أين غيومُ طمأنينتكَ ياوطني ؟! أفلَ نجمُ الحبُّ من أروقةِ مكاتبنا، نعقَ الغرابُ على تخومِ مدينتي، و خيَّمَ الخرابُ على صروحنا ، عيوننا غزاها الشقاءُ الرماديُّ بحلولِ شتاءٍ قاسٍ لا يرحمُ ، و سطا النفاقُ على آخر كنوزِ ضمائرنا، علا صوتُ الأنا على فضيلةِ المروءةِ بكل لهجاتِ التواصلِ بلا حياءٍ أو خجلٍ ، زفرَ الحربَ الباردةَ من وراء الأقنعةِ البرتقاليةِ ، تغيرتْ طقوسُ العملِ وجوائزُ الثناءِ في أقاليمِ القارةِ اللإنسانية ، فازَ العهرُ بالمرتبةِ الأولى ، والدولارُ بالمرتبة الثانيةِ ، شيعت القيمُ إلى مثواها الأخيرِ، والعلمُ على شفا وادٍ عميقٍ يحتضرُ الْيَوْمَ ، محكومٌ على الطبيبُ أن يتناولَ فيروساً ليصيرَ مريضاً ، وعلى المعلمُ أن يلبسَ طالباً كسولاً يلقِّنهُ مبادئَ العلمِ والأخلاقِ أضعفُ الطلبةِ معرفةً وخلقاً ، على الصَّبرِ أن يحضرَ دائماً ليكونَ طالباً نجيباً مرةً ، شجرةَ بطمٍ وسنديانٍ ، وجبلاً قوياً لاتهزهُ رياحُ الشتائمِ مرةً أخرى ، ومرطبانَ سكرٍ غيرَ مرَّةٍ ؛ ليزيلَ المرارةَ كلَّما زاد منسوبها في الدَّمِ ، كما يحتاجُ مريضُ السكريِّ لها حين
ينخفضُ السكرُ في شرايينهِ ، ياللحزنِ !!
سربُ الحمائمِ الذي أطلقتهُ راحتايَ لم يكن كافياً؛ ليعودَ اَلسَّلامُ بأمانُ إلى الأفئدةٍ المثلومةِ بنصالِ الجشعِ والغيرةِ ، سفائني البيضاء المحمَّلةُ بالزُّمردِ والياقوتِ وصلتْ إلى مرافئَ عقيمةٍ بلونِ الليلِ ، غابَ نورُ الحبِّ عنها ، فتهشمتْ أمام جروفِ الصَّلفِ البازلتيةِ ، وتحطمتْ أشرعتها عند أوَّلِ كلمةٍ خرجت من فوَّهة بندقيةٍ ، تشظتْ أباريقُ الجمالِ في صدري عند أبلغِ مطرقةٍ حديديةٍ من غطرستهم
يا إلهي !! كيفَ أتركُها وفيها أراجيحُ حبورٍ لأطفالي ؟! مازالَ في جيوبي الكثيرُ من العزيمةِ والرجاءِ ، سألملمُ أشلاءها ، أرفو قمصانها الممزقةَ بإبرةِ الأملِ ، وأرممُ مايمكنُ إصلاحهُ لأعيدَ بناءَ مركبٍ يقلُّني إلى أسرتي بأدنى الخسائرِ .
كيف سيمضي النَّهارُ سريعاً ، وقد لبسَ قلوبهم المتجمدةَ ؟! سأهدِّئ روعَ أرزتي الشَّامخةِ التي ظمئتْ عطشاً من خوابيهم الشديدةِ الملوحةِ
وأسكِّنُ فرائصي المرتعدةَ من نظراتهم التي يطرِّزها الصقيعُ ، لأعودُ إلى جزيرتي الجميلةِ بالرغمِ من قاربي المكسورِ لأجلِ أحبتي الذين يضنيهم غيابي الطويلُ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق