يوم أهداني الشاعرالشيخ: خالد إغبارية مجموعة دواوينه الورقية، وعددها ثلاثة وهي: 1- سيرين الحب. 2013. 2- بلادي. 2014. 3- سلام على مطلع الفجر. 2015. وكما أخبرني له سبعة دواوين الناجزة وتنتظر دورها لترى النور وهي: 1- خيوط العنكبوت. 2- يا قدس. 3- بوح الزهور. 4- نبض قلب وصرير قلم. 5- عطر مقدس. 6- سواحل مقيدة. 7- همس الروح. بالإضافة إلى عدد من الدواوين الإلكترونية، ومنها: 1- بقايا عشق. 2015. 2- يا قدس. 2015.
يومها، وعدته أن أبدي رأيي في شعره، تأخرت كثيرا ولكنني أحترم وعدي وألتزم به وإن تأخر إلى حين وكما قالت العرب: " وعد الحر دين عليه".
وضعت دواوينه أمامي وكعادتي قرأتها بترتيب صدورها لأقف على ما قام به الشاعر ليطور أدواته الشعرية ومضامينه. ووضعت ملاحظاتي.
• في ديوانه الأول "سيرين الحب" والذي خصه لسيرين، وسيرين اسم ابنته المدللة (ابنة 27 عاما)، والتي تزوجت من ابن عمها وقدر الله لها أن لا تحمل إلا بعد عشر سنوات بفضل الله والعلاج، أصيبت بمرض السرطان الخبيث وتمّ نقلها الى مستشفى رمبام في حيفا واضطر الأطباء الى توليدها توأمين بعملية قيصرية، وبعد عدة أيام توفيت ( رحمها الله وطيب ثراها وجعل الجنة مثواها- آمين). هذه قصة سيرين وهي محزنة جدا لكل من يقرأها، فكم بالحري مع والدها حيث صدمته الوفاة (والموت حق ولكنه مكروه؛ لأنه يعني الفراق)، فماذا عساه أن يفعل " وليس بوسع أي كاتب أن يبدأ الكتابة بحق، إلا إذا عاش تجربة حياتية بما فيها من معاناة وآلام أو أفراح، فالتجربة هي ينبوع الكتابة، ولا تقل أهمية عن الموهبة الفطرية والقدرة على التخيّل. إن هذه التجربة فجرت مشاعر الوالد الشيخ خالد الذي يمتلك ناصية اللغة وعلى قدر من الثقافة والفكر؛ فعبر عن مشاعره الحزينة الجياشة والمتلاطمة بالكتابة الوجدانية شعرا أو نثرا. ومما يؤكد رأيي قوله في المقدمة: "... ومنذ ذلك الحين (وفاة ابنته سيرين. م.س.) وأنا أكتب الهمسات والقصائد وأرسلها لطفلتي الحورية في جنات الفردوس، حيث توفيت شهيدة".
في هذا الديوان الذي خصه لها، جمع فيه ما كتبه لسيرين في أثناء مرضها وبعد وفاتها، فكان الأخير في كتاباته والأول في إصداراته 2013 وأصدره.
في هذا الديوان وجدت شاعرا طاردا للأحزان والأحزان تطارده، ويقول: " عندما لا نبكي على أحزاننا فهذا لا يعني أننا فقدنا الإحساس بل أحزاننا كثرت علينا فلم تجد دموعا تعادلها فاكتفينا بالصمت" والصمت في لغة الكلام كلام بل بلاغته، وجدت شاعرا جعل الصدق مدادًا لكلماته، والوجع مساحة لأبياته، والحب زادًا لحروفه التي تحوِّل الصمت إلى كلمات. يعيش الشاعر في ديوانه هذا تجربة موجعة حتى النخاع، تجربة مناطق جديدة قريبة من القلوب، فتأتي كتاباته هنا مسكونة بالمعاني الجديدة التي تعمق الفهم بالواقع وباللحظة التاريخية المواكبة لوجدانه الصادق وثقافته الواسعة وايمانه العميق، مما يمنح أشعاره نكهة خاصة، لصدق تجربته وثرائه اللغوي كوسيلة للتعبير. تضمن الديوان في أكثره قصائده مناجاة لابنته، فيقول: " لكِ وَحدكِ .. أَنْثُر أوراقي وَأُبَعْثِرُها .. وَأَجمعُها مِن جَديد .. لأَجلكِ أَنتِ أَكتبُ .. وَلأَجلكِ أَعيشُ .. وَأَحيى لأَجلكِ أَنتِ فقط". ويقول بحكمة المؤمن وبعمق تأملي :"عندما لا نبكي على أحزاننا فهذا لا يعني أننا فقدنا الإحساس بل أحزاننا كثرت علينا فلم تجد دموعا تعادلها فاكتفينا بالصمت"..
ونراه يعي ما يشوِّه الإنسان ويسجنه في ذاته الضيقة، يفتت كماله ويحطم وحدته ويواري نبالته على قوانين القهر ويكشف تجاوزها، حيث يقول: " هُنا سَأُبَعْثِرُ رُوحي .. عِشْقي .. نَبْضي .. جُنوني .. سَتَتَناثَر كَلِماتي عَلى الأَوْراق .. سَتَحْتَضِنُ صَفَحاتي مِنْ أَحْرُفٍ .. اخْتَنَقَتْ حَدَّ الْعِشْقِ وَالْجُنون .. سَأُثَرْثِرُ ثَرْثَرَةً مَجْنـُــونَة .. سَأَغْرَقُ في بَوْحِ حُروفي .. هُنا .. سَأَكْتُبُكِ ابْنَتي طِفْلَتي بِكُلِّ خَفْقَةِ قَلْب .. هُنا .. سَأَرْتَكِبُ فيها ما لا تَتَّسِعُ لَهُ مَدينَتي"
هكذا يأخذنا في ديوانه (سيرين الحب) بحيث تتحول القصيدة لوردة بيضاء تغوص في دمائنا تضيء الأرواح المعتمة، هذا الديوان الذي كتبه من معاناته في مرض ابنته سيرين الحب، وبعد وفاتها،
ويحتوي الديوان على ست قصائد رثاء (والرثاء يبقى في المجال الدلالي من فراق وحزن)، وقصيدة خاصة بتمام سنة واحدة لحفيديه: (محمد ونور الهدى) من ابنته المتوفاة قبل وفاتها بأسبوعين فقط، ولم تراهما (وسوف تراهما في الجنة إن شاء الله)..
• أما في ديوانه الثاني (بلادي) والذي ضمّ تسعة وثمانين قصيدة، في مائة واثنين وتسعين صفحة، من القطع المتوسط سنة 2014، والذي خصصه الشاعر خالد اغباريه لمناجاة بلاده (كما خصص ديوانه الأول لمناجاة ابنته سيرين) والتغزل بها كأنها حسناء تقف أمامه، ويصفها بتضاريسها وحضورها ويصفها انها هي كل البلاد وهي النفس الذي يستنشقه، ويصفها بقوله: "هي الأسطورة التي تشد خيوط اوردتي وتعصر ما ذاكرتي تحدثني ,, وتتركني كي أقبلها"، ويصفها بـ " ملكة نحل ,, بلادي عسل يشوبه العسل، أعشقها حدَّ الخجل"، ويعبِّر عنها فيقول "بلادي ,, فيما نحن هنا ,, أنا وأنتِ .. وأنتِ وأنا ..أحسست بأننا .. اثنان متشابهان .. أنتِ بالفعل تشبهيني كثيراً .. إلى درجة افتكرتك أنا ..والاختلاف بيننا جسد فقط .. فجسد البلاد لا يضاهيه جسد.. وجمالها لا يقوى على وصفه أحد. وبالإمكان إجراء قراءة مقارنة بين ديوانية، فسيرين أجمل النساء وبلادي أجمل البلاد، مقارنة بين المفردات وتراكيب اللغة والتشبيهات والتعابير المشحونة بالعاطفة والتشابه بين المضامين.
ويحلق الشاعر اغباريه في سماء البلاد ويشكل فضاء واسعا له لحبيبته، ونرى أن بين الشاعر العاشق والحبيبة البلاد رسائل عشق نقية مطرزة بالحب الصافي والوفاء الأبدي، وسلاسة في الاسترسال الشائق والجميل، وفي كل رسائله يترك الشاعر وصية تذكارية لتكون طابعا لها، فيقول: "آه بلادي.. واكثر.. بلادي.. تذكري.." وفي كل نصوصه التي تشكل وحدة في اسلوبها وموضوعها يعتمد الشاعر البوح الشفيف والبلاد الساحرة وحبها موضوعا لها،
ويعلن الشاعر حبا متيما بالبلاد وتشبثا بضوئها كبوصلة للنجاة في زمن النفاق والمفاتن للعبور عبر نفق الإحباط المظلم، فيقول: " ليس لدي سواك نجمة.. تقتلع الإحباط وتضيء في العتمة.. إن راودني الحلم الباكي.. يركض خلف غموض هلاكي.. ليلتقي نثري وشعري.. كلمة.. كلمة.. ويعلمني فيض الحكمة .. كي أبلغك أنت وأبقى فوق القمة ".
ورغم هذا الحزن العارم الا ان الأمل بقي علما خفاقا في سماء الشاعر فيغني لحنا عذبا للحب، فيقول: " يا لحن الأغاني .. يا رمز التفاني .. يا زهور الحب .. يا عمق المعاني ..وأحبك .. آه يا بلادي.. وأكثر .. بلادي تذكري". فالشاعر يطوف كفراشة بين حدائق البلاد الرائعة فيغازل أزهارها بشفافية راقية وتلقائية صادقة وانسيابية ذات خطى سريعة تسابق زمنا على وشك أن ينتصر الحرب فيه على الحب،. والكتاب رحلة في بحر البوح بأمواج عالية تلاطم قارب صغير أحيانا وأحيانا تدفعه الأمام ليصل إلى شاطئ الروح شاطئ العذاب والخلاص. وبالتداعي يحضرني ديوان المرحوم الشاعر: جورج نجيب خليل ويحمل الاسم نفسه "بلادي" الصادر عام 1964، وفيه يقول: بلادي جنة الفردوس ما أحلى روابيها. وقرأت الديوانين فوجدت الكثير من التشابه في المعاني وبعض التراكيب، وعرفت من الشاعر الشيخ خالد أنه لم يقرأه أبدا، ولا غرابة في ذلك عندما تتشابه المواقف والمشاعر والمعطيات، وكما قالت العرب: أحيانا يقع الخاطر على الخاطر كما يقع الحافر على الحافر.
• * ونأتي لديوانه الثالث ( سلام على مطلع الفجر): يحتوي الديوان على خمسين قصيدة، ومائتي صفحة من القطع المتوسط وصدر عام 2015. استمر في ديوانه هذا يتغنى بالوطن وبالحبيبة، حاملا آمال وآلام شعبه شعلة من التمرد، معبرا عمّا يعيشه من معاناة طافحة بالأسى وبالتمييز.
وخطَّ سبيل الوصول إلى القلوب بحرقة العاشق للغة، وحاور اعداء الحب بالحب، والمسامح كريم وحمل غصن الزيتون قصيدة، ونراه يحادث حبيبته، فيقول: " هل رأيتم عاشقاً يهوى شمس الأصيل .. هل رأيتم نجمة .. من فوق ذاك النظم .. تهوى أو تميل .. هل رأيتم دمعة الشوق .. بأهداب الندى .. فوق جفن مستقيل .. كل هذا قد يصير .. إلا هواي فإنه يا حبيبتي .. حب زواله مستحيل".
ونراه يتغزل بحبيبته مضحيا بنفسه من أجلها، فيقول: " ما هنالك إلا امرأة واحدة فقط .. أحلم بأن تكون حبيبتي دائما .. وأدعو الله.. أن يجعل حلمي يتحقق .. هي أمرأه ترقصُ كالعصفور في قلبي .. توقفُهُ ، تَعصرُهُ ، تكسرُهُ ..تُرعشُهُ حتى يتمزق". ولا ينفك الشاعر يوصف المرأة وشرقيتها ولغتها الضادية حيث يقول :" شرقيةٌ أنتِ .. تغفين بحرفِ الضاد .. والصبح في الميعاد .. تخطين لشرفةِ دارنا وتشيرين للجارات.. ويشرن في استمتاع! "، ونراه يحرض المرأة على المقاومة بأخذ حقوقها كاملة وبيديها، بقوله: " لأنكِ أعلنتِ المقاومة.. وعن وطنه يقول: " بـدونـِكَ أنـا لا شيء ... أنـا الوهـم أنـا الضيـاع .. أنـا الـلامـوت الـلاحيـاة لا دمـــوع لا أوجــاع .. ريشـة فــي مهـب الـريـح فوق مـركـب .. بــلا شـــراع.. أراك حلمًا بعيد المنال". ويتحدث شاعرنا عن الضياع الذي التهمه " في لَيْلَةِ بَرْدٍ عُذْرِيَّة .. في حِضْنِ الثَّلْجْ .. جلَسَتْ وفي يَدَيْها وَرْدَه .. بَيْضاءَ بَياضَ الثَّلْجْ .. في عَيْنَيْها حُزْنٌ صامِتْ .. في الْقَلْبِ أَنينٌ خافِتْ .. صَرَخَتْ فَدَوَّتْ صَرْخَتُها .. سَمِعَتْها أُمٌ ثَكْلى .. وَشَيْخٌ خائِفْ .. أَخَذَتْ وَرْدَتَها وَابْتَعَدَتْ .. وَدَّعَها الثَّلْجْ .. طارَ الشَّبَحُ وَنامَ الشَّيْخْ .. وَالثَّكْلى تُرَدِّدُ حَديثَ النَّفْسْ .. الْكُلُّ يُنادي يا ضوءَ الشَّمْس .. هَلْ ضاعَ الْيَوْمْ ؟؟ .. هَلْ ضاعَ الْأَمْسْ ؟؟ .. يا ضوءَ الشَّمْسْ"
وعن الوفاء وفرحة اللقاء يتغنى الشاعر اغباريه: " عادت بدعاباتها وضحكاتها .. وعاد معها كل جميل .. احتضنتها بجنون .. وأحسست بصدرها الحنون .. وعيون شوهها الكحل من دموع الفرح .. إنها فرحة اللقاء .. وأي لقاء ساده النقاء والصفاء .. وهكذا الحب وهكذا الوفاء "، ويعيش اغباريه مع الغياب لحظات وحكايات رعب " ومأساة تتكرر كالنبض في القلب .. وسؤال ليست له إجابة ..ودرب شوك ليست له نهاية .. وحكاية رعب ليست لها خاتمة .. وعمر بلا أيام .. وأيام بلا لحظات .. ولحظات بلا تفاصيل .. حبيبتي.. قلبي لا يقبل غيابك .. فأنا ما زلت في انتظاركِ ".
إن قراءتي هذه لدواوينه، تؤكد لي بأني أمام شاعر جيد ومتطور ويستحق القراءة.
* تعريف مختصر بالشاعر: ولد الشاعر: خالد إغبارية في قرية مشيرفة/ أم الفحم عام 1959، بعد الثانوية درس إدارة حسابات في كلية في حيفا، كما ودرس الصحافة ونال في الموضوعين شهادة دبلوم. عمل محاسبا ومحررا في إحدى الصحف المحلية حتى عام 2006، أصدر صحيفة الزمان (من 2007—2010).
أصدر ثلاثة دواوين ورقية وديوانين ألكترونيين/ ديسك. لدية عدد من الدواوين الناجزة للطباعة. ناشط جدا في الحركة الأدبية، فهو ينشر في عشرات المواقع الرقمية، وكذلك هو عضو ناشط في عشرات المنتديات والمواقع. ويشارك في الأمسيات الأدبية محليا وعربيا.
*********************************
استاذي ومعلمي ابا علي الاستاذ محمد علي سعيد يعجز قلمي عن مجازاتك على هذا النقد الذي وصفت كتاباتي به أحني لك ليس رأسي فقط ولكني أنحني بكل قامتي لك عرفانا وشكرا .. بوركت وبوركت وبوركت ..
هو النقد الذي لا أجده عند غيرك .. حيث عبّرت وأجدت في التعبير وكأن الهدف بين يديك أصبته بدون استئذان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق