ظلت الصور تنهال محلقة الواحدة تلو الاخري على ذاكرة " الرسام " تبحث عن اجمل المدن في العالم واكثرها إثارة ، استمرت توجساته تفتش في أي منها تحط رحالها ..؟ نيويورك ، باريس ، بغداد ، ستوكهولم ، مدريد ،بيروت ،القاهرة، بينما فرشاته المركونة في زحمة الالوان تنتظر قرار الحسم بلهفة !! ، متى يبدا ...؟ والى أين ينعطف ..؟ ثم مالبث ان نحى بأفكاره بأتجاه اخر يتوخى الحذر في إختياراته !! ، يتعين عليه انتقاء لوحة يشكل له من خلالها تاريخا ناصعا ، رشيقا ، مرهفا ، ساحرا ، ربما تجعل اسمه يعوم في سماء مشرعة تتسم بالصفاء والزهو لم يسبق ان اخترقها احدا قبله ، " نعم حري بي البحث عن موطن للوحتي هذه !!"، وفي غمرة غوصه اكتشف افقا جديدا ،يحثه على مغادرة جميع مناطق رؤاه المألوفة هذه ! حين سحبت ذهنه فكرة طرات توا ، هرولت ذاكرته خلف وجوه شهيرة اصبحت رموزا كبيرة وذوي تأثير مهم ، نيتشا ،نيوتن أرخميدس ، ابن سينا ، ابن رشد ، لكن لم يستغرق طويلا ، بعد ان هربت فرشاته صوب اتجاه اخر ، كمن قرأ في خصلة شعرها الحالك ثمة رفض شديد لفكرته تلك ، وتومئ له موعزة بالمضي بمغادرة بودقة ضيقة لطالما ركن اليها العديد ممن زعموا لأنفسهم دور ريادة الخطوط والالوان ،" كيف تقتنع لنفسك دورا بات حبيسا في رؤى مكررة ولم تجدي نفعا ..؟و لايفضي بك إلاقطع خطوة قصيرة المدى ، لذا عليك ان تعتق مخيلتك نحو فضاءات اكثر أمتدادا !!
الحيرة لم تكف عن ملاحقته ، عن اية رؤية ينتهى اليها ؟ رؤية جميلة تنتشله لكي تذهب به بعيدا ، وهو مازال يحوم وسط سطح بيتهم الخرب ، المبعثربالانقاض ومواد متفرقة انتفت الحاجة اليها و بجذوع الاشجار وسعف النخيل جيئ بها بغية إستخدامها كمحروقات توضع تحت القدورلطهي الطعام ، وفي لجظة قرر اخير مغادرة السطح والذهاب الى السوق للتبضع ، وقبل ان يسير بقدميه صوب السلم ، اخترق مسامعه ثمة همس لذيذ يلتمس منه التأني بعض الشيء ، أنتبه الى فرشاته عاد الصوت يهمس ثانية " نعم انه هو ، اجمل امراة في العالم" ، قال ذلك في سره ، ثم أستدرك يتساءل ،عن أية امراة يبحث في ظل عالم ينخره الدخان والرماد تستحق الاهتمام " ..؟ وعاود يبحث مجددا عن أمرأته الجميلة ، انديرا غاندي ، تاتشر ،صوفيا لورين ، اورنيلا موتي ، كاترين دينوف ، نازك الملائكة ، فاتن حمامة ، ام كلثوم ، واثناء توجساته ، تارة يلتفت يمينا وتارة اخرى شمالا اثار انتباهه منظر أمه المسلقية الى جوار التنور وهي تغط في نوم عميق بالرغم من ارتفاع الحرارة ، القت بجسدها كما تفعل كل يوم وفي مثل هذا الوقت ، بعد انتهاءها من وجبة الخبز الصباحية فيما اقراص الرغيف موظبة على صحن كبير وحولها يتحلق اولادها واحغادها وهم يلتهمون بلهفة مذاقه اللذيذ ، في هذه اللحظة ترك " الرسام " للفرشة فسحة التامل وفقا لما تمليه عليها رؤاه وافكاره وهو يهتف بمرح " ها هو المشهد اراه قبالتي "، وبعد فترة من الشد والجذب مع اللوحة التى كانت تنتظر اخر محاولاته خرجت باجمل مشهد واكثر اثارة من كل لوحاته ، هب فرحا لمنجزه الرائع هذا لدرجة شعر بأرضية السطح لاتسعه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق