أبحث عن موضوع

الخميس، 30 يونيو 2016

سيدة المسرح ( قصة قصيرة )................ بقلم : كاظم مجبل الخطيب // العراق



الأماكن التي نحبّها لا تمحى تفاصيلها من ذاكرتنا ،نعم تستطيع أقدارنا ان تنقل اجسادنا بعيداً ولكن ارواحنا تبقى تطوف حول ما تركناه ربما مجبرين ولكن ما يؤلم ان نغادرها مختارين لظروف قاهرة فوق تحمّلنا ،بينما الحنين اليها مهما ابتعدنا يستحيل الى شوق يتوقد مع الزمن ،نبكي عليها ،نناجيها وهي لا تسمعنا لكي تواسينا بالرد علينا ،وترانا لا سبيل لدينا لاستمرار حياتنا غير مجالسة لياليها الغابرة فهي نديمنا ومؤنسنا حين تستوحش دنيانا ،لا يهمّ كم أمضينا من عمر
نا لأجلها ،هي عزاؤنا حين تتفاقم بلوانا .الوقت ليلاً والمكان مسرح لم يبقَ من جمهوره غير امرأةٍ غادرت المكان قبل عشرين عاماً حين كان الناظرون يرقصون طربأً على تموّج خصرها الضامر وقد تهادى على جسدها الأبيض شعرها اسوداً مسدولاً على كتفيها لتبلغَ شهرةً ما بلغتها وهي راقصة كما وهي ممثلة ،صارت تخبئ تحت شالها الأزرق ذكريات مجدها الذي لا تنساهُ وهي تمرُّ بأصابعها على مساحات رأسها المتصحّر بعد تساقط شعرها ليأخذَ معهُ الدنيا بكلّ امنياتها ،
ذات مساء وقبل بدء العرض استأذنتْ الحاضرين لتقديم مشهد تمثيلي (مينودراما)،راح الجالسون ينصتون لنبرات صوتها الرخيمة التي ما بدّلتها السنين:
-لمن تحبّ لا تفكّرْ كم أعطيت ولا تنتظرْ منهُ مقابلاً ما دام مستحقّاً للعطاء فما قدر شعر رأسي وقد احترقت خصلاتهُ هنا ولابأس لو متُّ لأجل من أحببت ،هنا صارت دموعها تملأُ خديها وسط صمت رهيب وانصاتٍ شديد كسرهُ صوت اطلاق النار من مسدس بيدها مخترقاً رأسها، الجمهور راح يصفّقُ ل ليلى بحرارة لم تسمعها سابقاً وهي تؤدي مشهدها المسرحي بطريقة مذهلة لكن الدماء غطّتْ رأسها وكأنّهُ امسى بديلاً لشعرها الجميل،
احد الجالسين راح يهمسُ لصاحبهِ:
-أيّةُ قدرةٍ على التمثيل هذه وكأنًّ صوت الرصاص خرج من اطلاقة حقيقيةٍ، هي حقّاً سيدة المسرح.
..................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق