أبحث عن موضوع

السبت، 26 مارس 2016

اللّص الحساس ( قصة قصيرة ) ................ بقلم : رائد مهدي // العراق



يوم مليء بالنشاط والحيوية لذلك الرجل الذي كان يجلس في مركبته الفاخرة ذات الثمن الذي يحتاج للعمل طوال حياته ليلاً ونهارا ليكسب جزء ضئيل من ثمن تلك السيارة وذلك البيت الفاره ذو الحديقتين الامامية والخلفية وذو الطابقين على مساحة مقدارها ستمائة متر مربع .كان جديد العهد بهذه الحياة لأنه قبل شهر من ذلك اليوم كان مديناً للبقال لشرائه كيلو غرام من البطاطا قد عجز عن دفع ثمنها للبقال وطلب منه امهاله لنهاية الشهر حيث يقبض مرتّبه الذي لا يكفي لحياة اكثر من شخصين وكانت زوجته تتوسل لأجل ان يخصص لها مبلغا زهيدا لاحتياجها الشخصي وكان يعتذر لها بشدة ويؤمّلها على الشهور القادمة. وفي صبيحة احد أيام العطل الرسمية خرج ولده الصغير احمد على دراجة رباعية فأستوقفه ابن الجيران مهنّئاً له وسائلا له عن ثمنها فأجاب الولد الصغير لا ادري يا صديقي لا ادري. فقال صديقه ومن الذي يدري يا احمد? فأجاب : والدي فقط هو الذي يدري.
ـ ومنذ متى صار والدك متمكنا من شراء هكذا سلع غالية? وهل ساعده احد بشرائها او اشتراها بالتقسيط.
ـ لا اعلم يا صديقي والدي هو فقط من يعلم.
ـ ولماذا لم تسأل والدك يا احمد
ـ سألته ذات مرة وقال لي : أي شخص يسألك عن شراء الدراجة فقل له : ان الدراجة اشتراها من ماله الخاص.
ـ وبماذا اجيب عندما يقال لي من اين لوالدك فائض النقود ومن قبل شهر كان مطلوبا لجميع أصحاب الدكاكين
ـ يا ولدي قل لهم ان سألوك مثل هذا السؤال بأن والدي يقول : أن الله يرزق من يشاء بغير حساب ولا ينبغي الشك في كتاب الله وآياته الكريمة.
ـ طيب وعندما يقال لي لماذا يرزق الله ابيك ولا يرزق ابائنا فبما اجيب. ?
ـ قل لهم هل تعلّمون ربكم ما ينبغي عليه فعله وأين يرزق وأين يمنع! ! هل انتم اعلم منه !! هكذا اجبهم يا بني وكن بطلاً مثل اباك ولا يستفزونك بأسئلتهم وكن حاذقا لبقا ذكيا ولتكن اجاباتك بمنتهى الدبلوماسية والحنكة فمن جهة انت ترد وليذهبوا الى الجحيم سواء اقتنعوا او لم يقتنعوا بالجواب فنحن واجبنا الإجابة بالجواب الذي نحن مقتنعين به. لاهم .يا بني ان تساؤلات الناس عن مكسب ابيك هي تساؤلات غبية ولا يحق لهم ان يسألوك.
ـ يا ابي اتفق معك بأنهم لا يحق لهم ان يسألوني بالأمور التي تجري في سياقها الطبيعي لكن التحولات الكبيرة والانعطافات الشديدة هي مثار تساؤل. وانت انت ياابي لو شاهدتني غدا احمل حقيبة بها مئات الألوف من الدولارات واصرف منها بأريحية تامة الا يحق لك ان تتعجب !
ـ يا بني نحن لسنا مجبرون ولا مضطرين ان نجيب الناس عن خصوصياتنا المالية وعن التفاصيل الدقيقة والاحصائية لمكاسبنا.
ـ لكن ياابي ان لم نجبهم فسوف تثار من حولنا الريبة وسنكون مشبوهين وقد تصاب سمعتنا بالشرخ جراء التكتم والاخفاء المبالغ به .
ـ يا احمد من المفروض ان لا يسألوك عن مثل هذه الأمور
- ولماذا لا نجيبهم بصراحة بأنك حصلت على المال الطائل بفترة قياسية بواسطة عملك (الكذائي)الشريف وبرأس مال من صديقك (فلان).
ـ لا يا ولدي نحن كتومين على هذه الأمور كي لا يتعرض فلان للابتزاز والاذى فنحن في بلد تعمه الفوضى وتنشط به عصابات الجريمة والابتزاز .
ـ وهل الأفضل لنا ان يقال عنا سرّاق او محتالين او تقاضينا أموالا عن اعمال لا يمكننا ذكرها امام الناس او ان رؤوس أموال اعمالنا من اشخاص لا يمكننا البوح بهم. ابي العزيز لا اطيق ان أرى نفسي ابن لرجل يرتاب الناس منه ويتهمونه وهو لا يبال لما يهمس عليه الآخرين.
ـ يا احمد اسمعني جيدا . لا تنقل الي أسئلة الناس بعد اليوم فما شأنهم بأموالي واحوالي واذا انا سارق فالله له الحق وحده ان يسألني وهؤلاء الناس لا حياء لهم ولا ادب ولا ينبغي ان نمنحهم فرصة طرح الأسئلة .
ـ وماذا يضرنا يا ابي لو اعلنا عن عدد اموالنا
ـ يا احمد لو اعلنا ذلك فسوف يدق بابنا كل يوم عشرات من المحتاجين والمعوزين .
ـ لكني اسمعك كل يوم تقول لجارنا: انا في خدمة الناس وابحث عن المحتاجين والمعوزين بالمجهر ابتغاء الاجر عند الله .
ـ يا بني هذا الكلام نقوله للناس كي يكونوا راضين عنا. ولنحظى بأقصى فائدة منهم.
ـ ولماذا لا يطابق فعلنا لقولنا ?
ـ لقد ارهقتني يا احمد . يا بني نحن انزه ناس على وجه الأرض وهؤلاء يثرثرون وقد اعتاد المجتمع على معاداة كل انسان ناجح بحياته. وادعوك يا بني ان تكن مثل ابيك ولا تكترث لأقوال المرجفين والمشككين والمرتابين بنا. خرج احمد من غرفة ابيه لكنه عاد اليه بجريدة نشرت مقال تهكمي عن لصوص اثروا ثراء فاحشا بفترة وجيزة ويرفضون كشف سبب التحول بواقعهم الاقتصادي فجميع اقربائهم يعيشون على قوت يومهم ولا مجال لمزاعم الميراث واصدقائهم حفاة عراة ولا مجال لشراكات تجارية وهم ضمن الطبقة الفقيرة فلا مجال للعمل برؤوس أموالهم ولم يبق الا الشبهات من حولهم واتهامهم باللصوصية او توضيح هذه التحولات الضخمة والطارئة . التفت احمد لأبيه فرآه يصرخ من الألم الشديد برأسه قال احمد : يا ابي ماذا دهاك لماذا رأسك يؤلمك بهذه الفظاعة?
ـ يا بني انه بسبب هذا المقال التافه وبسبب صاحبه الحقير
ـ لكن يا ابي المقال لم يتحدث عنك ولا يعنيك. ولا صلة لك به فلماذا هذه الاستجابة السلبية لديك إزاء مقال يتحدث عن ناس مشبوهين ?
ـ يا بني انا حساس جدا .واي مقال يتحدث عن أناس مشبوهين فأنا ودون إرادة مني اشعر كأن كاتب المقال يقصدني بذلك
ويكاد راسي ينفجر الما بسبب انتقادهم للحالات المريبة. وأضاف قائلا : يا ولدي على المجتمع ان يداري حالة اباك وان يراعي شعوره قبل ان ينتقدوا أي رجل مشبوه بالعالم لأن ابيك حساس جدا يا احمد. ولا يحتمل انتقاد غيره فضلا عن نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق