا كولا ،لماذا يفاجئنا مدى اختلاف الذوق معنا ، أم قبول الاختلاف مجرد ترديد أكاذيب،كان في المقهى قفص بداخلة عصفوران عاشق ومعشوق ،طائران صغيران جدا بألوان نادرة ،نعاقبهما لأنهما جميلان كونهما نحن ولا نحتاج من الجمال لأكثر من ذلك .

شيء فظيع أن يكتشف الإنسان أن فكرته عن الحياة هي متعة تخدعك بمهارة ، إن الصعود والهبوط أمر مفاجئ ،لكن هذا النوع من الأمور هو دائما مفاجئ ، فأما أن تحتسي المرارة أو لا تحتسي السعادة مطلقا ،حين نطقت هي بتلك الكلمات همهمت نعم أو سأنتظر وأرى ،وقالت شيء أخر جعلتني افترض أفترض أنّ الحياة جميلة ،قالت لي أنا سعيدة... حين أكون معك اشعر أني امرأة جديدة ، لم تكن محرجة بحيث ارتبكت ولم استطع الإجابة ، فضغطت على يدي ومالت نحوي مبتسمة لشيء ما ثم تناولت رشفة من زجاجة الكوكا كولا .

كانت الكلمات تتوالى بسرعة من فمها طرية بصورة متألقة ،بل حتى زاهية كما بدا لي ،بينما كان خيالي منفلتا لدرجة أجده مغلق ومقفول،فقد صار لدي امرأة تحبني كما ظننت ،وأحيانا كانت تحدق فيّ بحنان لدرجة انني ارغب في ملامسة عيونها الواسعة ،لقد أدركت أنها زينة الحياة ،وأحسست برومانسية حبها عندما همست :

-أنت نصيبي

من الصعب عليّ الرد بسرعة على هكذا إطراء ،وخيل إلي أننا في شريط سينمائي ، فقط كلماتها الحلوة تعبر عن حالتنا هذه ،لم اسمع في حياتي مثل ذلك يطرق سمعي ،تلك المرأة الطليقة جعلتني أحب تلك اللحظة ،بقيت انظر اليها فترة طويلة ،قررت أن تؤكد لي : أنت نصيبي ،فأومأت لها برأسي :موافق .

قالت : أنت أصيل

قلت :

- أنا سعيد بوجودك معي .

حديثها الذي بدا مدهشاً جداً ومعبراً عن الحب أكثر من أي شيء توقعته، هذا الفعل بمثابة شيء مذهل جمدني،اشعرني بالعجز،لم أتكلم ،المشكلة لا أدري كيف اربط بين ما اعتقده ذهنيا ،وبين الكلام اللطيفالذي يبدو أنه مدعاة للحب،وددت لو ملكّْتني الجرأة أن أقول "(أنتِ حلمُ حياتي " لكني انكفأت على ذاتي ،قالت وهي تشير الى القفص :

- هناك شيء شديد الجاذبية في هذين العصفورين

تريد أن تبعدني عن الموضوع كي تحل عقدة لساني ،لكنبقيت مخلوقاً غير مؤذ وساكن اخترعته بيدي ،تملأ زقزقة أنحاء المقهى ،بإمكاني أن أرى انه يشكرها ،زقزقة من خارج روحي،ما المانع لو فهمت الموضوع وتوصلت إلى بداية مناسبة وأدرت الموضوع بطريقة جيدة ،مثل أولئك الجالسون بهدوء لاشك أنهم نظموا الفوضى بمهارة ،يجيدون ببراعة القيام بدور الرجل القاسي اللطيف وإيجاد الأجواء الجنسية حول الجو، ويتمكنون من إدارة الحوار حول أي شيء .

وكأن ما أراه من الاهتمام هو فوضى إذا لم استطع تنظيمها ،كأن كل شيء لم يبدأ وكأن كل شيء انتهى .

قالت :انظر إلى الشارع

في الشارع بنات ذات سيقان جميلة يرتدين الجينز الضيق ،وكذلك الشباب ،لإبراز ما يعتبرونه شيئا مثيرا جدا ،وبشكل ما ودون أن ادري أرسلت إشارة ضعيفة لها أن الحب ليس كله صعود إلى قمة الروح ،بل هو هبوط أيضا إلى أسفل الجسد .

ولأن قصدي واضح ، وهي ذكية ، نظرت ألي تتقرى في ملامحي حماقتي الدفينة التي ربما اردت بها الصواب في الزمن الخطأ.

لاشك أن وجودها معي في هذا المكان ليس مشهدا ملائكيا ،كوننا معا ذكر وأنثى،هذا هو بالضبط نوع اللعبة التي يمارسها الرجل والمرأة ليتسلى الواحد بجسد الآخر ،إنها حقيقة ،وليس شاذا فعل ذلك ،وهذا هو الشيء الذي يقولون عنه الحب ،لكن بدا لها أني غير متمكن من قواعد اللعبة ،ولم أتخيل أية نوع من الخطط يمكنها ان تبدل ذلك ، أن الرفض ببساطة يأتي نتيجة أني لم أسأل يشكل لبق .

قالت :

- آمل أن لا تضيق بي إذا ما سألتك...هل لديك تجربة مع فتيات قبلي ؟؟؟؟

_لا

- واضح ...... لذا تبدوا غير ممتع في تبادل الكلام .




ثمة صوت مبحوح يصيح ،نظر الرواد نحوي وكأنهم يتوقعون أنها صدرت عني ، وبينما تبهت الزقزقة يرفع الطائر جناحيه إلى أعلى ويرفرف بهما ،ويسقط إلى الأسفل متشنجا قالت لقد مات ،قامت ومدت يدها إلى حقيبتها ، وضعت ثمن الضيافة ، واندفعت إلى الخارج ، وبقيت واحدا على الطاولة ،وكأن شيء لم يكن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق