أبحث عن موضوع

الجمعة، 18 مارس 2016

. هيام ( قصة قصيرة ) .................. بقلم : كاظم مجبل الخطيب // العراق




في زمنٍ عصيبٍ من أعوام القرن الماضي ،حيث الساكنون يحسبون جدران منازلهم لها آذان تسمع همس حديثهم ،فالمخبرون السرّيون يملؤون الازقة والخوف هاجسٌ في النفوس تمكّن من العائلة الواحدة ،الناس في حذرٍ وكل مكانٍ مزدحمٍ هو بيئة خصبة لانتشار رجال الامن حتى انعدمت الثقة بين الأصدقاء والاخوة أيضا لتصل الى فقدانها حتى بين الزوجين .المجتمع يعيش عسكرةً بكل تفاصيلها والدولة معبّأةٌ بنظرية المؤامرة .
ماجد بعد تخرّجهِ من كلية الهندسة الكهربائية يلتحق بالخدمة العسكرية ليصبح ضابطاً مجنّداً برتبة ملازم ، يتمُّ اختيارهُ للعمل في المخابرات بحسب المواصفات التي تبحث عنها الدائرة ،ربما في ذلك الزمن كان الكثير يسعى لعمل كهذا متعدد الامتيازات كالايفادات والمخصصات العالية والمنح والمكافآت وقطع الأراضي والسيارات وغيرها الكثير ،وعلى ماجد التكتّم على عملهِ وعدم البوح بسرّهِ لأقرب الناس .تتجمّل الدنيا في عيون ماجد الشاب الطموح وهي تقبل عليهِ وهو الان يسكن داراً مؤثّثاً وسيارة حديثة ورصيدا لا باس بهِ فلم يبقَ على اكتمال حياتهِ غير مجيء هيام وهي حبيبتهُ التي اثمرت علاقتهما لخمسة أعوام على اتفاقهما على الزواج ،بعدما نضجت المرأة في داخلها بعمرٍ اقترب من الخامس والعشرين عاما وقد وجدت نفسها في تدريس الرياضيات بعد حصولها على البكالوريوس، يختصر الجمال في حضورها وتخرس الكلمات في وصف ملامحها البيضاء بهالة شعرها الاسود الذي انتصف ظهرها ملامساً خصرها الدقيق الجالس على جسدٍ رشيق حاملاً نهدين مكتنزين بالشموخ ،وحين تهطل ُ خصلات شعرها على عينيها السوداوين فكأنّما يخبئ الفتنة والاثارة عن الناظرين اليها ،وكانت هيام تكتفي بالابتسامة لتؤسر الاخرين ففي ضحكتها تتجلى انغام صوتها الرخيم لتوقد ناراً في قلوب سامعيها، لكنّ محاسن خلقها الكبيرة اضافت لها جمالاً لا تبدّلهُ تقلّبات احوال الدنيا .
ماجد ليس موظفاً عاديّاً ليختار امرأةً دون الرجوع الى دائرتهِ واستحصال الموافقة على الاقتران بها ،وبعد جلبهِ البيانات اللازمة لهيام تقوم شعبة المتابعة بالتحرّي عنها فيرسل المدير في طلبهِ قائلاً:
-ماجد
-نعم استاذ
-الدائرة لم توافق على هيام زوجة لك
-لماذا استاذ؟
-امّها من اصول غير عربية
-ماذا عليَّ ان افعل ؟
-ان تختار بينها وبين الاستقالة من دائرتنا
بعد خروجهِ من مكتب مديرهِ لم تراودهُ الحيرة ولو للحظة بانهُ سيترك العمل هنا من اجل هيام فهي كل شيء في حياتهِ ولا يمكن لامتيازات الدنيا ومغرياتها ان تجعلهُ يتخلى عنها .
يعود ماجد وهو ليس نادماً على ما تركهُ وكانّما تنتظرهُ كنوزٌ عند هيام محاولاً ترتيب وضعهِ وتهيئة حالهِ لاتمام مراسيم الزواج .
في احد مكاتب دائرتهِ السابقة يجري الحوار التالي :
-من سيقوم بالمهمة شباب ؟
-سيدي كما ترى
-ماهر انت تتبنّى العملية وخذ ماتحتاج من المساعدين
ماهر هذا هو من رفع تقريرهُ السرّي عن عائلة هيام وصار مطّلعاً على المكان بعدما استمرَّ في مراقبتها في مدرستها ومسكنها حتى تعرّف عليها ومرّةً قام بزيارة لمدرستها بذريعة السؤال عن سمعتها واخلاقها،وليس صعباًعليهِ القيام بذلك ومعهُ كتاب رسمي من جهة عليا فما حال المدرسة وهي دائرة بسيطة في دخولها بسؤالهِ عن هيام التي ستصبح زوجة لاحد منتسبي دائرتهِ الحسّاسة .بعد مرور اسبوع على استقالة ماجد يقوم ماهر بتصفيتهِ عن طريق دهسهِ حتى الموت بسيارة مجهولة الهوية .
مات ماجد وبقيت ذكراهُ لاتفارق هيام كما ان ملامحها ظلّت راسخةً في ذهن ماهر المنبهر بجمالها وسحرها وكم كان حاسداً لماجد عليها فقام بقتلهِ بذريعة حماية اسرار الوطن القومية وكأنَّ بقتلهِ ستموت معهُ كل المعلومات وهو يدّعي تنفيذهِ لواجب وتكليف وطني وكان بامكانهِ التملّص او الاعتذار فقتل النفس جريمة لايمكن التحايل باسبابها .
حاول ماهر الاقتراب والوصول الى هيام بشتى الوسائل وهو يعرضُ نفسهُ معجباً ومحبّاً واحياناً هائماً بها وبخلقها وانها خير زوجة لهُ دون ان يتعرّض لحياتهِ مع زوجتهِ التي مازالت معهُ لكنها الرغبات بامتلاك الاشياء الغالية والنادرة ،وهيام تتذكّر تردّدهُ على مدرستها قبل حادثة قتل خطيبها ممّا أثار الشكوك في داخلها حول شخصيتهِ الغامضة رغم ظهورهِ لها في كل مكان لكنّ توقيتهُ في طرح نفسهِ امامها زادها يقيناً بأنّهُ يخفي امراً خطيراً وسرّاً ما ولهذا فهي حذرةٌ جداً وفي لقائها الاول معهُ تسألهُ هيام :
-من انت وماذا تريد بالضبط ؟
-انا ماهر ،اريد الزواج منك ِ
-وهل انت َ تعرفني ؟                   
نعم اعرفكِ جيداً هيام
-وهل تعلم ان امي من اصول غير عربية ؟
-نعم اعلم وما في ذلك ؟
هنا تاكدت هيام بان ماهر وراءمقتل ماجد فقامت بتسجيل الحديث الذي دار بينهما وهو هائمُ بها .
حين دعاها للقاء آخر استحضرت كل مكر النساء ودهائهن وكل غنج الجميلات لتوقعهُ بمصيدتها وهو يعترف بالقتل شريطة قبولها بهِ شخصاً صالحاً لزواجها قائلاً:
-نعم قتلتهُ كنت انفّذُ الواجب الوطني
-وهل يعفيكَ ا لله من اجل هذا الواجب
-لا ادري
- هل القضاء يعفيكَ ايضاً
-نعم ربما
-لكنّ ضميرك اعفاكَ اليس كذلك ؟
ماهر صار مرتبكاً ومندهشاً بكيفية قدرة هيام على انتزاع اعترافٍ منهُ بقتلهِ ماجد وبهذه السهولة والسرعة .
جهاز التسجيل لتكتمل معالم الجريمة فيهِ اضافت اليهِ هيام حواراً آخرَ دار بينهما :
-طيب ماهر اليست امّي غير عربية ؟
-لا عليكِ ساجعلها عربية الاصول
-كيف؟
-سابدّلُ بياناتها كلّها واتلفُ القديمة
-وهل هذا ممكنٌ ؟
-نحن دولة هيام فوق القانون والشبهات وحصانتنا بقوتنا وسلطتنا
في يوم ما حملت هيام ما لديها مشتكيةً بدعوى مدنية بعيداً عن دائرتهِ المشؤومة لتتحرك القضية جزائياً ويجلبُ ماهر مواطناً امام قاضي المحكمة بغير رتبة او امتيازات ووسط تخلّي مسؤوليهِ عنهُ وبدليل اعترافاتهِ المدعمة من خلال جهاز التسجيل وشهادة هيام الدامغة ولتوفّر جميع عوامل سبق الاصرار التي كانت حاضرة ً لدى القاتل ،وان القول بتنفيذ واجبٍ لحماية وطنهِ لا يسوّغُ لهُ قتل الاخرين،كما انهُ لا يملكُ دليلاً مكتوباً وموثّقاً من دائرتهِ بهذا التكليف سوى جلسة شفوية مع مديرهِ لا تنقذهُ من الادانة ثمّ ان القاضي يدحضُ ادّعاءهُ بالقول:
-وما ادراكَ ان ماجد لو بقيَ حيّاً سبعمل على مس امن الدولة؟
-الدائرة لا تثقُ بأحدٍ يغادرها مستقيلاً
- وهل بمثلكَ تقام اركان الدولة وهيبتها ؟ألم تكشف اسرار عملكَ الى امرأة ؟
-نعم هي خدعتني بعدما احببتها
-الوطن لو تفهم تبنيهِ القيم والاخلاق والتضحية من اجلهِ
بعد سماع القاضي للدلائل التي تدينهُ واعترافاتهِ الصريحة يصدر حكماً عليهِ بالسجن المؤبد .
في سجنهِ وقبل تمام الشهر يجدونهُ ميّتاً وهم يحاولون ايقاظهُ عند الصباح لتشرق الشمس دون ان يراها     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق