24\10\2014
ذهب كلكامش ليبحث عن نبتت الخلود وطال غيابه و الأسطورة تقول انه عاد الى أوروك خالي الوفاض وان أقول انه لازال يبحث عنها وسوف يعود يوما وشاعرنا القدير سعدي يوسف هو كلكامش الشعر ذهب في رحلته بعيدا وطال غيابه و نحن ننتظره أن يعود حاملا مشعل الابداع بعد ما حمله هناك في غربته
وقدر له أن يحاور الفن والإبداع ابن القرية الفقيرة كما يقول في مقدمة مجموعته الكاملة ويقطع الحبل السري بن القنطرة في حمدان والمدينة , حمدان قريته هناك في الجنوب في مدينة البصرة خزانة العرب في العلم و الأدب
و اذا قال مالارميه ان الكلمات هي التي تصنع القصيدة فان الشاعر سعدي تجاوز هذه المقولة لان الكلمات لا تصنع القصيدة وحدها لان أي كلام بهذا المعنى يكون شعرا وهذا ما لا يجيزه المنطق و انما الفكر الخلاق والخيال الخصب القادر على خلق صورا ومعاني من خلال الكلمات يذهب بها بعيدا عن المعنى الذي ترمز اليه الكلمات في المعتاد
و اذا قال بيكاسو ان لا ابحث انا جد فشاعرنا تجاوز هذا ايضا فهو يجد ويكتشف ويخلق ابداع
والقصيدة رغم قصرها تحمل من الصور والموسيقى ما يفوق كثير من المطولات الاتي لا تغني المتلقي ولا تمنحه فسحة من الحلم و التأمل كما تمنحه هذه القصيدة(منظر مع صفصافة باكيةٍ) والتي سنتناولها كمتذوقين للشعر و مجرد عنوانها هو قصيدة او لوحة بحد ذاته
شجره تطل على بحيرة قد مر بها الكثير ينظرون اليها ربما لم يعيروها اهتمام وربما اهتم بها بعضهم رمقها بنظر ومضى الى حيث يمضي الباقون لكن عندما وقف عندها الشاعر سعدي يوسف و نظرا اليها جعلها تنطق وتتكلم و جعل البحيرة التي تطل عليها أجمل من الأحلام السعيدة .
ما لذي دعاه أن يتأملها ألانه سومري أصيل وشجرة الصفصاف مذكورة في المخطوطات السومرية ام تذكر نخيل قريته حمدان بطولها الشاهق الذي يعانق السماء لكن النخل لا يبكي النخيل يثمر رطبا جنيا ام تذكر غربته الطويلة لذا رائها تبكي و للشاعر أسبابه
و لنعود الى القصيدة ولنتخيل المنظر صفصافة في الماء إذن هناك مروج خضراء تلامس الأفق المشهد مفتوح على أخره وهناك ريح تداعب أوراقها وتمشط ذوائبها لذا هي منسدلة على سطح الماء كالدموع وهنا تسمع موسيقى الطبيعة حفيف الأوراق على الغصون الذوائب وهي تهفهف صوتها وهي تمر على وجه البحيرة صوت الموجات الصغيرة وهي تقبل جذع الشجرة الذي في الماء صوت الموجات وهي تتحدث بالغة البحيرة الى الأسماك في القاع القريب وتسألهن هذا السؤال المليء بالحنين
أما سمِعْتُنَّ الذوائبَ وهي تهفو إذْ تَهِفُّ ؟
أما سمِعْتُنَّ الـمُوَيجةَ ؟
والندى ...
هل هو سؤال البحيرة ام سؤال الشاعر وهو يتحدث الى البحيرة والأسماك فآي قلب مرهف يحمل و هو يريدنا أن ننتبه ونسمع هذا التناغم والهورمونيكا في هذه الترنيمة أو السوناتا التي تعزفها الطبيعة
السماء بعيدة و الأرض اقرب اليها وهذا المشهد العام للمنظر و يستطيع المتلقي بعد أن منحه الشاعر هذه الفسحة من الخيال و التأمل بعد أن سلمه كل مفاتيح هذه اللوحة الشعرية الجميلة وكل هذا البهاء من روحه
والشاعر في هذه القصيدة بخبرته الطويلة لا يصف لنا المنظر بقدر ما يرسم بريشة الفنان البارع صفصافته الباكية بذوائبها المنسدلة يتخللها النسيم عبر شعاع الضوء فنرى صورتها تلألأ على صفحة الماء تداعب المويجات الصغيرة ليبدأ طرح أسئلته من القاع وعلى لسنا البحيرة ليجد الجواب لدى المتلقي
و اذا كان قبول الجمال يخضع للنسبية , فيمكنني القول و انا مطمئن أن الشاعر القدير سعدي يوسف قد تجاوز حدود هذه النسبية
وبهذا اثبت الشاعر سعدي يوسف أن الشعر هو طريقة للحياة وليس فقط معاني و أحاسيس ويجب أن يعمل الشعر على التحول الانفعالي لدى المتلقي و أزلت الضباب والاحباط لديه وتحويله الى السعي نحو الأفضل و يجب أن لا يبقى حبيس بوتقة الشاعر ونفسه بل يجب أن ينطلق الى عالم واسع ورحب و أن يلامس النفوس البسيطة
منظر مع صفصافة باكيةٍ
صفصافةٌ في الماءِ ...
كم تبدو السماءُ بعيدةً
والأرضُ أقربَ !
ثَمَّ عشرُ ذوائبٍ قد مشّطَتْها الريحُ
تنسدلُ ...
البُحيرةُ تسألُ الأسماكَ في القاعِ القريبِ :
أما سمِعْتُنَّ الذوائبَ وهي تهفو إذْ تَهِفُّ ؟
أما سمِعْتُنَّ الـمُوَيجةَ ؟
والندى ...
صفصافةٌ في الماءِ !
لندن
20.07.2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق