من مشاهد طفولتي المضمّخة بالوجع والفرح :
أَشَدَّ مَا يُؤْلِمُهُ أنَّهُ رُبِّيَ على أنْ يَكْتُمَ مَا بٍنَفْسِهِ مِنْ حُزْنٍ وفَرَحٍ وخَيَالاتٍ ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ في اكْتِسَابِ سَمْتِ الكٍبَارِ وجَلَدِهِم .فصَارَ ـ وهو الَّصًّبِيُّ ـ جَافَّ الدَّمْعِ ، قليلَ الضّحِكِ ، جَادًّا كما فَهِمَ الجدَّ والصَّلاَبَةَ .، قناعٌ أَرَّقَهُ وحرمه مُشَاركَةَ الصِّبْيَانِ لَعِبَهُم بل حرمه إظْهَارَ جَزَعِهِ وحُزْنِهِ حتى في أقسى الأحداثِ ، وليس أقسى عنده من هجرةِ والِدِهِ إلى بَلَدٍ مُجَاوِرٍ في طلبِ الرِّزْقِ ... يَذْكُرُ أنَّهُ ظلَّ ساكِنًا يَرْاقِبُ حَركَةَ أبِيهِ وَيُنْصِتُ إليه يوصيهِ خيْرًا بِأُسْرَتِهِ ، لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَه وَ لاَ خَوْفَهُ ، تَمَاسَكَ إلى أنْ صَافَحَهُ أَبوه وانطلقَ فَأحَسَّ أنَّّ رُوحَهُ تنْفَصِلُ عَنْهُ وتبتعِدُ ، ظل ّ يَتْبَعُهَا حتى تَوَارَتْ بَيْنْ َشُجَيْرَاتِ الزَّيْتُونِ .. لمْ يَقْوَ عَلَى رَدِّ دَمْعَةٍ طَفَرَتْ حَارَّةً فَدَارى ضَعْفَهُ بالتِفَاتَةٍ نحْو حَقْلِ القمْحِ القريبِ وَتقَدّمَ مُتَثَاقِلاً .... ارْتَمَى بَيْنَ سَنَابِلِ الْقَمْحِ وأَطْلَقَ لِنَفْسِهِ الْعِنَانَ ، بَكَى ضَعْفَهُ ، بكَى وحْدَتَهُ ، يَكَى أمْنَهُ وطُمَأْنِينَتَهُ .. بَيْنَ سُوقِ الْقَمْحِ عَثَرَ عَلَى كنْزٍ عَظِيمٍ : أَثَرِ قَدَمِ أَبِيهِ انْطَبَعَتْ في أَرضٍ طِينِيَّةٍ كأثَرٍ مَحْفُورٍ ، ذَهَلَ عَنْ كُلِّ أَوْجَاعِهِ ، تلمَّسَ الأَثَرَ بِحُنُوٍّ وَشَرَعَ يُزِيحُ التُّرَابَ ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق