أبحث عن موضوع

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

القيد _ قصـــــة ........................... بقلم : مصطفى الحاج حسين / ســــورية







من نافذة اختناقها تطلّ على الزّقاق الضّيق ،


بشغفٍ جنوني ، تتلقفُ تلهفه ، قلبها الغضّ يخفقُ


بصخبٍ ، ولعينيهِ المتوسّلتينِ تطيّر إبتسامة من


دمعٍ . لكنّ وجه ابن عمّها المقيت ، يبرز فجأة أمام


غبطتها ، فتجفلُ وتصفعها حقيقة خطبته لها ، ترمق


خاتمها الذي يشنق أحلامها بإزدراء ، ترتدُّ نحو


انكسارها ، تغيب مخلّفة وراء النّافذة حسرة في


قلب " فتى النّافذة " .


* * *


بعد توسّلات مذبوحة ، وإلحاح مستميت،


تشفق الأم على كآبة ابنتها ، فتفرج عن جناحيها


لبعض الوقت .


يبرق قلبها من الفرحة ، يذوب جليد الرّوح ،


وتسري في الأوردة مراكب الأماني البيض ...


سيلتقيان .. وتتشابك الأصابع بارتعاشها ، تحتفي


بخطواتهما الأرض ، تحتضن الدّروب فراشات


بوحهما ، والغيوم البيضاء تطال جنون القبلات .


أشهر مضت على إعلان حتفها ، قابعة خلف


كثبان أحلامها مع خاتمها اللعين ، تراقب باختناق


حاد تحرّكات " فتى النّافذة" القلقة .


- أتريدين شيئاً من أمّ زينب ؟ .


تردّ أمّها المنهمكة بترتيب قبرها الأثير :


- بلّغيها السّلام .. لكن إياك والتأخر .


* * *


تندفع نحو الباب ، كسحابةِ شوقٍ ، ترقصُ


خلجاتها على إيقاعِ الانعتاق ، تسبقها عصافير التّوق


متقافزة فوق أحجار الطريق المرصوفة .


ومن بعيدٍ تلمحُ فتاها يتتبّعها ، فيشتعلُ


الصّهيلُ في نبضها ، يرفرفُ دم اشراقها ، جناحاها


يغرّدان ، وهي تقاومُ رغبةً في الالتفات :


- (( مجنونة ماذا لو افتضح أمركِ ؟؟ .. ستذبحينَ


كعمّتكِ ... ارجعي .. ارجعي . )).


تنأى بارتباكٍ شديدٍ عن الحارة ، تتغلغلُ


في أزقّةٍ متطرّفة ، الخوف يثقل قدميها ، أنفاسها


تزعق برعبٍ :


- (( ارجعي .. ارجعي .. قد يصادفكما ابن عمّكِ .)) .


تتباطأ حائرة ، وبعيونٍ متلصّصة تمسحُ


المكان من حولها ، تلتفتُ ، تتمهّلُ ، لتقصّر المسافة


بينهما .


* * *


يتصاعد الخوف مشوباً بالحذرِ في قلبهِ،


ينبتُ لهما أنياب شرسة ، مدركاً خطورة المغامرة ،


يمسكُ خطاهُ عنها :


- (( لن أقامر بها وبي ، لن أشاطرها جنونها ..


ماذا لو طاوعتها ؟!؟! .. سيقول أبي :


- فضحتنا ياكلب ، جلبت لنا الدّمار ، ولأهلها العار ،


ثمّ هل تجدنا قادرينَ على مجابهةِ عائلة "


الرّهوان" ؟!.. سيقتلونكَ ، ونحنُ لن نموت من


أجلكَ . )) .


* * *


بجوارحٍ مشرئبةٍ متيقّظةٍ لوصولهِ ، تتخيّلُ ما


سيدورُ بينهما من حوارٍ :


- مرحباً .


- أهلاً .


متحرّراً من تلعثمهِ ، حاثّاً خطاه بمحاذاتها :


- كيفَ الأحوال ؟.


وبنزقٍ تضعُ حدّاً لمقدّماتهِ :


- " وليد " يجبُ أن نجدَ حلّاً .


* * *


أفاقت من شرودها على تأخرهِ ، شارفت على


تخومِ البلدة ، بجرأةٍ تستدير، فتصطدمُ بخيبةٍ


متوحّشةٍ ، تنقضُّ على جناحيها الأبيضينِ ، حينَ لا


تبصر أحداً يتعقّبها .


ينتحرُ بريق عينيها ، أغصان بهجتها تتقصّف ،


يجفُّ نسغ الانعتاق ، وتتهشّمُ مرايا السّماء، فوق


قفار روحها ، بينما تجأر أعماقها النّازفة :


- آهٍ .. " وليد " لماذا الفرار ؟!؟!.


* * *


في زقاقٍ متهدّم تلمح الشّمس الآفلة " فتى


النّافذة " لاهثاً بانهزامه ، يجرُّ غصّته بمشقّةٍ ، وفي


وجدانهِ الجّريح تتعاركُ الأسئلة:


- سامحيني " ياأنيسة " .. لن ألحق بكِ العار.


أهل بلدتنا لا يعرفون الرّحمة ، ليتنا " يا أنيسة "


ولدنا على كوكبٍ آخر .


* * *


مضرّجةً بخيبتها تعرجُ على قبرِ " زينب" ، كاتمة


أسرارها ، تحملقُ الصّديقة في أخاديدِ الدّمعِ ، تشهقُ


بالسؤالِ :


- هل التقيتما ؟!


تندُّ عن أوجاعها صرخة مسكونة بالموت :


- انهزم .


تتكوّر الصبيّتان المنكسرتا الأجنحة ،


تبكيان أحلامهما بضراوةٍ ، ذليلة تنكفئ الشّمس ،


وبفظاظةٍ ينبثقُ ليلٌ من عويلٍ أسود ، يسربلُ حلمَ


المدينة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق