أبحث عن موضوع

الخميس، 3 أغسطس 2017

الدراسة النقدية للكاتبة التونسية الاستاذة خيرة مباركي حول قصيدة ( في ظلمة الجهل ) للشاعر : ضمد كاظم وسمي





البؤرة الابداعية في قصيدة ) في ظلمة الجهل )
بقلم الكاتبة التونسية : خيرة مباركي
في ظلمة الجهل والسّجان يرقبه هكذا حدث الشاعر ضمد كاظم الوسمي .. تشنقه المقاصل ويفزعه الجهل ..لم يستطع أن يخفي هذه الشكوى لأن لغته انفلتت من عقالها وأعلنت عصيانها لتكشف المستور .. بهذا ليس هاجسه اللغة بقدر ماهو هاجسه المتوارى من المعنى .. شكوى الواقع ورثاء الوطن الذي يستحيل هجاءا للراهن ونزفا بأوجاع أثقلت الكيان .. ثم يتحرر شيئا فشيئا من ديناميكية الخطاب لديه إلى ضرب من الثورة والتبرّم من الموجود .. يطلقه زفيرا ويتطور نفيرا .. فتكون بذلك علاقة الشاعر بالوطن البؤرة الإبداعية التي يتشكّل عبرها الخطاب .. لعلّنا ندرك بذلك صوتا جنائزيا يتحول إلى صحوة تتشكل عبر موقف يتسع مداه وتتمدّد جغرافيته ليتوحد الوطن العربي بالمعاناة والألم ينوح ثاكلها من العراق إلى الشامات فاليمن .. ليشكل لوحة تراجيكوميدية تجمع بين الألم والغضب بين البكاء والضحك ففي أمته الجهل أبكاه وأضحكه .. إنها المباشراتية في خطاب الشاعر ..الصورة البسيطة التي تتشكل عبر محاكاة الواقع بعيدا عن تعقيدات الرمز وجموح الخيال ولعلّه الطريف في هذه القصيدة الذي ينبجس من أعطافه التصوير الفني ..فلم تعد طرافة الصورة في مدى التخييل فيها بل من أشياء ندركها ، وكأننا بالشاعر يعوّل على الإيقاع بديلا جماليا عن المشهدية المترسبة في الذهن ..إنّها الصورة السمعيّة التي تجعلنا نحلق مع الشاعر بعيدا في مجاهيله وأغوار ذاته المأزومة المهزومة بالإنكسارات والفسق .. بالجهل والتكفير .. حتى غدا الخطاب الشعري تحويلا للقلق إلى كلام تحويلا فنيا ندركه أولا في تخير البسيط بحرا بما يمتاز به من ازدواجية في التفعيلة مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن عوضا عن فاعلن في العديد من المواضع لتعمق هذه العلل علل النفس ومآسيها .. وما يزيد ويعمق حال الانكسار هذه الدينامية الصوتية بتخير القاف والنون في بداية النص : قاف ( يرقبني، يشنقني ، تُعتقني ، حقنت ، قتل ..) قاف كالقتل صعبة المخرج كاختناق الحلق وإشراق المقلة ، كقلقلة المحتضر .. والنون كحرف خيشومي يحدث في الخطاب غنّة وفي الغنة أنة كاحتضار الوليد ، كالموت كعصف الدهر .. إنها أصوات يرددها في مقام الشكوى ثم يتحول إلى الأصوات الصفيرية ( الفسق ، حزبها ، السدن ،يمسخني ،سوى، ليس ...) وحرف الدال ( الدين ، يدين ، السدن ..) في مقام الهجاء والتقاء الصفير والدّوي لهي العاصفة ..إنه نظم من النحو ورجع من اللحن يقيمانها معادلة شعرية بين الألم والأمل ..بين الانكسار والانتصار ..فسيّان في الدوال السجّان والدهر ..الجهل والموت ..هكذا يعلن الإيقاع ما لم تستطع اللغة المنطوقة إدراكه .. وكأننا نسمع دوي نفسه حين تلفُظ مجانيقها بين بكاء وثورة .. هكذا وجدت النص شاعرنا ضمد كاظم الوسمي ..
القصيدة :
( في ظلمة الجهل ) للشاعر ضمد كاظم الوسمي
*
في ظُلْمَةِ السِّجْنِ وَالسَّجّانُ يَرْقَبُني
غَداً عَلى مَقْصِلِ الْأَعْوادِ يَشْنُقُني
*
ما السِّجْنُ يُفْزِعُني كَلّا وَلا غَدُهُ
لكِنَّ جَهْلَ بَني الْإِنْسانِ يُفْزِعُني
*
هَبْني نَجَوتُ مِنَ السَّجّانِ في زَمَنٍ
وَالدَّهْرُ يَغْفَلُ وَالْأَيّامُ تُعْتِقُني
*
وَلَو حَقَنْتُ دَمي مِنْ جَهْلِ داعِيَةٍ
مَنْ يَحْقُنُ الدَّمَ وَالتَّكْفيرُ يَطْلُبُني
*
بِاسْمِ الْإلهِ أباحوا قَتْلَ عائِلَتي
واللهُ يَبْرَأُ مِمَّنْ جاءَ يَقْتُلُني
*
عَجِبْتُ مِنْ أُمَّةٍ لا تَرْعَوي أَبَداً
في أُمَّتي الْجَهْلُ أَبْكاني وَأَضْحَكَني
*
بِئْسَ النِّفاقُ نِفاقُ الدّينِ يا وَطَني
بِهِ يَدينُ مَليكُ الْفِسْقِ وَالْوَثَنِ
*
ألْجَهْلُ وَالنَّفْطُ وَالتَّكْفيرُ حِزْبُهُما
وَالْغَرْبُ يَبْتاعُ بِالْأَعْرابِ كَالسَّدَنِ
*
حِلْفُ الْفُجورِ عَلى صِهْيونَ مَخْبَرُهُ
وَالْحَبْرُ بِاللِّحْيَةِ الصَّفْراءِ يَمْسَخُني
*
أُصولُ هذي اللِّحى تَاللهِ لَيسَ سِوى
مَنْ جاءَ بِالْكُفْرِ وَالإرْهابِ وَالفِتَنِ
*
بَينَ الْخَرابِ نُفوسٌ ناحَ ثاكِلُها
مِنَ الْعِراقِ إلى الشّاماتِ فَالْيَمَنِ
*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق