تقول أمي أن ولادتي كانت يسيرة جداً، وكنت هادئاً أو بالأحرى كسولاً كمن شخص أستيقظ تواً من نومه . هكذا شبه لأمي لحظة خروجي للحياة. تردد على مسامعي كيف خرجت جائعاً أمص شفتي بقوة . تضعني في حضنها ، تحاول أن تلقمني حلمة ثديها رغم الآلام الشديدة الذي كانت تعانيه وتورم صدرها ، ثابرت على أن ترضعني صمغ الحياة ولكن جوعي كان شديدًا. طلب الطبيب منها أن ترضعني حليبا طبيا من خلال الرضاعة. حتى لا يصيبني الوهن والضعف. كنت ألتهم حلمة ثديها بقوة وأسبب لها العذاب.
بعد كل رضاعة كانت تقبلني بقوة وتحضنني وأنا أغفو على صدرها. تضعني بجانبها ولا تغفو حتى أذهب في نوم عميق. تذكرني دائماً بتصرفاتي الأنانية وأنني لا أحب سوى نفسي كلما حضرت وطلبت منها نقود لكي أخرج مع أصدقائي غير مبالي بوجود المال من عدمه لا يهمني سوى الخروج و التسكع في ضواحي المدينة ولا أعود للبيت الا بعد بيان الخيط الأول من الفجر فأجدها مستيقظة تنتظرني. فتثور ثورتي بوجهها:
- أنا لست صغيراً .. تنتظريني وتترقبي خطواتي .. أنا رجل؟
يصيبها الذهول وهي تنظر إلى طولي.
- الرجل لا يتعكز على أموال أمراءه عجوز وهو عاطل عن العمل.. ماذا ستفعل بعد نفاذ النقود؟. فهي لا تأتي هبة من السماء.
أتركها واقفة ،وأدخل غرفتي، أرتمي على السرير . أضع يدي على عيني أحاول حجب ضوء النهار، أشعر بصداع شديد وأنفاسي تخترق حيطان الغرفة. أنبش الأدراج أبحث عن قرص مسكن للألم. أضع الوسادة على رأسي. أتقلب على فراشي أستجدي النوم أنهض جالساً على السرير تمد رأسها من باب الغرفة أصرخ بوجهها.
- أريد شاي .
تخرج على الفور تحضر الشاي . تأتيني بقرص مسكن للألم وقدح ماء . أبتلعه بقوة. ألتهم الماء جرعة واحدة . أشير إليها بالخروج من الغرفة. تجرجر أقدامها.. تتمنى أن تأخذني بأحضانها كما في السابق.
في المساء عندما أستيقظ ، أجدها جالسة قبالة الغرفة تنتظر خروجي. أدخل الحمام، عند الخروج أجد الطعام جاهز. أتناول طعامي بشراهة. أطلب النقود مجدداً. تمد يدها تلامس كف يدي. أسحب يدي بقوة وبوجه مكفهر:
- ماذا تنتظرين من ابن سِفاح؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق