أبحث عن موضوع

الجمعة، 15 مايو 2015

حربٌ، حدادٌ وإغراء ( قصة قصيرة )........................... بقلم : سوسان جرجس /// لبنان




إنّها الساعة الواحدة ظهراً.... أنهَت دوامها للتوّ.... وقّعت على سجل المغادرة..... تاهَت نظراتها خلف حروف إسمها الذي مزّق ثوب الهوية الآحادية.... في بلدٍ لم يعشق الآحادية سوى في الهوية الطائفية..... وما عدا ذلك فهو بلد يعشق تراكم الأعداد: في المال... والأبناء... والزوجات... والخليلات... والآلهة والأموات.....
ها هو المدير يقفُ لها عند الباب..... يحدّقُ بها بشغف.... يبدو أنّ أسود الحِداد يجعلها بنظره أكثر إغراءً.... ترفعُ نظرها عن السجل.... تراه يتبسّم بمكر.... يعيد عليها الدعوة من أجل الغداء.... تعتذر بلباقة..... فعند الثانية سيصل إبنها وإبنتها من المدرسة.... يفرط في المجاملة والمديح.... تصمت.... تتبسم ابتسامة صفراء.... ها هو يشتهيها أكثر..... إذ يبدو أنّ رجال الشرق تتأجج رغباتهم المكبوتة إزاء التمنع وحرمة الصمت الأنثوي.... يمدّ يدَه ليلمس ذراعها..... تنتفض..... تتراجع خطوتين الى الوراء.... تنظرُ في ساعة يدها.... تطلب من حضرته أن يفسح لها الطريق.... تهرول مسرعة.... يتابعها بنظراته من الخلف.... تنزل الدرج مسرعة.... تركب سيارتها.... تترك لدموعها المكبوتة حرية الإنعتاق وهي تقود.
عشر دقائق من البكاء المتواصل على صوتٍ جهوري حمل آلام قضية بحجم الوجود.... صوتٌ يحفر بعيداً في الأعماق مردّداً "تنسى كأنّك لم تكن"!!!
ها هي أمام الدار.... تمسح وجهها المبلّل بالدمع.... تترجّل من سيارتها.... تفتح باب المنزل.... تتّجه مسرعة نحو المطبخ لتسخّن الغداء الذي حضّرته عند الساعة الخامسة فجراً.... ما هي إلّا دقائق، حتى سمعَت صوت بوق سيارة المدرسة..... ركضت تلاقي ولَدَيها.... نزلَت إبنتُها ذات الخمس سنوات وحيدةً.... سألَت السائق عن إبنها.... شهق من المفاجأة غير المتوقعة..... يبدو أنّه نسي الطفل في المدرسة.... كانت الأم غاضبة من إهمال السائق..... ولكن.... لا فائدة من الغضب الآن....أسرعت الى الهاتف وطلبت مديرة المدرسة.... بدا الإطمئنان على ملامح وجهها..... فالطفل مع المديرة.... وما عليها سوى أن تركب سيارتها وتذهب للمجيء به.
أجلست ابنتها في المقعد الخلفي..... وانطلقت تقود بسرعة.... قُبيل وصولها بدقائق.... دويُّ انفجارٍ عنيفٍ كاد يصمّ آذانها..... الفتاة في المقعد الخلفي تبكي بشدّة.... سيارات الإسعاف تسابق الريح.... كادت تتجمّد على المقود..... ولكنّها... تقود..... دويُّ انفجارٍ ثانٍ.... توقفت السيارات... وعلّت أبواقها تخبر قصة بلدٍ ينازع تحت الركام.... ترجلت من سيارتها.... حملت ابنتها بين ذراعيها..... وأخذت تركض.....تركض.....والأرض تدور وتدور.... وصلَت ..... كانت المدرسة قد أضحت حطاماً.....
(سوسان جرجس)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق