أبحث عن موضوع

الأربعاء، 20 يونيو 2018

السنوات العجاف _ قصة قصيرة ................... بقلم : رشا الجزائري / الجزائر



حزمت حقائب السفر،وضعتها جانبا بعدما تأكدت أنها لم تنسى غرضا من أغراضها المهمة جدآ و الظرورية.

ألقت بجسدها على السرير لتريحه قليلا،رشقت عيناها بسقف غرفتها وراحت تفكر بالسنوات الخمس التي مرت عليها في هذا البيت و هي تحاول أن تتنفس بصعوبة لتبقى على قيد الحياة ،

فقد كانت مثل الذي يصاب بأزمة تنفسية

اثناء تواجده في مكان بارد و جاف ويحتاج من حين لآخر الى إسعافات و أوكسجين.

منذ زواجها وقدومها الى هذا البيت كانت تشعر بعدم هضمهم لهذا الزواج و عدم رغبتهم الكاملة للاختيار الذي أصر إبنهم عليه،وكثيرا ما كانوا يلقون على مسمعها انتقادات عن الزواج من خارج العائلة أو حتى خارج المدينة،و كيف أن فتيات الأقارب كانوا يتساقطون على ولدهم كالمطر ولكنه تركهم وراح كالمسحور ينبش في تراب أرض غريبة.

طيلة هاته السنوات حاولت ان تكون قوية لتحافظ على استقرارها و على قصة الحب الجميلة التي عاشتها مع زوجها قبل الزواج.

لكن مؤخرا بدأت تحس أن الصبر لم يعد يجدي نفعا أمام كل ما يفعلونه، فقد احبطوا معنوياتها ،ونحل جسمها وصارت شاحبة من كثرة الجري خلف حلمها بنيل الإستقلال، وما زاد الطين بلة أن زوجها والذي تستمد منه بصيص الأمل، لا تراه الا بعد مرور عدة شهور ليبقى معها عدة أيام ثم تبدأ من جديد في حزم حقيبته التي كانت تمقتها و تذرف الدموع الساخنة وهي تدس فيها أغراضه .

و بينما هي غارقة في إسترجاع ما مر بها ، تناهى الى مسمعها بعض الضجيج الآتي من خلف باب غرفتها، و أدركت على الفور أن الهجوم في طريقه إليها!! ابتسمت قليلا، شعرت أن ما بين شفتيها أكبر من الإبتسامة، أرادت أن تقهقه،أن تصرخ كالمجانين بأعلى صوتها، لشيء في نفسها،لكنها تمالكت وتصنعت الهدوء ،فهي مازالت لا تصدق أن هذه الليلة هي ليلة الوداع و قد جاؤوا لتوديعها، لن تصدق حتى تطأ قدماها البلد الآخر.

فكثيرا ما اختلط عليها الحلم بالواقع ، وكثيرة هي الليالي التي ترى فيها نفسها تحزم الحقائب و تسافر إلى زوجها،

وفي الصباح الباكر تستيقظ على صراخ حماتها وهي تصرخ:

(أنهضي كفاك نوما هناك أشغال كثيرة تنتظرنا)،

فتصطدم بالواقع و تبكي حظها و حلمها الكاذب طوال ذلك اليوم .

-بدأ الطرق القوي على باب غرفتها،ثم اندفاع جماعي وأصوات مختلطة ببعضها،رددت بينها وبين نفسها في تهكم (إذن ما الداعي للطرق !!)

كانوا بعضا من أقارب و أهل زوجها جاؤوا يودعوها قبل السفر.

لم تنزعج من دخولهم هكذا لأنها تعودت على هذا النوع من الإستعمار بل و كل أنواعه الأخرى، أستسلمت له فمنذ قدومها لا أحد يحترم خصوصياتها أو يعترف بحريتها الشخصية ،فحتى غرفة نومها تعتبر بالنسبة لهم غرفة الضيوف، يجتمعون فيها يشربن قهوتهن ويتجاذبن أطراف الحديث بالساعات ليلا أو نهارا لا فرق عندهم فهم يعتبرونها من ممتلكاتهم

أيضا، وأنها لم تأتي بها من بيت أهلها، هكذا كانوا يقولون حين يقرؤون نوعا من الإنزعاج في عينيها.

جلسن يتصنعن الفرح مشاركة لسعادتها،

بينما تعرف هي العاصفة الهوجاء التي تهب في داخلهم منذ أن سمعوا بقصة السفر .

كانت تكتفي بالاستماع إليهم وهي ترى فتات الهمس يتساقط من شفاههم و مزيج من غضب البشرية على التمرد (في رأيهم!!! )الذي حصل على الأسرة وهو حقها في السفر و العيش برفقة زوجها.

نيران تشتعل في أعينهم تكاد تحرق كل ما بالغرفة من أخضر و يابس.

تتطلع إحداهن الى الحقائب بطريقة التجسس ثم تسأل في جرأة :

ما كل هذا الذي تحملين معك ؟ثم تضيف

ألا يوجد في تلك البلاد ثياب ؟!ثم تختمها بقهقهة مزعجة فتنفرج شفتيها عن فراغ لا يحتوي إلا على القليل جدا من الأسنان المتفرقة…

تغافلت هي عن كل ما يحدث و ما سيقال في هذه الليلة ،فهي تعرف شعور المستعمر القوي حين يصبح مضطرا للاستسلام امام أمر واقع وهو الإستقلال و الحرية..

كلما تمنته هو مرور هذه الليلة على خير، وطلوع الفجر لكي تتخلص من هذه الكوابيس،لتبدأ من جديد مع زوجها الذي لم تشعر بامتلاكه طيلة مدة زواجهما.

لكن ماذا تفعل في هذا الشك الذي يساورها و يلاحقها و هو أن كل ما يحدث مجرد حلم و أن عصر المعجزات إنتهى -بعد عناء طويل من الإستماع الى دروس و مواعظ تافهة من النسوة، و حكايات عن العادات و التقاليد البالية و التي لا تمت بصلة لموضوع السفر ،تمت مغادرتهن وهن يدعين لها بالسعادة دعاء يغلفه الزيف، أغلقت خلفهن الباب وتنفست الصعداء، أستلقت مرة أخرى على سريرها غير راغبة في النوم ،و قررت إنتظار زوجها الذي يسامر أصدقاءه بالمقهى،ظلت بمكانها تقاوم النعاس ترفض الإستسلام له خوفا من أن يجيء الفجر فتستيقظ على صيحات حماتها مثل العادة، و هي التي تعودت على إرضائهم حتى لا يشاع عنها أنها كسولة، ورغم انها تجيد فعل كل شيء في البيت إلا أن إرضاء الحماة غاية لا تدرك….أخذها التفكير ثانية في الغد، و راحت تبحث في مصير أي فتاة تترك بيت والديها وتقتلع جذورها لتغرسها ببيت آخر و تسكن لرجل غريب !؟ تلك العلاقة المقدسة، و التي هدفها الحب و العطاء من كل الأطراف.

في هذه الأثناء كان النعاس يقتحم مخدعها،و يداعب أجفانها و دون أن تشعر أستسلمت للنوم ،فكثرة التفكير و الوساوس أرهقتها وجعلتها تتعب و تغط في نوم عميق.

لاح الفجر ككل يوم وبدأت خيوط النور في الظهور ،فتحت هي عيناها المحمرتان من قلة النوم حين شعرت بيد تحرك جسمها تحاول إيقاظها،انتفضت و ارتعشت كعادتها و تسارع نبضها،مدت أصابعها تحاول أن تفرك عينيها لتزيل الغمام من عليهم ،لتتبين جيدا هل اليد التي لامستها هي يد حماتها،فترَاءَى لها وجه زوجها مبتسما وهو يقول : أنهضي يا كسولة أمامنا سفر طويل ،سيفوتنا موعد الطائرة
18 نوفمبر، 2017 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق