أبحث عن موضوع

الثلاثاء، 26 يونيو 2018

إقلاق راحة _ قصة قصيرة ........................... بقلم : مصطفى الحاج حسين / سوريا







استطعتُ أن أنجو ، انطلقتُ راكضاً ، بعدَ أن

تسللتُ على أطرافِ أصابعي ركضت،ُ بسرعةٍ جنونية ،

يسبقني لهاثي ، يربكني قلبي بخفقانهِ ، يعيقُ الظّلام من

سرعتي ، خاصة وأنَّ أزقتنا مليئة بالحفرِ وأكوامِ

القمامة .

أخيرا وصلتُ ، على الفور أيقظتُ الشّرطة ،

تثاءبوا ، تمطّوا ، رمقوني بغضبٍ ، وحينَ شرحتُ لهم ما

أنا فيه ، أخذوا يتضاحكونَ ، سألني الرقيب :

ـ هل أنتَ تهذي ؟!..

أقسمتُ لهم بأنّي لاأهذي ، ولستُ في حلم ، بل ما أقوله

حقيقة ، وإن كانوا لا يصدقونَ فعليهم أن يذهبوا معي ،

ليشاهدوا بأعينهم ، وليشنقوني في حال كان كلامي

كاذبا .

لكنَّ المساعد المناوب ، أخبرني ، بعد أن تظاهر

بالاقتناع :

ـ نحن لا نستطيع تشكيل دورية للذهاب معك ، إلاً

بعد أن يأتي سيادة النقيب .

وحينَ سألته ، عن موعدِ مجيءِ سيادة رئيس المخفر ،

أجاب :

ـ صباحا .. بعد التاسعة .

ولولا خوفي الشّديد من رجالِ الشّرطة ، لكنتُ

صرختُ بوجههِ :

ـ لكنّي لا أستطيع الإنتظار ، إنّ الأمرَ غاية في

الخطورة .

كبحتُ انفعالي ، وسألته برقةٍ واحترام :

ـ ألا يوجد هاتف في منزل سيادته ؟ ..

صاح المساعد ذو الكرش المنتفخة :

ـ أتريد أن نزعج سيادته ، من أجلك أيّها الصعلوك ؟.!.

وتمنيت أن أرد :

ـ أنا لست صعلوكاً ، بل مواطناً ، أتمتع بالجّنسية ،

والحقوق كافة ، ولكنّي همست :

ـ حسناً يا سيدي ، هل لك أن تدلّني على منزل

سيادته ، وأنا أتعهد لك بالذّهاب إليه ، والحصول على

موافقته بتشكيل الدّورية .

وما كدتُ أنهي كلامي ، وأنا في غايةِ التهذيبِ

والاحترام ، حتى قذفني المساعد بفردةِ حذائهِ المركونِ

قربَ سريره ، وبصراخهِ المخيف ، قائلاً :

ـ أنتَ لا تفهم ؟!.. وحقّ الله إنّكَ "جحِش " .. أتريد

أن تذهبَ إلى بيته ؟!!.. يالشجاعتكَ !!!.. انقلع ..

وانتظر ، وإياكَ أن تعاود ازعاجنا .. قسماً " لأحشرنك "

بالمنفردة .

جلستُ أنتظر ، لم أستطع الثّبات ، أخذتُ أتمشى

بهدوءٍ شديدٍ ، عبرَ الممرّ الضّيق ، وأنا أراقب عقاربَ

السّاعة .. الدقيقة ، كانت أطول من يوم كامل ..

وعناصر الشّرطة عادوا يغطّونَ في نومٍ عميقٍ ، اكتشفت

أنّ جميعهم مصابونَ بداءِ الشّخيرِ ، صوتُ شخير المساعد

أعلى الأصوات ، رحتُ أتخيّل مقدار قوّة الشّخير

عند سيادة النّقيب .

تململتُ ، ضجرتُ ، يئستُ ، فقدتُ قدرتي على

الصّبرِ ، فصرختُ :

ـ يا ناس أنا في عرضكم ....

رفعَ الشّرطي رأسه ، حدجني بعينينِ ناعستينِ ،

وزعقَ :

ـ اخرس يا عديمَ الذّوق .

خرستُ ، وانتظرتُ ، عاودتُ المشي في الممرِّ ، ومراقبةِ

الثّواني ، دخّنتُ مالا يحصى من السجائرِ ، أحصيتُ عددَ

بلاط الممرّ عشرات المرّات ، طالَ انتظاري ، تجدّدَ

وتمدّدَ ، ضقتُ ذرعاً ، نفذ صبري ، وطلعت روحي ،

اكتويتُ بنار الوقت ، قلقي يتضاعف ، فمرور الوقت ليس


من صالحي ، عليّ أن أفعل شيئاَ .. هل أعود بمفردي ؟..

لكن ، يجب أن يكون أحد معي ، شخص له صفة رسمية ،

لكن ما باليد حيلة .. فخطر لي أن ألجأ إلى أخي ، فهو

أقرب الناس إليّ .

خرجتُ من المخفرِ خلسة ، هرولتُ ، ركضتُ ، وكنتُ

أضاعف من سرعتي ، حتى أخذتُ الهث ، العرقُ يتصبّب

منّي غزيراً .

قالت زوجة أخي " عائشة " ، بعد أن رويت حكايتي

لأخي :

ـ نحنُ لا علاقة لنا بالمشاكلِ .. عد إلى الشّرطة .

خرجتُ من بيتِ أخي " عبدو " ، والدّموعُ تترقرقُ في

عينيّ ، تذكّرت كلام المرحوم أبي :

ـ الرجل الذي تسيطر عليه زوجته لا ترج منه خيرا .

توجهت إلى أبناء عمي ، طرقت عليهم الأبواب ،

وتوالت الأكاذيب :

ـ [ محمود ] .. ذهب إلى عمله باكرا .

ـ [ حسن ] .. مريض ، لم يذق النوم .

وبخشونة .. قال [ ناجي ] :

ـ أنت لا تأتي إلينا ، إلاّ ووراءك المصائب .

[ يونس ] ابن عمتي ، أرغى وأزبد ، أقسم وتوعد ، لكنه

في النهاية ، نصحني أن أعود للمخفر ، حتى لا نخرج

على القانون .

قررت أن أعود إلى حارتي ، هناك سألجأ إلى

الجيران ، قد تكون النخوة عندهم ، أشد حرارة من نخوة

أخي ، وأبناء عمي ، والشرطة ، ولمّا بلغت الزقاق ،

صرخت :

يا أهل النخوة الحقوني .. الله يستر على أعراضكم .

فتحت الأبواب بعجلة ، خرج الناس فزعين ، التفوا

حولي ، يسألوني ، وأنا أشرح لهم من خلال دموعي ،

لكن جاري [ فؤاد ] ، أخرسني :

ـ نحن لا علاقة لنا بك وبزوجتك ... اذهب إلى

الشرطة .

عدت إلى المخفر ، وجدت المساعد ونفرا من

العناصر مستيقظين ، واستبشرت خيرا ، حين ناداني :

ـ هل معك نقود أيها المواطن ؟.

ـ نعم سيدي .

ـ إذا اذهب وأحضر لنا فطورا على ذوقك ، حتى

ننظر في أمرك .

دفعت معظم ما أحمل في جيبي ، تناولوا جميعهم

فطورهم بشراهة ، تمنيت أن أشاركهم طعامي ، فكرت

أن أقترب دون استئذان ، أليست نقودي ثمن طعامهم

هذا ؟.!.. وحين دنوت خطوة ، لمحني المساعد واللقمة

الهائلة في فمه ، فأشار إلي أن أقترب ، سعدت بإشارة

يده ، واعتبرته طيب القلب ، نسيت أنه ضربني ليلة

أمس ، بحذائه الضخم ، وحين دنوت منه ، أشار :

ـ خذ هذا الإبريق واملأه بالماء .

اشتعل حقدي من جديد ، اشتد نفوري منه ، ومن

عناصره .

ها هي الساعة تتجاوز الحادية عشرة ، ورئيس

المخفر لم يأت بعد ، ولما اقتربت من المساعد

مستوضحا :

ـ يا سيدي .. لقد تأخر سيادة النقيب .!

رمقني بغضب ، وصاح :

ـ لا تؤاخذه ياحضرة ، فهو لا يعرف أنك بانتظاره .

في الثانية عشرة وسبع دقائق ، وصل النقيب ، هرعت

نحو مكتبه ، لكن الحاجب أوقفني :

ـ سيادة النقيب لايسمح لأحد بالدخول ، قبل أن

يشرب القهوة .

المدة التي وقفتها ، تكفي المرء أن يشرب عشرة فناجين

من القهوة .. ولما هممت بالدخول مرة أخرى ، أوقفني

الحاجب من جديد :

ـ سيادته لا يسمح لأحد بالدخول ، قبل أن يوقع

البريد .

انتظرت ... دخنت لفافتين قبل أن أتقد م ، لكن الشرطي

باغتني بصياحه :

ـ سيادته لا يقابل أحدا قبل أن يطلع على جرائد

اليوم .

لاحت بالباب فتاة .. شقراء .. ممشوقة القوام ، لا

تتجاوز العشرين ، عارية الفخذين ، والكتفين ، والصدر ،

والظهر .. تضع نظارة ، وتحمل حقيبة ، تجر خلفها كلبا

غزير الشعر ، مثل خاروف .. نبح عليّ بوحشية ، راحت

تخاطبه بلغة لم أفهمها ، اتجهت نحو مكتب النقيب ،

انحنى الشرطي ، فتح لها الباب ، دلف الكلب للداخل ، ثم

تبعته ، دوت في أذنيّ عبارة حفظتها :

ـ سيادته لا يسمح لأحد بالدخول ...

لكنني مددت رأسي ، وحاولت الدخول خلفها ، جذبني

الحاجب من ياقة قميصي ، وثب الكلب نحوي ، نابحا

بعصبية واحتقار :

ـ سيادته لا يسمح لأحد بالدخول ، قبل أن ينصرف

ضيوفه .

أدخل الشرطي إليهم ثلاثة فناجين من القهوة ، سألت

نفسي :

ـ هل يشرب كلبها القهوة أيضاَ ؟؟؟!!!...

طال انتظاري ، الضحكات الشبقة تتسرب من خلف

الباب ، والشرطي في كل رنة جرس ، يدخل حاملا

كؤوس الشراب ، الشاي ، الزهورات ، المتة ، الكازوز ،

الميلو ، الكاكاو ، وإبريق ماء مثلج ، وأخيرا .. دخل

حاملا محارم [ هاي تكس ] ، الضحكات تتعالى ، ونباح

الكلب يزداد ، كلما نظرت نحو الباب .

تمنيت أن يفتح الباب ، ويطل عليّ كلبها ، حينها

سأرتمي على قوائمه ، وأتوسل إليه ، ليكون وسيطاّ لي ،

عند سيادة رئيس المخفر ، لكنني تذكرت ، فكلبها للأسف

لا أفهم لغته .

وبدون وعي مني ، وجدتني أهجم نحو الباب

الموصد ، أدقه بعنف .. وأصرخ :

ـ أرجوك يا جناب الكلب ... أريد مقابلة النقيب .

وما هي إلاّ لحظات ، حتى غامت الدنيا ، توالت

اللكمات ، الرفسات ، اللعنات .................

والنباح يتعالى ... ويتعالى .. ويتعالى .

وحين بدأ العالم يتراءى لي ، وجدت نفسي ..

ملقى في زاوية الزنزانة ، غارقا في دمي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق