أبحث عن موضوع

السبت، 26 نوفمبر 2016

قراءة نقدية لمجموعة (خاصرة الماء) للشاعرة شذى أسعد.............. بقلم : عباس باني المالكي // العراق


(البعد الدلالي في نصوص متعددة الأصوات )
قراءة نقدية لمجموعة (خاصرة الماء) للشاعرة شذى أسعد



عندما يقترب الهاجس الداخلي من التصور الخيالي للشاعر ، يعطي الشاعر القدرة الاندماجية التركيبة في أيجاد اللغة التي تقارب المؤثرات، التي تنتمي لمناطق تخيله ، والتي وتعطيه زخم جديد للتفاعل مع ما يعيشه الشاعر من مشاعر عميقة ، ما يطلق أحاسيسه عبر انطلاقات تفجر عنده التصور الإدراكي لما يشعره من اختلاق الأزمة الداخلية، التي تعطيه أبعاد تخيلية تواكب هذه الأزمة التي نشأت من تصادم الثابت عند الشاعر وما يحيطه من تنافر ، وهذا يحرك البوح الشعري لمعاناته التي يعيشها اتجاه العالم والحياة .أن قدرة الشاعر على جعل اللغة أداة لتصوره الفكري ضمن ذائقة تشعب الوجدان المدرك لكل الحالات التحسس، الذي يجعله يندمج مع رؤاه وضمن الحدث الباطني ، و يتحول كل هذا إلى أزمة فكرية تصورية ضاغطة ، يحاول من خلالها امتلاك الوعي التعبيري وحسب الثيمات الذات،و من خلالها يبني الامتداد النفسي ضمن نسق الرؤيا المعبرة عن تلك الثيمات وما تسببه من إرهاصات داخل الوجدان . نجد الشاعرة شذى أسعد في مجموعتها (خاصرة الماء) تمتلك القدرة على جعل من رموزها الموحية بالدلالات ضمن المعنى الذي تريد أن تصل إليه دون الابتعاد عن مساحة التعبير الكامنة في هذه الإرهاصات لوجدانية فكرتها ورموزها. والشاعرة هنا استطاعت أن تلبي كل هذه الرموز وفق مساحات لغتها الرؤيوية بنسق فكري واضح بتكثيف معنوي موحي بالفكرة،التي تريد أن تبني عليها اختياراتها ضمن ذائقتها في الحياة ، حيث التناغم مع كل هذه الاختيارات التي تشعر بها، أنها خارج النسق الذاتي لموضعة إحساساتها، وحسب طاقة الرموز المعبرة عن طاقة التعبير في خلق الرموز الموجزة والإشارة إليها ، دون الإخلال ما تعانيه من ابتعاد الواقع حولها ، لعدم تلبيته لإحساساتها الحياتية و جوهرية فكرتها، التي أرادت أن توصلها من خلال حسها الشعري. ونجد الشاعرة ابتعدت عن المجاز الغامض لكي لا تغيب الفكرة لديها، وتصبح رموزها مبطنة بالغموض ، لهذا حاولت أن تحمل هذه الرموز الكثير من الأحياء الموحي بالعميق والفكرة الواضحة لكل ما تريد أن توصلها إلى المتلقي ...
نص الباب ص 10
( أخيط الباب /للخطو مرايا /وحين يدق /توقظني الحكاية ./يقول العابرون /إليك نشكوا/غريب الصوت /أو مر النوايا /فما بال المسافة تعترينا /بأرض بابها /وشم المنايا .. /أخيط الباب /لا بابا أخيط/فكل العابرون هنا ضحايا/يجوبون المسافة أن أرادوا/غريب الصوت /أو مر النوايا ...)
أول ما يميز النصوص في هذه المجموعة هو امتلاك الشاعرة مساحات واسعة من البحث عن المعنى التأويلي المكون للصورة الشعرية من خلال التقاطع بين المعاني من أجل تحقيق الانزياح الكامل لتثبيت المعنى الشعري الصوري .وهي هنا بالرغم من وسع المساحة الشعرية التي تمتد بها في جذب الهاجس الشعري، تبقى محافظة على الروح الشعرية دون أن تسقط في المباشرة والخطابة التي تجعل الزمن الشعر لحظة عقل مدججة بالعاطفة ، . الشاعرة تحاول أن تنحى إلى تحقيق الصورة الرؤيوية ذات الأكثر من بعد، وليس الصورة الحسية التي تجعل المعنى الصوري طافح بالصور الضعيفة، والتي لا تحتمل التأويل الواسع بامتداد المعنى ، أي أنها حافظت على التصاق الدال (الباب) والحركة التي بعده ،ما يمثله الباب من المدلول وفق ذائقة المكان الذي يحدد رسم أبعاد النص،( أخيط الباب ) هو أشارة على غلاقه بشكل كامل ، فلا يأتي شيئا من الخارج بقدر ما تتم الحركة الداخلية ، من أجل تحقيق العزلة التامة عن الخارج ، لأن كل شيء يأتي من الخارج هو صوت غريب وعابر ،ولا يسبب سوى وشم المنايا ، أي أن الخارج هو المدلول،الذي هو انعكاس إلى الدالة التي توحي بسبب خياطة الباب (الغلق التام) لكي لا يؤثر على الداخل ، ( أخيط الباب /للخطو مرايا /وحين يدق /توقظني الحكاية ./يقول العابرون /إليك نشكوا/غريب الصوت /أو مر النوايا /فما بال المسافة تعترينا /بأرض بابها /وشم المنايا ..) أي يجب أن نبي ما في داخلنا دون أن نعتمد على تأثير الخارج لأنه السبب ما يحدث في الحياة التي حولنا ، لأن النوايا الخارجية لا تمثل إلا أصوات غريبة عن الحياة التي نسعى من أجل أن نحققها . ( أخيط الباب /لا بابا أخيط/فكل العابرون هنا ضحايا/يجوبون المسافة أن أرادوا/غريب الصوت /أو مر النوايا ...) وتستمر الشاعرة بتحقق مدلولها من خلال الرمز الذي يقارب الفعل التأويلي الذي يشير إلى تحقيق العزلة التامة عن الخارج ، وهي تحاول أن تستدرج الدالة ممن أجل تحقيق الرمز الموحي بشكل مترابط مع حركة الحياة ،حيث أن خياطة الباب التي هي أشارة ضمنية الموحية إلى عدم التأثر بالخارج ، والاعتماد على البناء الداخلي ، بدل متابعة الخارج الذي لا يحقق سوى مر النوايا .
نص الحرب ص 24
( يا والدي /في الحرب ./تبتاعنا الأمنيات /بدع العناد /عند سواقي الانتظار /تورق كل ليلة /أزاهير ضحكة /غارقة في الدمع / وحمرة الشفاه /المغطاة./حنين اسمر /لعودة الغائب /هناك. /عند سواتر /الموت المبين.. /من قال ؟ /انه سيعود /بأهازيج /نصرنا الموعود . /من قال ؟ /أن في الحرب /خارطة ووجود /وانتصارات /وأشجار /وحب /وورود .. /خدعة أمست غيض /طفلة الأمس /بجناح رفيق حلمها ./هو الأخر مسه /الحرب /وانحنى زمانه /بقارب القيود ../يا والدي /هكذا سأعود /باكية /حافية /خائفة /ترعبها بساطيل /الخيبة . /عند مساكن الورد /وحب جاء مصطف /الحنين ./بطائر موؤد .. /سأنحني يا والدي /وليحتفي قائدنا )
تستمر الشاعرة بتحقيق الدالة التي تشير أن الخارج لا يسبب لنا سوى مر النوايا والحروب، ولا يكون فيها الخاسر إلا الإنسان من أجل أرضاء من هم يتحكمون بالحياة . لذلك بنت دلالتها من خلال النداء لكي تتحكم بمسار المدلول، الذي يؤشر إلى مسيرة الحروب وما تسببه في تصدع الحياة وأمانيها , ويحدث هذا من خلال التداعي الذهني الصوري، الذي يقارب فعل الحياة مع المعنى المخزون داخلها، لكي تحدث الترابط المعنوي الذي يوحي أو يشير إلى ما تسببه الحروب من مآسي ، وما نحاول نحن أن نزرع الأمل بعودة من ذهبوا لهذا الحروب ، لكي لا تنقطع الحياة داخلنا ، وتحاول أن تقارب الفعل ما يحدث في الحروب من خلال الإشارة الدلالية من أقرب رمز إليها (يا والدي) كي تأخذ مساحة عالية من التقرب الذهني المعنوي , تكون جملتها الشعرية مقاربة لهواجسها الذاتية ، كي لا تتحول هذه الجمل إلى جمل تخيلية تداركيه ذهنية موغلة بالخيال غير الحقيقي ، ومن أجل أن تتفرع بالمعنى إلى حد يأخذ مساحة تصورها المتقاربة لحقيقة ما يحدث في الحروب ، والشاعرة بنت جملتها على الجملة العكسية للتصور الدلالي ، لكي تبين حجم المأساة التي تحدث لكن بنسق هزلي، وهذا ما جعلها تعتمد على الجملة الأستعارية الأستدالية العكسية ، وكما تقول ( تورق أزاهير ضاحكة) لكنها تغرق بالدمع أي الإشارة إلى المضحك المبكي ، وتعود مرة أخرى تبني جملتها على جملة السؤاليه (من قال ؟ /أن في الحرب /خارطة ووجود /وانتصارات /وأشجار /وحب /وورود .. ) و كذلك اعتمدت على الأنساق الرؤيوية في البنية نصوصها وعلى الحوارية المتعددة الأصوات (البوليفونية) حيث تبدأ بالصوت الأول (يا ولدي) ويبدأ الصوت الثاني(أنه سيعود) ، وهي اعتمدت على هذا لكي تحافظ على نسيجها الشعري و تطوره حسب المعنى الذي تريد أن توصله إلى القاري ، أي أنها لا تريد أن تباعد بين دلالاتها التأويلية وتثقل جملها بمعاني زائدة التي تبعد النص عن المركز البؤري للنص ، و تبقى هذه الجمل متواصلة مع أنساق المعنى، لهذا تحاول أن تكشف ما تراه اتجاه الحروب وأسبابها، فكل الحروب هي خدعة ولا تحدث إلا من أجل أرضاء قادة البلدان ، وكل هذا لا يؤدي إلا إلى الخيبة وقتل الأحلام وقتل الطفولة ، وقد يستقبل العائدين من هذه الحروب كمنتصرين بالأهازيج ، ولكن كل هذا لا يحقق وجود الإنسان بل العكس يؤدي إلى دماره وقتل حتى الأحلام وطفولتها ( يا والدي /في الحرب ./تبتاعنا الأمنيات /بدع العناد /عند سواقي الانتظار /تورق كل ليلة /أزاهير ضحكة /غارقة في الدمع / وحمرة الشفاه /المغطاة./حنين اسمر /لعودة الغائب /هناك. /عند سواتر /الموت المبين.. /من قال ؟ /انه سيعود /بأهازيج /نصرنا الموعود . /من قال ؟ /أن في الحرب /خارطة ووجود /وانتصارات /وأشجار /وحب /وورود .. /خدعة أمست غيض /طفلة الأمس /بجناح رفيق حلمها ./هو الأخر مسه /الحرب)، وتبدأ بالصوت الثالث (وانحنى زمانه) ومن أجل أن تقارب هذه الأصوات المتعددة التي حققت التقارب في المعنى الذي يشير إلى ما تحدثه الحروب من بكاء وخوف وخيبة (وانحنى زمانه /بقارب القيود ../يا والدي /هكذا سأعود /باكية /حافية /خائفة /ترعبها بساطيل /الخيبة . /عند مساكن الورد /وحب جاء مصطف /الحنين ./بطائر موؤد .. /سأنحني يا والدي /وليحتفي قائدنا ) وهذا ما خلق تموج الصوت اللساني داخل النص الواحد وحقق التأويل المعنوي اتجاه البؤرة المركزية الواحدة داخل النص من خلال الاستنطاق الدلالي بواسطة الاستعارة الأنزياحية ...
نص الوطن ص 40
(اي خرافة انت /اي جنون /اي انتصارات /اي مساكن ورد/اي اشراقة /اي حضارة /اي ذاكرة عرجاء /اي امل يحتمي /خلف التلال /اي انشودة للحياة /او للموت /اي احلام مؤجلة /اي ضفيرة تناثرت /امام مساجد /للموت المبين /اي مقدس /اي وطن انت /تبتاعنا /قائد اعمى /وساسة من /خراب ...)
هنا حققت الانزياح بالفعل التأويلي و ضمن مساحتها في ترميز الكثير من الأحداث، التي لا يمكن أن نراها إلا ذا قلبنا نتيجتها .كي يعيش المتلقي داخل الحدث وبعمق دون أن يطفو على السطح في إحداث التأويل داخل مرادفات اللغة، فهي تخضع اللغة إلى أنساقها الشعرية وبالرغم من الحدث المشهدي الذي تريد أن توصفه وحسب طاقتها التخيلية في ذهنية فكرة النص ، ولكي لا تصعد إلى الـتأويل المبهم ، لهذا تحاول أن تنفي أي ايجابية في ما يحدث حولها (أي خرافة أنت /أي جنون /أي انتصارات /أي مساكن ورد/أي اشراقة /أي حضارة /أي ذاكرة عرجاء /أي أمل يحتمي /خلف التلال /أي أنشودة للحياة ) فكل شيء يتحول إلى عكس ما تريد أن تراه ، وكل شيء يتحول إلى خارج المنطق والحياة ، وكل ما يحدث هي أوهام أو خرافة ، لأن تزيف كل شيء عكس حقيقته لا يعطي إلا الفكر والذاكرة العرجاء، وحتى الآمال تكون ضبابة أو محجوبة خلاف تلال لا أمل فيها ، تموت فيها كل شيء ، لأن طرح الحقيقة المزيفة لا يؤدي إلا إلى الموت (او للموت /اي احلام مؤجلة /اي ضفيرة تناثرت /امام مساجد /للموت المبين /اي مقدس /اي وطن انت /تبتاعنا /قائد اعمى /وساسة من /خراب ...) لهذا علينا أن نواجه هذا الزيف الذي يدعي المقدس ، وماذا يعني المقدس والأشلاء والضفائر تتناثر حتى أمام المساجد ، كما أن تمسكنها بالمقدس ما هو إلا أشارة على ضياع الإنسان موته في وطن ، وقد حدث كل هذا بسبب الساسة العميان الذين لا يرون في الوطن إلا مصالحهم ولا يفكرون بما يحدث لشعبهم من ضياع وقتل بحجة المقدس ، لأنهم يستغلون كل شيء وبأي حجة من أجل تحقيق مصالحهم ورغباتهم الشخصية ، وهذا ما أدى إلى خراب هذا الوطن ،وحتى الأحلام أصبحت مؤجلة لأن كل شيء في الوطن مدمر ويسير إلى الخراب ، ولا نعرف متى ينتهي كل هذا ، والشاعرة استطاعت هنا أن تحقق فعل الإشارة المعنوية ، لكي توجد أكبر مساحة من النقد لأوضاع الوطن وما يحدث فيه من خراب ...
نص ليلى ص103
(في كل عام /نخبر ليلى /بانا قناديل /زهر تدلى /ونحن /سلاطين هذا الزمان .../في كل عام / نصوم جياعا /وندعي / زهد الحياة /ونحيا . /تراتيل خوف /يهز الخيام ... /في كل عام /نبيع المصلى /نبيع الانام /وننحر ليلى /ليحيا النظام ... )
الشاعرة في نصها هذا نجد التقارب الذهني المدرك لكل المرئيات البصرية المعكوسة في تحقيق التقارب في المعنى ،من خلال فعل هزلية المعنى الذي يؤدي إلى الدلالة من خلال التوصيف الحالة لمشهدية الظرف ، أي الارتقاء بالمعنى لتبين مقدار الهبوط في كل العلاقات التي نعيشها ونراها ، وكل عام نحن نتمسك وندعي أننا نعيش الحقيقة لكننا لا نمتلكها ، ولا نعيش إلا الزيف والكذب على أنفسنا ،فندعي أننا نصوم جياعا وندعي الزهد ، لكننا لا نعيش إلا الخوف لأن مصيرنا مجهول ((في كل عام /نخبر ليلى /بانا قناديل /زهر تدلى /ونحن /سلاطين هذا الزمان .../في كل عام /نصوم جياعا /وندعي / زهد الحياة /ونحيا /تراتيل خوف /يهز الخيام ....) لكننا نبيع كل شيء وحتى المصلى ، ونقتل كل الأحلام من أجل أن يحيا النظام لأن هذا النظام لا يحقق طموح الشعب ، ولا يحقق إلا مصالح الساسة الذين يقودون البلد ، وهؤلاء ما هم إلا دمار الوطن وضياعه (في كل عام /نبيع المصلى /نبيع الانام /وننحر ليلى /ليحيا النظام ... )
الشاعرة في نصوصها اعتمدت على الظروف الموضوعية ، لكي تحقق أكبر أشارة إلى الأوضاع الخارجية التي تسبب الحروب والدمار، وقدا تمسكت ببعدها الدلالي في مركز البؤرة النصية بفعل الإشارة التأويلية وبخط تصاعدي، الذي يحمل التأويل المد البصري والمعرفي والدلالي ،وهذا ما حقق في نصوص هذه المجموعة الوحدة العضوية ، لأنها بقيت تسعى إلى البعد الدلالي في تعدد الأصوات ، التي تتمركز حول رؤاها في كشف الأشياء ومسمياتها الحقيقة دون أن تدخل في الخطاب الشعري الخال من الإيقاع الصوتي ، وهذا ما سبب تعدد الأصوات عندها، وفق تغير زاوية الدالة التي تريد أن تحققها من خلال نصها ، وهذا ما جعل هذا الأصوات تستند على التوحد البؤري ، لكي لا ينفلت الصوت من معناه ويعطي فقط أشارة لسانية الخالية من الإشارة السيميائية الصورية والممتدة بالإيقاع الصوتي إلى تحقيق الدالة في المعنى .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق