تتقلب الأفكار بسرعة تتناغم مع حداثة سنه , تدخل في أنفاق دماغه المتشعبة , تدور و تدور في حالة من الهذيان .
يتدلى رأسه’ من بين كتفيه , كثمرة نضجت في موسم حصادها.
أسند بيدهِ ما تبقي له من كومتها المتأكلة من الهموم و الخيبات , أخذ يتنفس بعمق , القرار صعب للغاية ولكن لا مفر منه .
لم يعد هناك سبيل فكل شيء يؤدي الى نفس النتيجة و الطريق .
أخذ يعصر شجاعته لأخر قطرة , يتردد في أعماقه صوت أمه المبحوح , وهي توقظه في كل صباح ليذهب لجامعته .
كانت كجذع نخلة متشح بالسواد تحمل ( عثوك ) الصبر بعد أن غاب المعيل في رحيل سرمدي .
تذكر اخوه الصغير وهو يتشبث بيده , يفتش في جيوب البنطلون عن قطع الحلوى أو النقود.
هز رأسه بعنف كمن يطرد عنه حشرة مزعجه تطير حول انفه , أكمل مسيرته’ نحو سياج الجسر الحديدي الأخضر .
تلفت يميناً و يساراً وبعد أن ادرك انه’ أنفرد بالسياج , وان الجميع كالجماد الذي حوله , في سبات دائم , لا يفرقهم عن الأموات غير الحركة .
أعتلى بقدمه السياج وهو يعلن التحدي .
أخذ نبضه’ يتسارع وهو يقذف بالصور القديمة و الأوراق للذكريات و الاحلام .
- هذا ما أريده حقا , وهذه هي النهاية .
أمامه الان فضاء واسع , لا شيء سيحول بينه’ وبين النوارس المحلقة التي تداعب النهر الوديع .
رفع يده’ كانه يودع اللحظات الأخيرة له على هذه الأرض .
انتظرت قدماه هي الأخرى ان تودع حافة السياج .
أغمض عينيه حتى يزداد صلابة , نبع من داخله صوت عقله المكتوم , دعاه’ الى التمعن في هذا الفضاء قبل ان يزج نفسه’ فيه .
فتح عيناه فوجد في الأسفل الأمواج كأسنان فم جائع ينتظر طعامه’ .
أحس أن ملاكه الحارس يمسك بكتفه وهو يردد .
- هل نسيت ؟!
- ماذا ؟!
- أمك تنتظرك أمام باب المستشفى , وهي تحمل أخاك الصغير .
أحس بسخونة الدموع وهي تنساب على خده الأسمر الذي تعانقه الشمس في كل يوم .
- هل نسيت ؟!
- ماذا ؟!
- الرجل الغريب , الذي يعمل في المستشفى , الذي وعدك بان يقسط مبلغ العملية , و سيجد لك عمل في كافيتريا المستشفى .
- نعم , تذكرت .
العبرة بدأت تخنقه’ يريد أن يصرخ بصوت عالي أمي , أخي .
أحس يده تنتفض على القرار وهي تمسك بعمود الانارة .
- ما زال هناك أمل , كل جوارحه رددت ذلك .
نزل من على سياج الجسر, وهو يرتجف من هول الصدمة .
- ماذا فعلت يا الهي ؟!.
ردد جمل الاستغفار و الحمد , و أخذ يتلفت يميناً و يساراً وهو يمضي في طريقة نحو المستشفى , وهو يتمنى أن لا يكون قد رَآه أحد وهو يقف على سياج الجسر كالمجنون .
2017/7/22
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق