في داخل كل منا قارة، يعيش فيها بمفرده، تختلف عن موطن الروح والجسد، فهذه القارة ليست لها وجود في خريطة جسد الانسان بل هو من يوفر لها المكان ليقضي فيها خلوته، قد تكون ناحية القلب او اقرب قليلا، كل انسان على نفسه بصيرة بمكان قارته.
بإمكاننا أن نعيش وسط هذه القارة لفترة من الزمن قد تكون بمثابة الراحة والعزلة عن الجميع، وقد تكون بدافع الهرب من الواقع الذي نعيشه، لا نرى الوجوه المقلابة والاماكن الموحشة، الجدران المتناخرة، لم نسمع فيها عن القتلى والجرحى الذين سقطوا، لا نعطي الإنتباه لكلام لاذع قد سمعناه من قصد او دون ذلك، لطعنة في الظهر، لسوء ظن، لخيبة من صديق او قريب.
فعندما تضيق الارض بوسعها عليك وتختفي سماء الفرحة من عالمك فلا تجد ملجأ غير هذه القارة، فتعيش فيها بين موسم الخيال والواقع، وقد تتعايش معها مع مرور الزمن، فتصبح ايامك ممزوجة بالحزن والفرح واليأس والامل بين الظلم والمظلومية فتلاعب الادوار على حسب موقعك، ورغم ما تملك الا انك تتجرد داخلك وتخلع ما ترتديه في هذه القارة فتتكلم مع نفسك وتخاطبها وقد تؤلمها او تزجرها وان فعلت ما ترضيك خاطبتها بالنفس المطيعة، فكم مرة وقفت امام المرآة وتكلمت مع نفسك خاطبت ملامح وجهك الباهتة سمعت صوت من تلك القارة يناشدك من داخلك، انا سمعت ذلك الصوت تكرارا ومازالت اسمع تلك الصرخات.
وارجع الى مسكني الوحيد الذي يحتضنني بكل فصول ايامي فمنذ سنوات وهي تتحمل ما لم يتحمله بشر، حتى اصبحت موطني وذاتي، لا اسمح لاحد بدخولها الا بعد ان اعرف مدى صلاحية نفسه واخلاقه، فليس من السهل ان تنال اقامة او جنسية داخل صدري وتشاركني النبض ان لم تكن مؤهلة لهذه المكانة. وان كنت سعيد الحظ ونلتها ستعثر على بعض من اغصان السلام وباقة من الحب واوراق بيضاء وريشة، الزاد هو الحروف التي يخطها جسدي في جنائن الروح، فكلما زاد سيري في جنائن زادت بضاعتي، ستجد الهواء هنا مختلف كنسمة تلاعب زهرة النرجس، فيا عزيزي انا اهرب الى قارتي كلما ضاقت بي الحياة، اهرب من الصراعات المعقدة التي لا تنفع ولا تضر، لا يوجد فيها بقايا من الحرب والاستعمار، لا يوجد فيها نازحون لاجئون لايوجد فيها اكفان او دماء، فكل من يسكن قارتي يعيش في عالم السلام والامان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق