أبحث عن موضوع

الأربعاء، 21 مارس 2018

قراءة وتحليل لقصيدة الشاعر قاسم حسين ( أبتي )............... بقلم : غزوان البسنو // العراق




يبدأ الشاعر بمناجاة أبيه بقوله :

أبتي
عندما كنت صغيرا
كنت أحسد المحزونين على حزنهم

يبدأ الشاعر بمناجاة مريرة لوالده الذي فقده منذ نعومة أظافره
الذي كان يشعر بالسعادة لوجوده ولم يشعر بالحزن قط حينما كان على قيد الحياة لذلك كان يريد أن يعرف كيف هو طعم الحزن ؛ ليقف أمام المرآة ليعرف كيف يكون شكله وهو حزين بإحترافية متقنة ، يقول :
وأمثّل أمام المرآة دامعا حزينا
وكيف بعد أن فقد اباه ليتغير الحال حيث يقول

أرفع نخبك يا أبي صباحا ومساء
كأسا من الدموع

ما نعرفه بأنّ النخب يكون للفرح فكيف يكون نخبا ومن الدمع
مفارقة جميلة في المعنى يضعها الشاعر أمام القراء بلغة شعرية لا تشوبها شائبة .
ليرجع بعدها إلى مشاهد الطفولة التي عاشها وهو في كنف والده ، ليقول :

عندما كنت صغيرا
كنت أعد الليالي ثواني
والمسافة بيني وبين الشمس
أحسبها أميالا


الليالي ،الثواني ، اميال . اضداد لمعنى واحد بنيت عليه فكرة الوجود الحقيقي لشخص قريب لنا من القلب وكيف يمضي الوقت سريعا بوجوده
ليختتم المقطع بقفلة مدهشة بتشبيه رائع ، بقوله :

ولم أعرف بأنّك الوجه الآخر للقمر.

استخدام جميلة يحتاج وقفة اجلال واكبار
إنّ للقمر صيغة وصفات جمال لطالما شبهنا من نحب بالقمر .. أما أن يشبه الولد أباه بالقمر . لتعلم ذلك كم من الحب تحمله طيات هذا السطر والحب الذي يكنه الشاعر لوالده .

يكمل الشاعر مناجاته ويقول

أبتي
مَنْ سيغلق حقائب الحزن
بعدك…?


"حقائب الحزن " المعروف بأنّ الحقائب هي للسفر .او لرحلة طويلة وبعد الفقد يشعر الشاعر بأن رحلته مع الحزن دائمة وغير منتهية وستبقى مفتوحة حقائبه للبكاء دام اغلاقها مرتبط بشخص قد رحل رحلته الأبدية .

ليسأل الشاعر عدة تساؤلات مثل

مَنْ سيأخذُ دَوْرَ الوالدين
بعدك...?
من سيقول أهلاً لك
أو أهلاً بك…?
وهو يبكي نفسه بحرقة ، بقوله :

تساؤلات
وضعتها على طاولةِ الدموعِ
وأنا أتغذى فؤادي مع بعض الوجع الساخن

يكمل الشاعر قوله ما بعد الفقد وكيف ان الألم عزله عن الجميع وكأن الحزن له وحده وله الحصة الأكبر منه . ليقول
بعدَ رحيلك ،
أبتي ،
الجميع بمن فيهم أمي
وضعوا أصابعهم على مسامعِهم ..!
وا حسرتاه .. وا غربتاه
وا أسفاه ..!
لم يسمعني أحد ..
ولم يجبني أحد ..

من كثرة الوجع الذي أصاب الشاعر بالفقد والحسرات التي رافقته جعلت من الجميع الكف على سماع منادته لوالده ولم يجيبوا على تساؤلاته

يكمل الشاعر رجاءه لوالده بالتمني بقوله :

لو رافقتني حتى فك الشفرة ..
أو رافقتك في أول محطة ..
ولكن القدر لم يمنحه أي من الاثنين ويأخذه مساره المرير
بقوله :
إستعجلتَ ..
ولم يكنْ لدي وقتٌ للموتِ
عبارة تشدّ القارئ إلى معرفة خباية النفس عندما نفقد الأعزاء لنقول بأنّ الحياة لم تعد تجدي دونهم .. لكن هناك قدرة أكبر من كل الخيبات والوجع تجعلنا نضع الفكرة جانبا نسير بمرارة الحياة وهنا يوضح الفكرة لِمَ لم يكن لديه وقت
بقوله :
فكلّ وقتي كان يُصرَفُ على الموتِ

من المرير أن يكون وقتنا كلّه يصرف على الموت هنا يبدع الشاعر بحكمة لكي يتحمل الموت و مشيئة القدر .

يرجع الشاعر قاسم حسين لصورة جميلة ويصف الأمل الذي كان يجده في أبيه ، ليقول :

كنتُ أرى الله في عينيك

في كل اللغات وكافة المعتقدات يرجع المرء إلى تلك القوى العظيمة التي واجدت هذا الكون ..يجد الشاعر تلك القوى في عيون والده فكم من الأمل فقده بعد ذلك .
ليكمل المغزى نفسه بقوله عن الأمل،
كنتَ تبتسم ..
وأنت تسافر إلى اللاعودة ..

لماذا كان يبتسم والد الشاعر وهو يغادر الحياة ، الأباء يضعون كل الأمال أمامنا كي نشق طريقنا في الحياة ونكمل مسيرتنا . ولربما كان والد الشاعر يضع تلك الابتسامة كشعمة تنير طريق ولده ليكمل مسيرته في الحياة .
وهذا ما يبينه الشاعر بعدها ، بقوله :

كنتَ تعرف بأنك ولدتَ لتصنع الحياة

ليكمل على نفس الثيمية

وأنا عرفتُ ذلك بعد أن سألتُ ( سفيان* )
أ لهذا أبتسمت ?!!

*سفيان كان زميل الشاعر في المرحلة الأبتدائية من الدراسة. وكان والده الشاعر معلمهم في تلك المرحلة ..ليذهب الشاعر الى زميله ليبحث عن جواب لسؤاله ليخبره زميله بذلك أي انه بأن والده كان يبعث الأمل لدى البقية أيضا ليصنع الحياة !!

ليرجع الشاعر الى ذكريات المدرسة وما تعلّمه من والده في تلك الفترة . ليقول :

يا أبتي
قلبي ، مازلتَ فيـه
ولازالت أُذُنايَّ صاغيتين
لحروفٍ ثقيلةٍ وأخرى خفيفة
لحروفِ الجرِّ والعطفِ
لحروفٍ لم يستطعِ الزمان محوها
فكيّف أسمحُ للزمانِ أن يمحوكَ ..!

"التعلم في الصغر كالنقش على الحجر"
مقولة تناسب ما تعلّمه الشاعر من والده في فترة الطفولة ومرحلة الدراسة الابتدائية ..
لينهي الشاعر قصيدته مستسلما لمشيئة القدر ..فيقول :
يا أبتي
كلُّ شيءٍ تغير ، تبعثر وتبخر
ولكن رغم ذلك تبقى عيناه تتأمل مجيئه وذلك بقوله :
سوى عينيّ
حيثُ ماتزال تتأمل مجيئك ..
الذي يرحل عودته مستحيلة ولكن لما تتأمل عينا الشاعر مجيئه !!قد يكون ذلك الأمل الذي تركه له والده وهو يبتسم ليسير الشاعر على خطى والده
ليؤكد لنا ذلك بقوله في خاتمة القصيدة
سوى قلبي
فـلازال على نهجك للحياةِ يطربُ..

هناك تعليقان (2):

  1. كل الإحترام والتقدير ل شاعرنا واخونا العزيز قاسم حسين

    ردحذف
  2. كل الإحترام والتقدير ل شاعرنا واخونا العزيز قاسم حسين

    ردحذف