أبحث عن موضوع

الخميس، 3 مارس 2016

المجموعة الشعرية ( خارطة الريح ) للشاعر عصام كاظم جري .............. بقلم : عباس باني المالكي // العراق



لا يمكن أحداث أي تغيير حقيقي في أي مجتمع إلا بالثورة الحقيقية


حين نرى الحقيقة وفق نسق الأيمان بها، تتكون الرؤيا لدينا كنبوءة المكاشفة لحركة الحياة الجوهرية، ومقدار تطورها باتجاه الحلم الذي ننشده، فتكون هذه الرؤيا متسعة بأتساع الواقع المعرفي لشخصنة الأشياء حولنا، ومن أجل عدم بناء الأنساق الخاصة بنا وفق سكون هذه الأشياء وتوقفها من عنصر الحياة التي تمر بنا كمركز الى الزمنكانية المترتبة على حدودية هذا الحياة التي ننتمي إليها، نجد الشاعر عصام كاظم جري في مجموعته (خارطة الريح) والصادرة من اتحاد الكتاب والأدباء العراقيين في ميسان، قد أستطاع أن يجنب ذاته التأثير الفوقي لهذا الواقع والذي يشعر بافتراسه لأحلامه، وما يريد أن يراه في الحياة من تطور حقيقي في إنسانية الوجود حوله، من أجل أن يبقى بعيدا عن حصارات هذا الواقع وعدم الوقوع ضمن دائرته محاولا أن يعطي لكل هذه الأشياء الرمز الخاص ضمن الذائقة الإنسانية، ويجعل من هذا الرمز كعنصر اشتباك لكي يتم فضح القوى التي تسعى للسيطرة على مسارات الحياة المحددة لهذه الأشياء، دون إدراكها للمعنى الحقيقي لقيمة الإنسان. نجد الشاعر عصام كاظم يكشف كل هذا ويعطيه حتمية التغيير وفق الرموز التي يعطيها لهذا التغيير، ويحدث هذا من خلال الارتقاء بطموحات الحركة الفعلية لظواهر هذه الحياة، ويسلط الضوء عليها من خلال التجاذب الفكري والمعرفي مع هذه الأنساق، لكي يسعى من خلال رؤاه التي تعطي قيمة المكاشفة للحركة الخفية والمسيطرة على حدودية هذه الأشياء، من أجل أعادة صياغتها من جديد وكأنه الشاهد على عصره .
في المقطع التالي ص5 من نص غواية
(أولئك / أصحاب الأصوات العالية / يلعنون بأصابعه /خرس العزلة / لن أمارس الغواية مع الأدغال / آثمون/ يشخرون في بروج من المصابيح الذهبية /يشربون لمعان الدم / أنهم فوضويون على مر المروج / يخطفون القناطر من الماء / ويرمون العلب الفارغة / كبقايا من البشر )
والشاعر هنا يتدرج في أحداث المكاشفة إزاء الأزمة التي تجعل الواقع رهن المسميات التي تطلقها الأصوات العالية، ليحدد من هولاء الذين يعيشون الفوقية في تحريك الواقع اتجاه المتاهة،و يعيشون العزلة ضمن ذائقتهم ولا يسعون إلا إلى تحقيق ما يريدون الوصول إليه أي لا يسعون نحو انفتاح الواقع من أجل التحقيق المساحة الكبيرة من أجل الآخرين، لأنهم أصلا لا يمارسون إلا الغاوية في مصالحهم الخاصة الدفينة داخلهم (أولئك / أصحاب الأصوات العالية / يلعنون بأصابعه /خرس العزلة / لن أمارس الغواية مع الأدغال) والأدغال هنا أعطاها الشاعر كإشارة الى الجانب الخفي عن حركة الحياة التي يعيشونها وبشكل واضح لمساراتهم الحقيقة، والشاعر أستطاع أن يوظف هذا المعنى لكي يؤكد على مجهولية انتمائهم وتشعبها. لأنهم يظهرون غير ما في داخلهم من آثام وغاوية و التي يتحركون ضمنها، و يظهرون عكس ما في داخلهم، لأنهم عاجزون عن فعل أي شيء إلا ما يحقق مصالحهم الذاتية وما يظهرون هو مجرد أضواء فارغة من الحقيقة، فهم برغماتيون في فكرهم، و أنهم في الداخل يمارسون القتل من أجل الوصول لغايتهم، ومحدودون بالاختيار المنبثق من خفاياهم الآثمة وفي نفس الوقت يشخرون في بروج المصابيح الذهبية، أي أنهم يتباهون لكي يسلط عليهم الضوء وهم في الحقيقة لا يمتلكون الصوت الحقيقي في الحياة , لأنهم مجرد حشرجة فارغة لا أساس لها من الجوهر الحي الذي يربطهم الى الحقيقة التي يظهرونها عكس ما بداخلهم، والشاعر أستطاع أن يعطي الى الرموز رؤية فكرة التناص الذهني في خلق الصورة الموحية لمعاني الفكر الذي يوسع في امتداد الصورة السيميائية، ومن خلال التقارب اللغوي في الرمز الموحي لما يريد أن يشير إليه ومن خلال الإشارة الى الرمز الواضح في منهجية الكلمة في الجملة الشعرية، حيث أن الشاعر هنا يتصاعد في جذب المعنى لكي يؤكد على فوضوية هولاء وعدم امتلاكهم الأيمان الحقيقي، فهم يرمون البشر كالعلب الفارغة،والذي حدث أن الشاعر يتحرك ضمن الفكرة المكونة للرؤيا المتماسكة، لكي لا تغرق لديه المسميات الرمزية خارج نطاق استنطاق ما تؤول إليه هذه الرموز الموحية بالصورة الشعرية البصرية ...
في نص عندما نتبوأ خارطة الريح ص8
( في ظلمة الجدران أتسعت حروبنا / ولكي نشير بأصابعنا / علينا أن نشرب العاصفة / ونتبوأ خارطة الريح /عندما ننتظر محرابك / دعنا ننزف صمت هديرنا / ونملأ الأشواط التي تغوص في الأدغال عطرا جديدا )
يأتي هنا الشاعر ليؤكد على الجانب الخفي من الصراع الذي يدور حوله، الى حد أصبحت ظلمة الجدران لا تسع إلا الحروب من أجل الحراك الذي يؤدي الى تغيير هذه الانهزامية في الواقع المتجه نحو المتاهة. وهذا يتطلب أن نحدد أو نشير هذا الاختيار بالتغيير الحقيقي ونحدده كي نحدث الثورة الحقيقة من أجل التغيير الصميمي في الواقع، وليس التغيير الفوقي الذي لا يلبي أي حاجة من حاجات هذا الواقع. الشاعر هنا أستدرج الرمز لكي يمتد وفق معطيات نسق الفكرة الرمزية الموحية بأحداث حدود هذا لتغيير حيث أن الرمز الذي أستخدمه الشاعر هو رمز موصل بالرؤيا الموحية بالإشارة الذهنية لتركيب المعنى الذي يمتد ضمن هذه الرؤيا، التي تصعد من فكرة الإيحاء والذي بدوره يحدد صياغة الجملة الشعرية الصورية. أي أن الشاعر أعتمد على الصورة الذهنية لكي لا تغرق رموزه بالغموض، وتكون خارج ذائقة المتلقي. فنجد في نهاية هذه الجمل في هذه المقطع من النص ( حروبنا / بأصابعنا / العاصفة / الريح / محرابك / هديرنا / عطر جديدا ) فبعد أن نشير بأصابعنا محددين ما يحدث في الواقع من تغيير، تأتي العاصفة أو الثورة من أجل أحداث التغيير الحقيقي، لأن دون هذه العاصفة لا تأتي رياح التغيير، الذي يحدث من هدير رغبتنا بالتغيير، فيولد عطر جديد، والشاعر يستمر بالفكرة من أجل الاستمرار في بناء معمار الجملة الشعرية وفق الجمل المتماسكة المتسلسلة في الصور الذهنية، لكي لا تتبعثر الرؤيا لدية وتخرج خارج المعنى الذي يريد أن يصل إليه وفق ذائقة المراقبة اللغوية، التي تعطي المعنى لهذا التسلسل الموحي في اللغة الصورية.
في نص لا معنى لأعشاشك المباحة ص16
(أقول/للهدوء الذي يحرس الظلمة / من المتاهة / بأصابع من شخير / للراحلين / وهم يهذون بأسمائنا التي تعج بالشجن / ولذوي الزمن المعطوب / سأعتصم )
في هذا المقطع يأتي الشاعر ليؤكد كل ما قاله من النصوص السابقة في المجموعة، لأنه في هذا المقطع يحمل التأكيد الفعلي في لفظ الجملة التأكيدية في كلمة( أقول ) وهو يريد من هذا القول أن يؤكد كل ما أعطاه وأشره سابقا، لكي يتم نضج الفكرة المكونة لأغلب نصوص المجموعة، بأن التغيير حين يحدث فيجب أن يحدث وفق التغيير الحقيقي الذي يعطي الى الواقع حوله سمات الخلق على منهجية المجتمع الكامل وليس محصورا ضمن أشخاص، ومن خلال شخصنة هذه التغير على عدد محدود،لكي لا يتحول كل شيء الى الظلمة الغارقة بالمتاهة، فالرغبة بهذا التغيير والوصول إليه قد حدث بسبب من ضحوا من أجله، الشاعر هنا يحدد أتساع المساحة في تكوين الرؤيا لدية، ليشمل الزمنين زمن التضحية الموصل لزمن الحضور الآني من خلال مزجه أزمنة الفكرة الذهنية لدية وفق تنقل الرمز ضمن أتساع هذه الأزمنة، وبهذا أستطاع أن يحقق مشهدية الفكرة الموجزة بالرمز الحي الذي يتحرك ليعطي الإشارة بالمعنى المترتب على المكنونالنسقي في الجمل الشعرية، وهو يريد أن يقول أن الصمت أو الهدوء لا يفعل شيء سوى أن يحرس الظلمة والتي تؤدي الى المتاهة، وعندها ليس هناك فائدة من تضحية الآخرين من أجل الوصول لهذا التغيير، لأن الذين ضحوا مازالوا ينشدون أو يهذون بأسمائنا، ولكي نذكرهم بتضحياتهم، وهنا الجملة اعتراضية معكوسة من خلال عكس الفهم في أدراك حجم التضحيات الكثيرة التي قدمت من أجل هذا التغيير، لأن من المفروض نحن من نذكر تضحياتهم وليس من رحل (للهدوء الذي يحرس الظلمة / من المتاهة / بأصابع من شخير / للراحلين / وهم يهذون بأسمائنا التي تعج بالشجن )لأن لا يمكن أن يكون الزمن معطوب بعدم تذكر كل ما قدموه,ونجد هنا ما بين أول كلمة في هذا المقطع ( أقول ) وأخره ( سأعتصم )
تمتد ما بين الكلمتين من التأكيد الى التأكيد، لأن في البداية قال كشاهد على حضور زمن التضحية وفي نهاية المقاطع أكد بأنه سيعتصم لو لم يتم تذكر تضحية من ضحى من أجل كل هذا ...أي أن الشاعر أستطاع أن يوسع من الرؤيا لكي يوسع من صورة الفكرة المكونة للجمل الشعرية لدية .
وفي نص ومضات ص 48
(الشوارع / ملل الدخان / والعالم مقهى لا بيوت / ولا حاجة لزنزانة من مراياها / فالحقائب جثة / يحرسها المهاجرون )
يعود الشاعر يؤكد أن كل شيء في الواقع أصبح يشير الى الملل، الى حد تحولت المقاهي من حالة هروب من الشوارع، الى أن صارت هذه المقاهي هي حالة الاستقرار في المجتمع الى حد صارت هي البيوت ((الشوارع / ملل الدخان / والعالم مقهى لا بيوت )والشاعر هنا يريد أن يؤكد فوضوية الحياة حوله بحيث ليس هناك حاجة لنرى الأشياء وفق المرايا، لأن كل شيء أصبح ميت غير متحرك باتجاه الحلم الذي يريد أن يراه. فالهجرة لم تعد تنفع والحقائب أصبحت جثة يحرسها المهاجرون، كما لا حاجة الى زنزانة من المرايا لكي نرى كل شيء من جميع الزوايا بل أن كل شيء واضح. والشاعر يريد أن يشير بأن الأحلام لا يمكن أن تتحقق بالهجرة، لأن كل شيء سوف نحمله معنا، فالانكسار والملل حدث داخل ذاتنا فلا يمكن أن نصحح الأشياء بالابتعاد عنها، بل بالمواجهة من أجل أعادة بنائها. لأن الهجرة تجعلنا نخسر المواجهة مع ذاتنا وتتحول حتى حقائبنا الى جثث (ولا حاجة لزنزانة من مراياها / فالحقائب جثة / يحرسها المهاجرون ) لأننا نفقد الحياة بهروبنا وهجرتنا بعيد عن مللنا داخل ذاتنا .. .
الشاعر هنا يرتقي بالمفردة اللغوية لكي يعيد صياغة الدالة التي تركب الجملة الشعرية، وفق التناظر ما بين هذه الدلالة والإدراك البستمولوجي، الذي يعطي لهذا التناظر للجملة الشعرية الإيجاز والتكثيف في الرؤيا.الشاعر لا يعتمد في هذا على التخيل لكي يشبع الرمز أبعادا متقاربة من فكرة النص لدية، بل يحاول أن يصور الواقع المعاش الذي يقربه من وجودية الرؤيا في كل الأحداث حوله. ونجد هذا من خلال المفردات التي تشير الى الدلالات المعنوية (الشوارع , الدخان , لا بيوت , مراياها , جثة , المهاجرون ) فهو يحاول أن يبتعد عن إسقاط الرمز في الالتباس أو ارتجاج الرؤيا وامتدادها في منطقة الغموض عندما يصوغ الجملة الشعرية. مع أنه يصر على التكثيف الموحي وفق الترابط في الدلالات عند تشخيص الفكرة التي يريد أن يوصلها الى القارئ. لأنه يشعر أن اللغة لا يمكن أن تؤشر منطقة التواصل مع الواقع إلا من خلال الدالة المؤشرة و الموحية لهذا الواقع وكما أشار إليها في مفرداته هنا، وهذا بالطبع يؤدي الى الوحدة العضوية في أيجاد المفردة ضمن الجملته الشعرية، حيث تمثل له الاستعارة الموحية و المتطابقة مسلك التواصل مع هذا الواقع، ليس من خلال التخيل بل من خلال التصوير الذهني في أيجاد اللقطة المعبرة عن المفردة في مشهدية النص المفتوح على الواقع ....
في نص عنقاء دون رماد ص 52
(هذا البياض أحلامي / ويوم تنفس رائحة الورد / ذبلت تلكم الأحلام / واصفر عود عريشها / لا أماكن نقطنها / ولا يقظة لأحلامنا )
وبعد أن حدد منطقة التجاذب الرؤيوي خارج ذاته، من خلال الإشارة الى الواقع حوله وتحديد ما موجود في هذا الواقع من فوضى وتغيير لا يوصل الى الأحلام،الى حد صار هذا الواقع لا يشير إلا الى الملل بفوضوية المقاهي ودخانها المعتم في ذاتنا ، يرجع هنا ويؤشر أحلامه لكي يبين سبب عدم تطابقه مع هذا الواقع. فهذه أحلامه البيضاء والتي تتنفس رائحة الورد وهذه أشارة الى أن الأحلام، التي تكونت لدية من خلال تنفس رائحة جمالية الواقع المزدهر بكل شيء يوحي الى الجمال والبياض في أحلامه الذاتيه (هذا البياض أحلامي / ويوم تنفس رائحة الورد / ذبلت تلكم الأحلام )هكذا وجدت ولكن هذه الأحلام ذبلت وأصفر عود عريشها بسبب تدهور الواقع حوله، فلم يعد يرى ما كان يحلم به بل أصبح هذا الواقع كما أشره في نصوصه السابقة (واصفر عود عريشها / لا أماكن نقطنها / ولا يقظة لأحلامنا ) كما لا يمكن أن نتخلى عن أحلامنا بسبب هذا الواقع، لأننا متشبثون بها فلا أماكن نقطنها خارج هذه الأحلام. وهذه دلالة على عدم التفكير أو المحاولة للتخلي أو تغيير أحلامنا بسبب صعوبة التغيير وأستحالته. ويستمر الشاعر فاضحا الواقع حوله، وفي نفس الوقت مبينا أسباب الإحباط الذي يعيشه من الداخل بسبب ما يوجد في هذا الواقع . أي أن الشاعر بقدر ما يبني خطابه الشعري وفق التجاور الدلالي الإدراكي في تركيب جميع نصوصه، ظل مترابطا مع ثيمة التناص الرؤيوي، بحيث نشعر التدرج بإنضاج الرؤيا لكي يحقق البعد الرمزي والدلالي في جميع نصوصه ...
في نص اضاءة ص 89
(انجدوا / الربيع من شيخوخة الجفاف / أنجدوا النخيل / فالصحراء / لا تضيء أحلامنا / الصحراء تلف أرواحنا / بالقلق / أنجدوا أيامنا / ولو بنخلة من كذب )
بعد أن يؤشر الشاعر عصام كاظم الواقع الذي يحتاج الى تغيير جذري بسبب ما فيه من خراب وإحباط في أن يرى أحلامه فيه، وبعد أن يحدد السبب المحوري والجوهري الذي يجعله يتصادم مع هذا الواقع مطالبا التغيير الجذري من أجل الوصول الى أحلامه البيضاء في الحياة، نجده هنا قد يئس من كل حالات التغيير، فيعود يطلب و بأضعف الأيمان و بأقل المطالب البسيطة، وقد حدث هذا بعد أن أخذه اليأس في رؤية التغير لهذا تحولت الثورة لدية الى رجاء من أجل حدوث التغير في الموجودات حوله لأن كل شيء ذاهب الى الشيخوخة والجفاف فلم يعد يرى الخضرة والأمل وحتى النخيل الذي هو رمز لخضرة ارضه تحول الى حطب بسبب هذا الجفاف (انجدوا / الربيع من شيخوخة الجفاف / أنجدوا النخيل) والشاعر هنا قد أعطي الرمز المتحقق من خلال الجملة الأنزياحية، لكي تمتد شمولية المعنى الى كل التكوينات النفسية داخل النص، ويعيدها الى الأشياء التي ترمز الى الحياة الدافقة بالتغيير الجميل والمتناظر مع الربيع خارج الشيخوخة والجفاف، لكي يحقق السببية في تكوين الفكرة لديه حول ما يحدث في داخله من وصوله الى حالة اليأس و القنوط. لم يعد يرى أحلامه وأضاءتها في حياته لأن كل شيء تحول الى صحراء، حتى داخل ذاكرته المنساقة الى التطلع في الحياة الجميلة. وقد ألتفت الصحراء حول روحه وأحلامه وهذا دعاه الى القلق من المصير المحتم المتنافر مع ما يريد أن يصل إليه، لأنه عجز أن يجد أي تغيير يتحقق حتى ولو بالكذب وهذا قمة اليأس والوجع الإنساني داخله. فأيامه أخذت تتحول الى القلق والذي يحفر فيها كل هذه المواجع. فالفعل الانساني في الحضور لم يعد موجودا والتغيير لم يحدث، لهذا يتجه الى المطالبة بأن ينجدوا النخيل من الجفاف حتى ولو بالكذب (فالصحراء / لا تضيء أحلامنا / الصحراء تلف أرواحنا / بالقلق / أنجدوا أيامنا / ولو بنخلة من كذب ) ص 89 وهنا تحولت الرؤيا عنده الى حضور لساني لكي يوفق بين الوعي الذاتي وقصور تغيير الأشياء الذي ينشده وبهذا يحافظ على طرق التأويل الدلالي في جملته الشعرية ....
في نص متاهات جديدة ص96
(أنا أسف لن ألبس مراياك / ابتداء من وجهي الذي رسمته الحروب / وداعا لثوب أيمانك / لمساء أحزانك )
بعد أن يئس من التغيير و الوصول إليه بسبب عدم القدرة على أحداث التحول الى ما يريد أن يراه، أخذ الشاعر بالمحافظة على التأويل الدلالي ضمن أنساق المعنى الذي أشار إليه في الواقع البعيد عن التغيير، فبعد أن أشر الخراب في الواقع، وبعد مطالبته بالتغيير لكي يصل الى الزمن الإنساني الحقيقي ولكن يئس من الوصول الى هذا الزمن، أتجه الى داخل ذاته محاولا رفض كل ما يحدث، وكذلك لكي يبعد ذاته عن الإخفاق
واليأس بأن لا تغيير يحدث، أخذ يرفض كل القناعات التي تريد أن تقنعه بأن ما موجود هو الوجود الحقيقي في الحياة وليس ما هو يريده، فهو لا يريد أن يرى الانعكاسات التي تحدث ولا يريد أن يرى وجوه الحرب التي سببت كل هذا الخراب المستعصي والذي يؤدي الى المتاهات والفوضى في الحياة، فبدأ يطرق أبواب ذاته وكأنه ينشد العزلة الإنسانية حفاظا على روحه و أحلامه من الانهيار. لهذا أخد يتأسف لكل من يريد تغيير أيمانه الحقيقي والذي يمثل أيمان الإنسانية الشامله. لأنه لا يريد شيئا من هذا الأيمان إلا أن يرى الحياة خضراء مزدهرة بألوانها الإنسانية، يحاول الشاعر أن يبعد ذاته عن الأيمان المزيف والذي لا يؤدي إلا الى مساء الأحزان، لأنه يبعده عن الأيمان الحقيقي في الحياة المنشودة والتي يؤمن بها ((أنا أسف لن ألبس مراياك / ابتداء من وجهي الذي رسمته الحروب / وداعا لثوب أيمانك / لمساء أحزانك ) والشاعر عصام كاظم بقى مرتبطا بعنوان المجموعة الشعرية ( خارطة الريح) من خلال الإنضاج الفكري للصور الذهنية الرمزية، لأنه قد حقق مرئيات هذه الصور من خلال الإمساك بالفعل الرؤيوي في مسالك اللغة. فهو يؤشر الأحداث ومن ثم يعيد ترتيبها وفق أنساق الرموز الموحية التي يعيد ترتيب نسقها ضمن الجملة الشعرية، مستفيدا من الاستعارة المركبة من تناظر رموز الوعي الذاتي مع ما يؤشره الواقع من حركة الحياة في الزمن والمكان المتغيرين، فهو لا يقحم رؤيته على الواقع، بل يعيد انبعاثها من الواقع قدر مطابقتها مع رموزه الذاتيه في دائرة اللاوعي لديه، فجملته الشعرية هي امتداد الوعي عنده مع متغيرات حركة الواقع وأسراره، لهذا تكون حامله للكثير من التأويل الدلالي لعمق رموزه في أيجاد الدلالة الموحية بهذه الرموز .
المجموعة قد تدرجت في كشف الواقع والفوضى فيه التي تؤدي الى المتاهة بسبب أولئك الذين لا يسعون إلا الى مصالحهم الذاتيه، ويعيشون عكس ما في داخلهم، فيؤدي هذا الى اليأس من كل التغيير ما يجعله مستسلما يائسا في أي تغيير يحدث،ولكنه لا يفقد الأمل كليا فيطالب حتى بالتغيير البسيط ولكن حتى هذا لا يحدث ما يجعله يتشبث بقناعته والأيمان بها رافضا كل هذه الفوضى والزيف حوله منتظرا أن تكون للريح خارطة لكي يحدث التغيير المنشود والحقيقي في وطنه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق