أبحث عن موضوع

الأربعاء، 28 مارس 2018

البيضة والحجر _ ق.ق ................. بقلم : على حزين / مصر


هل هناك صلة بين الفلسفة والجنون .؟َ.. أو بمعنى أخر .. هل بين الفلسفة وتبني أفكار شاذة , وغير منطقية صلة .؟.. أو بمعنى ثالث ..هل بين الكفر بالثوابت , والتقليد , والأخلاق والفلسفة علاقة ..؟.....

أنا عن نفسي درست الفلسفة , وتبحرت فيها , وقرأت كل ما جاء فيها , من كفر وإلحاد , وشك ويقين , وشطحات وإيمان , وذلك من بداية نشأتها من لدن العصور اليونانية القديمة , ومن بداية "طاليس" مروراً بسقراط , وأفلاطون , والفلسفة الإسلامية , ابن سينا , وابن رشد , والفارابي , والغزالي , وصولاً إلي العصر الحديث , وكان من الممكن أن أفعل مثل ما فعل صديقي , وأتخذها وسيلة لكسب المال الحرام , عن طريق الدجل , والنصب , والشعوذة , والضحك علي البسطاء , لكني رفضت بوازع ديني ليس إلا , هو فعل ذلك دون وازع , وأخذها سُلماً , ومطيةً , وديناً , ومعتقداً , حتى يصل بها إلي أغراضه الدنيئة , درس الفلسفة , وحصل فيها علي أعلى الشهادات العلمية , أحبها , وتبنى أفكارها , وآمن بكثير من الفلاسفة , حتى وصل للشك , أما أنا حدث معي نفس الأمر , درست الفلسفة , وتعمقت فيها , وبالأخص "الميتافيزيقا " البحث فيما ما وراء الطبيعة " وفي "أصل الأشياء ".؟!. ونشأت الكون ...؟!.. ومما تكون ..؟!.. وكيف كان قبل أن يكون "..؟!. وما أصل كل شيء "..؟! .. الخ .. حتى وقعت في الشك مثله , ولكن الشك الذي وقع فيه ديكارت , والغزالي , الشك المنهجي , للوصول إلي الحقيقة واليقين , أما هو فكان شكه , مذهب الأخر, الشك من أجل الشك ليس إلا.,......

أذكر ذات مرة .. ونحن كنا شباب , ندرس في الجامعة , دار بيننا حوار فلسفي عميق جداً .. أخذ يسألني عدة أسئلة , وأنا بدوري كنت أجيبه علي سؤاله بسؤال .. وطال بنا الحوار, واشتد النقاش , وأحتد الجدال بيننا واحتدم , .. في أصل الإنسان .؟!, .. والكون .؟!,.. وأين كان العالم قبل أن يوجد ؟!, وما هو العدم ..؟! .. وهل له حقيقة أم لا .؟!,.. وفي نظرية التناسخ ..؟!. ووحدة الجود,.؟!,.. ونظرية الحلول والاتحاد ..؟! .. وغير ذلك من النظريات القديمة الحديثة.. التي قتلت بحثاً وتمحيصاً.. وفي النهاية رماني في وجهي بحجر , وذلك لما قال لي بأنه : ..

" لا يؤمن بالله , ولا بدين , وبأن الدين الحقيقي لم يأتي بعد " ؟؟!!!.. صُعقت لمّا قال لي ذلك , واحتددت عليه في الحوار, لما تطاول علي المقدسات التي نؤمن بها , حتى كدنا نتشابك بالأيدي , وانتهى الحوار بيننا بقطيعة , ظلت أعوام لا أذكر عددها ....

وفي يوم من الأيام .. كنت أسير في طريقي إلي المنزل .. إذ جاء فجأة , وأقبل عليَّ , وفاجأني بالسلام , وبالعناق , والكلام , فرددت عليه , إذ ظننته غير من أفكاره القديمة , وكان يحمل في يده بعض الكتب , وتحت إبطه برواز كبير , سألته بدافع الفضول .. ومجارات للحديث , إذ لم أجد ما أقوله له ..

ــ ما هذه الكتب ..؟!

ــ هذه الكتب من فرنسا , وهذه شهادة مبعوثة لي مع طرد الكتب هذا مكتوبة بماء الذهب , وعليها صورتي , وفوقها ختم , وشعار الجمعية . الروحانية الكبيرة التي في فرنسا ,

ــ كيف ..؟! .. ولماذا ..؟! .

ــ أنا أرسلت لهم فجعلوني عضوا معهم ....

ــ أما زلت في غيك القديم ..؟!..

ضحك حتى مال علي ظهره , وقال لي بنبرة ساخرة , ممزوجة بشيء من التعالي . والغطرسة كعادته ...

ــ من منا يا صديقي , أنا أم أنت ..؟

ــ انت بالطبع .

ــ الذي يُسلّم بالمغالطات ويجعلها ثوابت , أم من يبحث عن الحقيقة .؟ .

ــ أي حقيقة تقصد , .؟

ــ أنت تفهمني وأظن انك تعرف أفكاري قبل سابق

ــ لكنها خطأ . كلها خطأ ..

ــ خطأ ههههههههه

واتبعها بقهقهات مستفزة , كدت أن أسُدَّ أُذنيّ حتى لا أسمع صوته المنكر لكنه تابع ,

ــ يا صديقي عقولنا محشوة بمعلومات خاطئة منذ كنا صغار

ــ ليس كل شيء خطأ

ــ بل كل شيء , ألا ترى أن العقل الذي هو مليء بالمعلومات قد برمجناه بمعلومات خطأ في خطأ ...!!!!

ــ تقصد

ــ نعم الحواس , أجل يا صديقي , أليست هي التي نكتسب عن طريقها المعلومات , لنرسلها إلي العقل , فتصير معلومات , وتصبح مسلمات وعقائد ثابتة لدينا

ــ لكن هناك حقائق ثابتة بالتأكيد

ــ ليس هناك شيء ثابت , ولا حقيقة ثابتة إطلاقاً .. وألا إثبت لي ذلك

ــ الله , المقدسات , الرسل , الكتاب , القيم , الفضائل , الأخلاق , المبادئ

ــ ما هو مسلّم به وحقيقة ثابتة عندك , عند غيرك أمر ليس مسلّم به

ــ هذه سفسطة سمجة

ــ ههههه

ـــ لكن هناك عقل نستطيع أن نميز به بين الأشياء , العقل هو الميزان والحَكَم

ــ حتى هذا العقل نسبي , ويختلف من شخص لأخر, ومحشو ومبرمج عن طريق الحواس. كم من السنين ونحن نرى الشمس من بعيد وهي صغيرة كالكرة , لكن أُكتشفَ في هذا العصر بأنها تفوق الأرض بكثير , وقس علي ذلك النظريات , والمعادلات العلمية , والأخلاق ... الخ .. الخ ..

ـــ لكن هناك قواعد ثابتة

ــ حتى هذه فيها نظر , وشك

ولما رأيت بأن الطريق مسدود أمامي في أقناعة , تركته , وانصرفت .. دون أن استأذن منه , أو اسلم عليه .. فوجدت ضحكته المقززة تلحقني , وصوته يصفعني من الخلف قائلا :

ــ هروب أذاً , كالعادة , هههههه ههههههههههه

التفت , وأنا انظر إليه شررا , قائلا له :

ــ حين ينقلب الحوار إلي سفسطة , وبلا منطق يصبح الحوار معك بلا جدوى

وتركته وانصرفت , خطوات قلائل مشيتها , عبرت فيها شرطان السكة الحديد .. وإذ به يذوب وسط الزحام , كفص الملح في الماء , فحمدت الله أن اختفى من وجهي , وبَعُد عن طريقي , فحواره معي دائما غير مجدي , إضافة علي أنه يرفع على الضغط .. أنا اعرف نشأته , والبيئة التي تربى فيها , وميوله النفسية المنحرفة , فهو يحب الشهرة , والمال حباً جما , وكذلك النساء .. عرفت فيما بعد , من بعض المقربين منه , انه قطن في المدينة التي اسكن فيها , في إحدى المساكن , وسط حي شعبي , وأصبح له شأن , ومكانة بين الدهماء , وبعض الشخصيات العامة , وصار له مريدين , وأتباع , ومؤمنين بأفكاره , فهو يؤمن بالشعوذة , وبالسحر , وبالكهانة , ويقتني لها كتباً كثيرةً , وأيضاً كتب قي الفلسفة , وعلم النفس وعن عالم الجن, فهو يؤمن بالجن , وبقدراتهم الخارقة حتى انه يدعي , بأنه يستطيع بأن يسخر الجن فيما يعجز عنه الإنس , في معرفة الغيب , وشفاء الأمراض , والكشف عن السرقات , وأيضاً القدرة علي جعل النساء العاقر تحمل , علاوة علي فك السحر, والمربوط , وصنع ألأحجبة وجعل له ثمناً للذهاب إليه "رُشتا ".. حاجة كده أشبه بفلم " البضة والحجر" الذي قام بتمثيله المرحوم الفنان" احمد زكي " لكن النهاية في الفلم تختلف تماماً .. فالبطل أحسن حظاً .. من هذا المدعي الكذاب , فقد انتهى الفلم , علي البطل , وهو في رغد من العيش , مع الضحك علي الناس , مع وجاهه في المجتمع , وحظوة ومكانة لدى المسئولين , بعكس هذا الأفاك الأشر , فقد عمل أول ما تخرج مدرساً للفلسفة , ثم تزوج من إحدى السيدات الفضليات , وأنجبت له بنتاً , سرعان ما تنصل منها , ودبت الخلافات بينهما , بسبب غيرته الشديدة عليها , وعدم ثقته فيها , وكثرة اتهامه لها بالباطل , وبان البنت ليست بنته , مما أطرت لرفع قضية عليه , وطلقت منه بالمحكمة , وفُصل من عمله بسبب غيابه المستمر , وانقطاعه عن العمل , مما تدهور به الحال , وأصبح بعد أن كان شبة محترم , ونظيف بعض الشيء , صارت حالته رثة , وريحته نتنة وعفنة , وأصبح حافي القدمين , يرتدي جلباب متسخة , لا تستطيع أن تميز لونها من شدة الوسخ العالق بها , وإذا ما أمعنت النظر تلاحظ خرقة بالية تحت الثياب , تراه هائماً علي وجهه , في كل مكان , في الطرقات , وفي الحقول الزراعية ..

ذات مرة رأيته .. وكنت أبيع كتباً بجوار " مزلقان " المحطة " وإذ به أقبل عليّ بهيئته الرثة .. وأخذ يمسك بالكتب , يقرأ عناوينها , ويقلب صفحاتها بين يديه , يفرها , بتصفح فيها , وبالأخص الكتب التي تتعلق بالفلسفة , فقلت في نفسي" ما الذي حدث معه .. وما باله أصبح هكذا ..؟!! ... سأناديه , وسأري هل سيعرفني أم لا " فناديته :

ــ " يا أحمد "

فالتفت نحوي , وابتسم . ثم قال لي :

ــ " أهلاً يا " فارس "

فقلت له ــ أما زلت تعرفني , أتذكرني ,؟!.

صوب إلي النظر , وهو يبتسم ابتسامة اعرض من التي سبقت ,

ــ وهل يخفي القمر .. طبعاً صديقي , خصمي اللدود "

وضحك ضحكته المعتادة .. فسألته عن حاله , وأحواله , وكذا أخباره فقال :

ــ الحمد الله ــ

فضحكت

ــ لماذا أنت تضحك

ــ لأنك أخيراً اعترفت بأن الله حق

فضحك ولم يرد عليّ , ثم غيب وجهه في أحد الكُتب التي في يده , برهة , سألني عن أسعار الكتب التي في يده , فأخبرته .. فضرب يده في جيبه وأخرج بعض الجنيهات الزهيدة , فأخذتها منه مع أنها ليست كل الثمن . وأخذ الكتب وانصرف, وانقطعت أخباره,فكنت أتسقطها من الذين يعرفونه ومن المقربين منه , وهكذا تكررت بيننا الصدف

وفي أحدى المرات ... فجأة , توقفت عربة " المكروباص " التي كنت أركبها , وأنا عائد من عملي .. وإذ به يخرج من وسط حقول الذرة .. بهيئته الرثة , يفتح الباب , يركب , وبيده سبحة غريبة طويلة ملونة , يجلس بجواري دون أن يشعر بوجودي, أخذ يتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة .. ألتفت إليه , سلمت عليه , فرد السلام وذكرني باسمي , فتعجب كل من في العربة , لأنهم يعرفوني جيداً , ويعرفه أيضاً فهو بالنسبة لهم نار علي علم , وبعد أميال طلب من السائق ان يتوقف , نزل علي احد الطرق الزراعية , وخاض في الحقول الزراعية وعيون الركاب تلاحقه , وعلامات التعجب , والاستفهام ملأت عيونهم , ثم سألني السائق

ــ أنت تعرفه من أين ..؟!!..

فرحت أقص عليه قصته, وقد تعمدت أن أعلي صوتي , لأني لاحظت أن أعين الركاب وأذانهم كانت معي , وفجأة السائق انحرفت يده عن عجلة القيادة , وكأن أحدا أنزعها من يده , ليهوي بها في الترعة المجاورة .. وكبر وهلل من بالعربة , وأنا معهم , وأخذت استعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. وكل من في العربة في حالة ذهول , واندهاش لهذا الأمر .. ولما تمكن السائق من العربة , حمد الله تعالي , وسمعته يقول وهو يتنفس نفسا عميقاً وهو يقول :

ــ حاجة غريبة والله دي , عمرها ما حصلت معي ..؟!..

وطلب مني بأن أتوقف عن سيرة اللي ما يتسمى , علي حد قوله .. حتى نصل بالسلامة , معللا ذلك بأنه " مخاوي " , وممكن يضرنا , ويؤذينا .. فأخذت اشرح لهم وأبين , بأنه لا يستطيع هو أو غيره , أن يفعل شيء إلا بإذن الله تعالي , وأخذت أذكر لهم الآيات , والأحاديث التي تثبت صدق ما أقول لكنهم , ومع ذلك طلبوا مني أن أكف , وأن أتوقف عن الحديث عنه وبأن أقفل هذا الموضوع , وأن أفتح موضوعا أخر ... فضحكت في نفسي ورحت أرخي ظهري للوراء , وأنا آخذ نفساً عميقاً .. سكت , ولم أنطق ببنت شفة .. !.. والأفكار راحت تتزاحم وتملأ رأسي .. و.............

22 / 3 / 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق