أبحث عن موضوع

الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

موسوعة شعراء العربية المجلد السادس- الجزء الثاني شعراء العربية في الاندلس ............. بقلم : فالح نصيف الحجية الكيلاني // العراق




( ابن الأبار القضاعي )
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن
عبد الرحمن القضاعي البلنسي المعروف بابن الأبار .
ولد ابن الأبّار بثغر (بلنسية ) في سنة \595هـجرية - 1199 ميلادية في بيت علم وادب وجاه ونبل و أصله من قرية ( أندة ) القريبة من ( بلنسية ) .
درس ابن الأبّار الحديث والفقه على علماء عصره وفي مقدمتهم المحدث (أبو الربيع بن سالم) وقد انقطع إليه ابن الأبّار ولازمه أكثر من عشرين سنة، ولما قتل سنة \634هـجرية - 1237م ميلادية رثاه ابن الأبّار بقصيدة تعتبر من روائع المراثي الأندلسية.
ومنها هذه الابيات :
ألِـمَّا بـأشــلاء الـعُـلا والـمَــكارِم
تُـقَـدُّ بـأطـراف الـقَنــا والـصَّوارم
وعُـوجا عليهـــا مَأرِبا وحفـاوة مصارع
خُصَّت بالطُّـــــلى والجماجم
نُحَيـي وجــــوها في الجنان وَجيهةً
بـمــا لـقـيت حُمرا وجــوه الملاحم
وأجـساد إيـمــان كساها نجيعها
مجــاسد من نسج الظبى واللهاذم()
وكذلك برع ابن الأبّار في اللغة والأدب، وشغف بالأخبار والسّير ورحل في مطلع شبابه إلى غربي الأندلس، فزار ( قرطبة ) ثم زار ( إشبيلية ) وكان يكتسب علما وادبا أينما حل عن أساتذة العصر، وتوفي أبوه في سنة \619 هجرية - 1221 ميلادية ) كان هو ما يزال بغربي الأندلس في مدينة بطليوس، عاكفاً على دراساته، فلما وصله الخبر عاد إلى( بلنسية ) عاصمة شرقي الأندلس موطنه ومثوى أسرته.
وقد تولى ابن الأبّار في شبابه قضاء مدينة (دانية ) ثم استلم الكتابة لوالي ( بلنسية ) الموحدي (أبو زيد ) فقامت حركة شعبية كبيرة ضده ، فسار في قواته لمقاتلة ( ابن هود ) فكانت نتيجة معركة (نيشة ) سنة \634 هجرية في انتصار ( ابن هود ) عليه فرجع خائبا إلى( بلنسية ) الا أن الشعب في ( بلنسية ) اشتد هياجه فاختار(زيان ) حاكما فخشي ( زيد ) على نفسه فغادر( بلنسية ) في أهله وأحواله، ومعه كاتبه ابن الأبّار ملتجأ إلى بعض الحصون. وكان ابن الأبّار حيث غادر ( بلنسية ) وحيداً لا أهل له ولا ولد ثم أقدم على مشاركة ( زيد ) في مغامراته و لم يكن يقدر مدى خطورتها وكان ابن الابار شاباً في عنفوانه في الحادية والثلاثين من عمره ، وفي هذا يقول:
الحمد لله لا أهل ولا ولد
ولا قرار ولا صبر ولا جلد
كان الزمان لنا سلماً إلى أمد
فعاد حرباً لما انقضى الأمد
ولما تم حصار ( بلنسية ) من قبل ( ابن هود ) أرسل ( زيان ) (ابن الابار) الى ( تونس ) في شمال افريقيا الى مملكة (بني حفص ) القوية يحمل بيعته وبيعة أهل (بلنسية ) إلى الامير ( أبي زكريا بن السيد أبي محمد عبد الواحد) الموحدي الذي استقبله بالترحاب والمودة وقد أبلغ ( ابن الابار ) مضمون سفارته الى ابي زكريا وألقى قصيدته الرائعة المشهورة:
أدرك بخيـلك خيـل الله أندلســا
إن السبيـل إلى منجاتها درسـا
وهب لها من عزيز النصر والتمست
فلم يزل عز النصر فيك ملتمسا
يا للجزيـرة أضحى أهلهـا جـزراً
للنائ بـات وأحسن جـدها تعساً
لها من عزيز النصر ما التمست
فلم يزل منك عز النصر ملتمسا
عاش ما تعانيه حشاشتها فطال
ما ذاقت البلوى صباح مسا
وفي بلنــسيةٍ منــها وقرطــبةٍ
ما ينــسف النفسَ أو ينزف النفسا
مدائــنٌ حلّها الإشــراك مبتـسما
جــذلانَ وارتحل الإيمانُ مبتئسا
يـا للمساجـد عـادت للعـدا بيعـاً
وللنـداء غـدا أثنـاءهـا جـرسـا
لهفي عليها إلـى استرجـاع فائتهـا
مدارساً للمثانـي، أصبحـت دُرسـا
فأين عيـش جنينـاه بهـا خضِـرا
وأين عصر جلينـاه ، بهـا سلسـا
صلْ حبلها أيها المولى الرحيم، فمـا
أبقى المراس لهـا حبـلاً ولا مرسـا
طهـر بـلادك منهـم إنهـم نجـس
ولا طهارة مـا لـم نغسـل النجسـا
وانصر عبيداً بأقصى شرقها ، شرقتْ
عيونهم أدمعـا تهمـى زكـا وحسـا
وقد حقق الشاعر ابن الابار غايته في هذه القصيدة فكان شعره لغاية السياسة اذكانت قصيدته هذه العصماء أمضى سلاح اغنى عن المفاوضة والإقناع اذ بادر الأمير (أبو زكريا ) بتجهيز أسطول لنجدة الثغر الأندلسي المحاصر ووجهها نحو الاندلس ومعها ( ابن الأبّار) ورفاقه. الا ان هذه الحملة لم توفق في تأدية مهمتها ولم تحقق هدفها، ولم تستطع الوصول إلى مياه الثغر الاندلسي المحاصر فاضطرت أن تفرغ شحن السفن في ثغر( دانية ) و تعود أدراجها إلى تونس ومعها الشاعر ابن الابار .
غادر ابن الأبّار بلنسية مع جميع أفراد أسرته، وتوجه إلى تونس سنة 636هـ حيث لقي عند السلطان الحفصي أبي زكريا يحيى المجد والثروة والنجاح، وأسندت إليه الكتابة في ديوان السلطان وكلّف وضع العلامة السلطانية في أعلى الرسائل والمنشورات الصادرة عن القصر. ومدحه بكثير من القصائد ويقول في احداها :
أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ لَنا غياثٌ
فَعِنْدَ المَحْلِ تُسْتَسْقَى الغُيوثُ
فَلا جُوعٌ وَيُمْناهُ الغَوادِي
وَلا خَوْفٌ وَقَتْلاهُ الليوثُ
الا ان السلطان ما لبث أن أصغى إلى أقوال الوشاة والحاسدين وطلب من ابن الأبّار أن يقتصر على إنشاء الرسائل وأن يدع مكان العلامة للخطّاط الجديد، لكن ابن الأبّار لم يطع ما أمر به، فعوتب في ذلك وروجع، وغضب السلطان عليه فصرفه عن العمل، وحاول ابن الأبّار أن يتلافى خطأه فألف كتابه ( إعتاب الكتّاب ) وأهداه إلى السلطان واتصل بنجله وولي عهده أبي يحيى زكريا الذي تشفع له عند أبيه فرضي السلطان عنه وغفر زلّته.
وقد توفي ولي العهد زكريا قبل وفاة أبيه بسنة وصار الأمر بعده إلى أخيه أبي عبد الله الذي لُقِّب بالمستنصر، فأبعد ابن الأبّار إلى مدينة (بجاية ) سنة \655هجرية ، ثم رضي عنه وأعاده إلى خدمته واستمع لنصحه ولكن ابن الأبّار ما لبث أن أغضب المستنصر وحاشيته بسلوكه فقد كان يزري به في مجالسه، وعُزيت إليه أبيات في هجائه، فأمر به فقتل، ثم أحرق جثمانه كما احرقت مصنفاته وأشعاره وإجازاته العلمية في محرقة واحدة.
توفي الشاعر محمد ابن الابار القضاعي الاندلسي مقتولا ب ( تونس ) سنة \ 658 هجرية – 1260 ميلادية بامر من الامير المستنصر في تونس .
ابن الابار الاندلسي ترك للتراث العربي جملة من الكتب الشعرية والنثرية الادبية والعلمية والثقافية وخاصة ما كتبه ايام المحنة ايام انهيار الحكم العربي في الاندلس وسقوط مدينة ( بلنسية ) وتعد (45) مؤلفا الا ان اغلبها ضاع ولم تصل الينا الا هذه الكتب المذكورة ادناه :
1- ديوان شعر مخطوط ومحفوظ في خزانة الملكية المغربية بمدينة الرباط .
2- التكملة لكتاب الصلة وهو تكملة لكتاب الصلة لابن بشكوال القرطبي.
3- مظاهرة المسعى الجميل ومحاذرة المرعى الوبيل - كتاب في الادب عارض فيه الشاعر ابي العلاء المعري.
4- الحلة السيراء :مجموعة نفيسة من تراجم رجال الأندلس والمغرب
5- المعجم في اصحاب القاضي البي علي الصدفي السرقسطي
6- أعتاب الكتاب : ويشتمل على تراجم كتاب الأندلس وبعض الكتاب المشارقة
7- الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة
عرف ابن الأبّار بطموحه والاعتداد بنفسه وأنفته وسرعة الغضب وكان حادّ اللسان تصدر عنه الإساءة ولايشعر بها .
يتميز شعره بالرقة والسلاسة واسلوبه عصامي رائع وشعره اغلبه في الوطنية والجد ومعانيه عالية الهمة والتنسيق ويعمل على تزيين أسلوبه وشعره والإكثار من المحسنات البديعية. وقال في كل الفنون الشعرية من فخر ومدح وغزل ورثاء وهجاء ووصف و...
ومن شعره في الغزل:
وحَمَامَةٍ ناحَتْ فَنُحْتُ إِزاءَها
فَلَوِ اسْتَمَعْتَ لَقُلْتَ هَذا المأْتَمُ
أَبْكِي وتَبْكِي غَيرَ أنِّي مُعْرِبٌ
عَمَّا أُكِنُّ مِنَ الغَرَام وتُعْجِمُ
وأرَدِّدُ الزَّفَرَاتِ أثْنَاءَ البُكَا
وَتَظَلُّ فَوْقَ أَراكِها تَتَرَنَّمُ
فَإِذا أصَاخَ لِشَدْوِها وتَأَوُّهي
وَاعٍ يَقُولُ خَلِيَّةٌ ومُتَيَّمُ
ومن شعره في المدح ويصف معركة بثبات ابطالها وقادتها فيقول :
مُهَجٌ تُساقُ إلَى الرَّدَى فَتُشَاق
مَا لا يُطَاقُ يُكَلَّفُ العُشَّاقُ
للَّهِ منْ فَرَقٍ أَبادَ ذَماءهُمْ
هَجْرٌ أَباحَ دِمَاءَهُمْ وَفِرَاقُ
مَا أَسْأَرَتْ مِنْها المَهَا وَعُيُونُها
سَارَتْ إلَيْهِ تُريقُهُ الأَشْواقُ
أَبَداً لَهُم شَرقٌ بِفَيْضِ دُمُوعِهمْ
وَسَواءٌ الإظلامُ والإشْرَاقُ
تَجْرِي وَلا مَيْدَانَ إِلا صَفْحَةٌ
خَيْلاً ولَكِنْ شُقْرُها السّبَّاقُ
إنْ لاحَ بَرْقٌ أَوْ تَرَنَّمَ أَوْرَقٌ
صَبَتِ الضُّلوع وَصابَتِ الأَحْداقُ
لَم تَدْرِ أَنِّيَ في جوَارِ خَليفَةٍ
بِيَمينِهِ الآجالُ والأرْزاقُ
لا يُشْتَكَى في عَصْرِهِ بِإِضَافَةٍ
وَلَهُ بِمَا يَسَعُ المُنَى إِطْلاقُ
رَسَخَتْ مَنَابُتُهُ الكَرِيمَةُ في النَّدَى
وَتَبَحْبَحَتْ في الذُّرْوَةِ الأَعْراقُ
مَلِكٌ أقامَ صَغَا الدِّيانَةِ والدُّنَى
فَصَغَتْ إلَى سُلْطَانِهِ الآفَاقُ
تَاقَتْ إليْهِ وإنَّهُ لَيَلُمُّهَا
بالصِّدِ مِنْ أَمْلائِهِ تَوَّاقُ
هَذِي المَمَالِكُ والمُلُوك لأَمْرِهِ
تَنْقَادُ طيِّعَةً كَمَا تَنْسَاقُ
سَتُجيبُهُ عَقِبَ المَغَارِبِ شَامُها
وَسَتَقْتَدِي يَمَنٌ بِهِ وعِرَاقُ
مَنْ لِلعَواصِمِ أنْ تَفُوزَ بعِصْمَةٍ
وَبِما يُديرُ تفَتَّحُ الأَغْلاقُ
كَفَلَتْ فَيَالِقُهُ بأنْ تَدَعَ العِدَى
يَوْمَ الهيَاجِ وهَامُها أفْلاقُ
يا آلَ أيوبَ اضْعَنُوا عَنْ مِصْرِهِ
أَوْ أَذْعنُوا فَلَهُ بهَا إحْرَاقُ
لا عَائِقٌ يَثْنِيهِ عَنْهَا مَنْ رَأَى
لَيْثَ العَرِين عَنِ العَرِينِ يُعَاقُ
أَما بَنُو يَعْقُوبَ قَدْ أوْدَى بِهِمْ
مِنْ بَأْسِهِ الإرْهَابُ والإرْهَاقُ
عَدِمُوا الوجُودَ فَوَاجِئاً وفَواجِعاً
وَجَدوا بِها طَعْمَ الحِمَام وَذَاقُوا
رِقُّ المُلوكِ عَلَى عِتَاقِ جيَادِهِ
وَعَلَى جَدَاهُ وَمَنِّهِ الإعْتَاقُ
عَمَّتْ سَعَادَتُهُ الوُجودَ وإنَّمَا
يَشْقَى بِها المُرَّادُ والمُرَّاقُ
أَحْيا مَوَاتَ الأَرْضِ يَحْيَى المُرْتَضَى
حَتَّى احْتَذاهُ الوَابِلُ الغَرَّاقُ
بَدْرُ الهِدَايَةِ بَيْدَ أَنَّ كَمَالَهُ
لاَ يَعْتَريهِ لِلْمحَاقِ لِحَاقُ
فَوْقَ الكَواكِبِ طُنِّبَتْ أبْياتُهُ
فَلَهُ هُناكَ سُرادِقٌ وَرِوَاقُ
إنْ باتَ لِلرَّحْمَانِ يَعْنُو وَجْهُهُ
فإِلَيْهِ ظَلَّتْ تَخْضَعُ الأَعْنَاقُ
ويصف وردا فيقول :
سَقى اللَّهُ وَرْداً شَاقَنِي زَهْرُهُ الغَضُّ
وَقَدْ لاحَ فِي أَفْنَانِهِ الخُضْرِ يَبْيَضُّ
تَحَلَّى لُجَيْنِيِّ الغَلائِلِ بَعدَما
تأنَّقَ في تَطْرِيزِهِ العَسْجَدُ المَحْضُ
كَما كَرَعَ النَّدْمَانُ في كَأْسِ فِضَّةٍ
بِنادٍ لِخَيْلِ الأُنْسِ أثْنَاءَهُ رَكْضُ
فَأَسْأَرَ مِنْ صَفْرَاءَ صِرْفٍ صُبَابةً
إذَا احْتُسِيَتْ كُلاً فَما لِلأَسَى بَعْضُ
واشتهر ببراعته في الخط العربي المشرقي وكان ماما في الفقه والحديث, بصيراً بالرجال والتاريخ, مُِجيداً في البلاغة والإنشاء فهو كاتب وشاعر ..
واختم بحثي باحدى روائع ابن الابار حيث يقول :
أبى الحَسَن إلا أنْ تَعِزّ وَتَغْلِبا
عَقيلَةُ هذا الحيّ من سِرِّ تَغْلبا
فكيفَ بِفَوْزٍ منْ رَبيبَة فازَة
مَسابِحُها بَيْن الأباطحِ وَالربى
تُظَلّلها خُضْر القَنابِل والقنا
وتَكْلؤُها زُرْقُ الأسِنّة وَالظُّبى
مِن البيضِ حمْراءُ المَطارفِ والحُلى
إذا طَلَعتْ حُلّتْ لطلعَتها الحُبى
تُصَادِر عَما في الصُّدورِ عِصابَة
همُ عَصَبوا قتْلى الصَّبابَة والصِّبا
فتاة يَفوت الوصفُ مُعْجب حُسنِها
فَلا غَرْو أن تُزْهى دَلالاً وتُعْجَبا
أُراعُ لِذِكْراها فأُرْعَدُ خيفَةً
كَما زَعْزَعَتْ غُصْناً بهَبَّتِها الصّبا
وَأبْتاعُ بِالْمَحيْا وناهيكَ صَفقَةً
مُوَفّقَةً ذاك المُحيّا المُحَجّبا
ورُبّ يَدٍ بَيْضَاءَ عِندِي لِلَيْلَةٍ
تَحَمّلتُ فيها الهجْر حوْلاً مُحَسّبا
تَراءَت لَنا وَهْناً إِزاء خَريدَةٍ
تُسايِرُها كالْبَدْرِ قارَنَ كَوْكَبا
وجَازَتْ بِنا مذْعورةً من شِعارِنا
كجَازية بالرّمْلِ تَتْبَعُ رَبْرَبا
وما علِمَتْ أنّا قنائِصُ لَحْظِها
ورُبّ مَهاةٍ تقْنِصُ اللّيث أغْلَبا
فقُلتُ لِصَحبي واثِقاً بحِفاظِهم
بقُرْبِي التَصابي لا تَريمُوهُ مَرْقَبا
وَأقْبَلْتُ أسْتَقري خُطاها مقَبِّلا
مَجَرّاً لِمَوْشِيِّ البُرودِ ومَسْحَبا
وقَد جَعَلَتْ تَشتدُّ نحوَ خِبائها
لِتَخْبَأ نوراً مذْ تلألأَ ما خبَا
كَما أوْمأَتْ بالكفّ أن كُفَّ وانكَفأ
فَسُمْرُ شَباب الحَيِّ ما ضِيةُ الشّبا
فَأبْتُ وقد قَضّيتُ بعْضَ مَآربي
وإن كنتُ من نجوايَ لم أقْضِ مَأْرَبا
إلى اللّهِ أشكو العيرَ لا بل حَداتَها
فَلوْلا هُمُ لم أمتطِ الشوْقَ مَركَبا
ولا استَعذب القلبُ المُعذَّبُ حَتْفَه
وحسبُك تَعذيباً يَرى الحَتْف أعذَبا
بَكَيْتُ عَلى تلك الحَقائبِ حِقبَةً
وحُقَّ لِعَيني أن تَسُحّ وتَسْكُبا
نِزاعاً لِخَوْدٍ أشرِبَ القلبُ حُبّها
فَباتَ عَلى جَمْرِ الغَضا متقلّبا
أرُدُّ بِأرْداني سَوابِقَ عَبْرَتي
ولَو شِئْت لم يفقد بها الرّكبُ مَشربا
وأدْرَؤُها حُمراً كَلوْنِ خِضابِها
بِفَضْلِ رِدائي خائِفاً مُترَقّبا
وما بِيَ إلا أن يَرى الحَيُّ موْضِعي
فَتَسْمَعَ منْ أجْلي مَلاماً ومعْتبا
سَلامٌ على دوْحِ السلامِ فكَمْ لنا
مَقيلاً بِها ما كانَ أَنْدَى وَأَطْيبا
جَميل كَرَيْعانِ الشّبابِ وَجَدْتُني
هنالِك أصبى من جَميلٍ وَأنْسَبا
وللّهِ منها بِالمُحصّب وَقْفَةً
أنافِسُ فيها ما حَييتُ المُحصّبا
عَلَوْتُ الكَثيبَ الفَرْد أرْقب صُنعها
وقَد آنَ تقويضُ القِبابِ وأَكثَبا
فَراحَتْ إلَى نُعْمانَ تنْعَم بِالمُنى
وخَلّت غُرابَ البَين يَنْدُبُ غُرَّبا
وَلا حَظّ إلا نَظرَةٌ تُحْسِبُ الهَوى
وَلو أنْصَفوا ما كانَ ذاكَ مُحَسّبا
تَعَلّلْتُ لَما جاوَز الحَيُّ يعْلَما
وثَرَّبْتُ لمّا جاوزَ الرّكبُ يَثْرِبا
وقَد كانَ من سَمْتي العَقيقُ ومَنْ به
فَعَقّنِيَ الحادي وحاد ونَكّبا
خَلِيلَيَّ أمّا رَبّةُ القلْبِ فارْمُقا
بها القَلْبَ أعْشاراً يَذوبُ تَلَهُّبا
وَإِن مَزّقَتْني شُعْبَةً إثْرَ شُعْبَةٍ
فَما أقْتَفي إلا العَلاقَة مَشْعَبا
لَقَدْ أُحْضِرَت مَوْتِي وَما هِيَ بِالتي
تَعُدّان سَهْواً حَضْرَ مَوْت لها أبا
فإن مِتُّ شَوْقاً أو فَنيتُ صَبَابَةً
خُذا بِدَمي ذاك البَنان المُخضَّب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق