ثمة لحظة فاصلة بإكتمالها تجعل كيان الشاعر عالم وجودي تام، وتمنحه التأمل في وحدة الوجود التي يمثلها وفي انتمائه للحظة تلك، وبانفصاله يرسم الشاعر سرحان الربيعي صورة شعرية لذلك المقصد حيث في قصيدة النثر، وعادة ما يؤكد الاستهلال الشعري هدفية الشاعر حيث يكون والصورة حسية وزاخرة بتفسير الألم البشري والهم الإنساني وميزة هذه القصيدة في كون أداة السؤال في قصيدة النثر دائما تكون عضوية وتوجد نقطة انطلاق المعنى الشعري وقد نجد في قصيدة النثر دائما ما يؤطّر الشاعر سرحان الربيعي أعمق نقطة معنى بإحساسه بالألم الجمعي حيث يسعى لتفسير البعد الجمعي للأحاسيس بإطار فردي، وهو هنا يحتج على الشكل الوجودي الجامد أو المستغرق في تأمل لا جدوى منه.
مثل تعدي اللغة في النص المسمى عرفا – ومضة - من الوصف إلى الإيحاء والاختزال والاستعارة وتماهي الحس الأدبي داخل كيان القصيدة، فضاء هو اوسع بكثير من كيانه كأثر ادبي، وتجلي الذاتي كوعي الذي تختصر به القصيدة الوحدة الوجودية إلى ما يناسب توهج الشاعر وحساسيته ويعود إلى عنصر اللغة الشعرية التي هي كلمات ينتابها الصراع نحو ماهي جديد وغير نمطي وفي مجاز السخرية يعيد الشاعر تفسير ذلك التراكب بين كينونته والقصيدة عبر إحالات عنده هي جد سديدة ولابد إن يختار الشاعر سرحان الربيعي هنا لتجربته في الكتابة النثرية على وجه الخصوص ملمح استاطيقي طبعاً وان اتخذ من قبح العالم مادة شعرية له، فهو يتجنب القبح المباشر في الذم أو المديح المجاني، وان فقد الطابع الاستاطيقي، فهو ليس مهمته الأساس, وصراحة تلك ليس مهمة الشاعر الفنان، ولا هي وظيفة للشعر في المجال الانثربولوجي، او هو عامل الوجود الإنساني الذي يمثل وجدانه, فنصه – الإعتباري بفضائه – وليس كاثر ادبي يشير الى جنس ادبي معين
القصيدة الومضة أوجدت دافع الثورة النثرية واحتجاجها الذي بدأ من رفض وامتعاض ونما وترعرع رغم تلك الاحتجاجات الحادة الأيقاع، التي ما كانت تدرك ان الظروف التي تحققت بفعل ما أحدثته ما بعد الحداثة لتوجه الأجناس الأدبية إلى ما سمي افتراضا ( النص ) , والذي من خلاله تهاوت عروش بشكل نسبي , وكان من الطبيعي ان توجد الظروف المواتية بإطارها الما بعد حداثي ذلك النمط الحيوي من الشعر والقريب من الهم البشري, وهذا ما سعينا اليه في تصنيف النص التالي لسرحان الربيعي، بكونه نصا من داخله منفلتا من أي سمة كاثر ادبي، وبخارجه محافظا على اطار الجنس الشعري، وتلك مقدرة ليست يسيرة .
..
الدفوف
التي هرأها قارع الحرب
جلود أخوتي
من احى وجهات النظر قد يفسر الاحتجاج النثري بالكتابة الهامشية عند بعض التصورات الأدبية , لكن ذلك الاحتجاج التراكبي، والذي يتم داخل متن الذات/ النص، والمحيل الى المنظومة الشعرية بكل كيفياتها ومواصفاتها وبنياتها، إلا أن الاحتجاج النثري من داخل متن الكتابة لا يمارس هامشيته في إطار صراعه مع النسق الشعري وتاريخانيته المتزمتة، أو مع أطر الكتابة التي تعرف بالمؤسساتية، فقد أخذت صيغة الانزياح الواسعة كما هو الحال في النص الشعري لسرحان الربيعي، والانزياح في قصيدته النثرية صيغة جمالية في الاستاتيقا الشعرية توضح المنحى الاحتجاجي، وتعبر عنه كمثال فني حيوي يدعم روح حداثته باحتجاجه .
ليس من السهل توصيف ما مديات نص شعري ضمر ككيان مكتوب، واخذ بعدا واسعا للمعنى الذي اخرج من عموميته, ودخل في خصوصية فاعلة دلاليا، فكان ككيان يشار له افتراضيا – ومضة شعرية – لكنه داخليا كان اوسع مما يبلغه التلقي تأويلا حتى، فالنص الشعري هنا هو نص يفترض نفسه بالوسع الممكن لفضائه، و ليس وفق التفسير الأرسطي، بل بالتماهي المدلالي، الذي يكون عبر تراكب اندماجي بين الذات الواعية والنص، واعتقد تلك ميزة شعرية لابد منها، فأن يكون الشاعر هو وجدان قصيدته مهم جدا وله اعتبارات، وهذا ما مثله الشاعر سرحان الربيعي وتمثل له وجدانيا .
بقلم الناقد الكبير/أستاذ محمد يونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق