هنا أرضي
هنا أنا...
هنا أنتَ...
هنا ذكرى طفولتنا....
في فصلِ الربيعِ
تحت أشجارِ
المشمش والدرّاق...
هنا لَسَعَتكَ نحلةٌ
عند الظهيرةِ...
فبكيت لأجلكَ....
قبّلت ذراعَكَ...
ضحكتَ عليّ...
قلتَ أنّي
مجرد طفلةٍ...
صغيرةٍ جبانة...
وأنّك يوماً...
ستضطر الى حمايتي
من شتى أنواع الخيانة....
خيانة الربيعِ...
والشتاءِ...
والمطرِ...
والبردِ
والرعدِ
وحتى
من خيانةِ البلَدِ....
..............
هنا
هنا أرضي
هنا تبلّلَ شعري بالمطرِ
آلاف المراتِ...
هنا الروحُ ثمِلَت من العشقِ...
من عطرِ الترابِ المخضّبِ...
بغيث الخريفِ...
هنا كفّنت أمي
ضحكات طفولتي....
دموعي التي بكيتها
على صديقتي
التي هاجرت
مع أبيها...
بحثاً عن عود ثقابِ...
بحثاً عن مدى رحبٍ...
بحثاً عن حروفٍ
دون قيدِ....
بحثاً عن سجنٍ
أوسع قليلاً من اللحدِ....
...............
هنا
هنا لم أكن أعلم
ما يعنيه صليبُ أمي...
ولا حجابُ جارتنا...
كنتُ أعلم فقط...
أنّ الجارة أرضعتني
مع ابنها...
عندما كنت طفلةً صغيرةً
في المهد....
وأنّ أمي قد مرِضت
بعد وفاة صديقتها "فاطمة"
بمرض السرطان....
وأنّ قهوة الصباح....
قد غاردت بعدها بيتنا...
لأنها اقترنت بمجيءِ الجارة...
وما تحمله بين كفيها
من قرنفلٍ...
ياسمينٍ....
ووردِ....
...................
هنا
هنا الشمسُ أكثر إشراقا....
هنا القمرُ أكثر ضياء...
هنا عطر سرمديّ
لا أدري....
أَلَهُ علاقةٌ بالزمانِ....
أم المكانِ...
أم بعطرِ الياسمينِ...
أم بزهر الجلنارِ...
أم بصديق طفولتي
الذي كان...
ورحل دون حقيبةٍ...
مخلّفاً روحي
في عالم التيه والهذيان...
هنا...
هنا أرضي....
هنا مجدي...
هنا الحب الأول
الذي راقصَ جسدي...
وأعطاني وعداً بالخلودِ
فما وفى بالوعدِ...
........................
هنا
هنا استيقظت صباحاً...
فعرفت أنّ طفولتي
قد ماتت...
وعرفت أنّ "القيامة"
قد حلّت....
فصليبُ أمي
قد اغتُصِبَ وانتحرَ....
وحجابُ جارتِنا
متّهم بالتضليلِ والفتنة....
لقد بانت منه شعرةٌ
سوداااااااء كالليل.....
فاستحق الرجمَ
لأن بالله قد كفَرَ...
وصديقي
وصديقي "الشيوعيّ"
آآآآآه منه
فاسدٌ منحلُّ....
يحبّ النساءَ....
يسمع الموسيقى....
يشرب السجائرَ
التي بها الله ما أمَرَ....
واليومَ أمامه ثلاث حلولٍ....
إمّا أن يتوبَ إلى الخالقِ...
فيدخل الجنّة على آهاتي...
وسبي جسدي...
وإما أن يكونَ...
مخصيّ اللغة...
ممسوخ كما القردِ...
وإمّا أن يكفرَ بالبلدِ...
ومن جلب هذا الويلَ
على بلدي....
على شعبي...
على الدم
الذي انتُهكَ...
ولم يترك
لنا حلاً
سوى الموتُ...
أو البعدُ
الى المنفى...
الى حفرةٍ...
نمارس فيها
على النفسِ
فنّ القتلِ والوأدِ....
(سوسان جرجس)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق