جميلة الماجري هي جميلة الماجري السوداني شاعرة تونسية ولدت بمدينة (القيروان ) سنة \1951 وفيها تلقت دروسها الاولية واكملت دراستها الثانوية والجامعية . متزوجة من الوالي السابق للمدينة محمد السوداني.
احبت الادب والشعر منذ صباها وكتبته في المرحلة الثانوية ثم الجامعية . و قد نشرت العديد من قصائدها ومقالاتها في الصحف والمجلات التونسية والعربية. تقول في احدى قصائدها :
كان النخيل رفيق غربتنا
وكان الليل يوغل في السؤال
وعلى ذُؤَابات الجريد يلوح ضوؤكَ
مِثْلما الأسياف لاحتْ دونَما كفٌّ
لتُشرعها الرياحْ
والخيلُ لا حتْ دونما فرسانها بِيضّاً
ليركبها/ من قبل موعده الصباحْ
ويجيئُك الوطنُ الغريقُ بمائه
والماءُ يحمل ضفتيه وأرضَهُ
وأجيء وحدي - في الهوى-
نتقاسم الحلم القديمْ!
وحدي.. أجيء إليكَ مابين المحجّة والمتابْ
وأنا الظعينة في هواكَ .. ولو ثويتْ
رحلتْ دمائِي تستدلّ فصيلها
والروح لم تخطئ ثناياها ولو
سرقوا الطريق إلى هواكْ
وحدي أجيء إليكِ عائدةً إليْ
وكأنّني ...
ألفاً قطعتُ من الزمان وما بَرَحْتُ
لا العشقُ أوْرَثِنَي سواكَ ولاَ طَلبْتُ
أن أستضيء بغير ضوئكِ أو رغبْتُ
في أن ألوذْ بغير فيْئِكَ أو شكوتْ
لهبَ التوهَج في دمي...
أو كنتُ من ظمئي اشتفيْتْ
عُمْرُ الظمَا ألفٌ .. وعمر الشوق ألفْ..
والألفُ أضيقُ من مَداكْ
والحلم أصغر من هواكْ
تعمل الشاعرة جميلة الماجري الان استاذة الادب العربي في الجامعات التونسية .
جميلة الماجري شاعرة جزلة العبارة، غنية المعنى، غزيرة الخيال، خبيرة بالواقع المعاش، حكيمة في الصياغة، دفاقة مسترسلة بدون إفاضة ولا تقتير، وهي عالية الأطناب بتواضع. شاعرة تعرف ماذا وكيف تقول الشعر وتنظمه، تجولت بين مدن وبلدات أحلامها من بغداد إلى القيروان ومن القيروان إلى سلا المغربية وغرناطة الاندلسية ، وتعود إلى حيث أتت بخفة طائر، أو جناح غيمة ربيعية ندية .
فهي إنسانة تعيش الواقع بكل أبعاده وتلوذ من رمضائه بالشعر حيث تضع أوزارها فتقول :
ألفاً حمَلْتُكَ في الرّحيل وما تعبْت
ألفاً على الأهداب محمولاً ظللْتْ
قمرٌ وألفٌ.. والطريقُ إليك أقربُ منْ يدي
لو كنتُ أقدر أن أمدّ يدي لأقطفكَ .. فعلت
قمرٌ وألفٌ .. والطريقُ إليكَ أقربُ من دمي
لَو كنتُ أقدر أن أجيء إلى دمي
فلم رحلتْ
قمرٌ مقيمٌ في دمي
وإذا استضأتُ به احترقتْ
واللغة عندها ربما استعملتها بغير معنى اللغة المألوف أو بحسب المعنى الاصطلاحي للغة، لتجعل منها نبراسا لجميع المعطيات الإنسانية التي تثري الحياة الادبية وتشكل شكلها المادي والمعنوي . وما تهبه الأرض من خير وجمال، وما يقدمه الإنسان من إبداع وعطاء، وهي في النهاية نتيجة لكل هذا وذاك وهي تتحدث ليس بالكلمات والحروف فقط، بل تتحدث من خلال الصور الشعرية والأحداث والمواقف وكل ما يترك صداه على الأرض . بل وتكتب فتجمع بين رؤى الطفلة البريئة وعتاب الحبيبة المخلصة ، ودلال الأميرة المترفة، وكبرياء اللبوة الجريحة وتتعامل مع الآخر برقة الخيوط الحريرية او الماسية الناعمة ، وبرقة تقطع الفولاذ لاحظها تقول :
ها اسمُكَ المنفيُّ يكبر في الخرافةِ
ثمَ يُزهِر في الشفاه
قمراً بليل القادمين من المياه إلى المياه
والحالمين وما غَفَوْا
والواقفين على مدارات الرياحْ
قمراً يشع من الغياب على الغيابْ.
ففي كل رفةِ جفنٍ
يمر الغزاةُ على جسدي
في فلسطين أو في العراق
ويأتمر الخائنون
على هدم بيت القصيد
بشعر امرئ القيس
والمتنبي...
من مؤلفاتها ودواينها التي اصدرتها :
• ديوان الوجد، 1995.
• ذاكرة الطير،ديوان شعر وهو مجموعة شعرية فازت بها بجائزة ابي القاسم الشابي للشعر.
• الوجع طعمه عربي ديوان شعر
• بغداد في الليلة الثانية بعد الألف (رواية)
• المدن والنساء (مقالات)..
يقول الناقد والمفكر وأستاذ الفلسفة الدكتور( كمال عمران) في تقديمه لديوان جميلة الماجري :
( ولأن صورة القيروان مولدة فكأنها (طروادة) لمحاربي الاغريق وكأنها ( القدس) لعشاق العروبة, هي القيروان وفيها كيان وكون وكينونة ـ لم تبق القيروان مدينة تاريخية شاهدا على مجد فحسب, بل إنها مدينة ولوذ استلهمت فيها (جميلة الماجري) القدرة السحرية علي الخلق في الماضي وفي الآتي علي حد السواء. هي معدن الطهارة من الأدران ومن الإثم الفكري, وهي دنيا لامرأة أنثى تجوس خلال التاريخ تبشيرا بالإبداع الذي لاينضب. فالقاع الأسطوري إخبار عن إجراء به ألبست الشاعرة المألوف بدلة المطلق فجعلت القصائد توقا إلي حد غير محدود.)
و تنفرد جميلة الماجري بين شاعرات زمانها في (ديوان النساء )
اذ تعتبره استدعاء لا استبقاء مما جعل شعرها فيه يكسر الحجب,ويرسم لوحات فنية في صورة جميلة ورائعة عن استشهاد المرأة, ومن صيغ استلابها,بحيث تؤكد صرخة الرافض وتمرد الخالق. تقول :
كبير عليك الهوي
وأكبر منك القصيدة
وأبعد عنك التماس النجوم
من الأمنيات البعيدة
فجل النساء شبيهات بعض
وواحدة بين عصر وعصر تجيء
كلؤلؤة في الكنوز
فريدة!
وما تزال نخلة جميلة الماجري الجميلة تحمل العذق والثمر.شامخة القد والعنق, تمتد جذورها عميقة في قاع ( القيروان ) تلك المدينة الاثرية مدينتها الحبيبة لتغمر بشذى عطائها النقي مساحة حية من فصول هذا الزمان. حيث كرست كل ذلك في قصيدتها ( نخلة) التي اهدتها إلي (سكينة بنت الحسين) رضي الله عنهما تقول :.
أضيئي لنا شمعتين
وأرخي الخباء قليلا
سأتيك بعد التهجد نبكي
بكاء طويلا
ولا توقدي النار كي أستدل
فإني إذا ما ادلهم سبيل
أضاء هواي إليكم سبيلا
ولا توقدي النار قصد التجلي
ففيك من النور ما لو دري التائهون
اهتدوا, وكنت لهم في الضلال الدليلا!
****
فها نحن نظمأ ما بين ماء وماء
ولانحن كنا بدفق الحنين ارتوينا
ولا نحن كنا ابتردنا بفيض البكاء
وفي الرمل نطلع كالنخلتين
وفي الرمل كالنخلتين نطول
وبيني وبينك قفر يباب
ولكن إذا اشتد بي الوجد ألقاك
بين الوريدين مني
فأجمع بين الشتيتين علي
ألوذ بباقي دمي, أو لعلي
أفيء إلي بعض ظلي!
جميلة الماجري هي بنت ( القيروان ) تلك المدينة التونسية التي اسسها القائد العربي ( عقبة بن نافع ) بعد الفتح الاسلامي لشمال افريقيا فاثرت فيها الذكرى واخذت تنسج من ( القيروان ) أسطورتها الجديدة أو لعلها تعيد تشكيل مدينتها في مرآتها الشاعرة علي صورة غير معهودة . ف(القيروان) التي أنشأها هذا القائد العربي العظيم (عقبة بن نافع )عام ستمائة وسبعين ميلادية لتصبح مقرا للحكام العرب في شمال وغرب إفريقيا حتي مطلع القرن التاسع الميلادي حيث أصبحت العاصمة الأولي للدولة الفاطمية عام تسعمائة وتسعة ميلادية. اذ تراكم على مدارهذا التاريخ تراث ديني وروحي, وذخيرة من البطولات والأخبار والوقائع والحكايات , يجسدها او يشهد عليها اليوم ( جامع القيروان ) المشهور الذي أسسه القائد المذكور اعلاه في القرن التاسع, ولايزال يمثل الحجة الناصعة, والشاهدعلى عظمة ذلك التاريخ البعيد وتغلغله في نفوس من يتمسكون بالحياة في ( القيروان).
وفي الختام تقول جميلة الماجري في عشقها للقيروان :
تمضي الفصول وهذا العشق مؤتلق
وكل فصل له من صيفها حرق
لا النوم بلغه في الحلم ما منعت
أو كان خلصه من وهمه الأرق
يجد من كل فصل في هواه هوي
وهي الفصول, ولون العشق, والقلق
وهي العناصر من أهواء خالقها
كالبدء خالصة تذكو وتنفتق
كل النساء بها, لورام منعتقا
من أي أهوائها ينجو وينعتق
هذا الهوي القيرواني فوق ما تصف
من ألف عام تربيه وترتفق
وقد جعلت له الأشعار مفترشا
وقد جعلت به الأشعار تختفق
وقد رعيت له الأعذاق طالعة
حتي استوي ثم طاب العذق والورق
لما هممت به في الحلم تقطفه
فانساب منفلتا, والشامتون بقوا
فالشعر منها إذا هلت طوالعه
فكل آنية للعـــطر تندلق
أما إذا طاب منها في الهوي غزل
فاح الخزامي, وزهر الفل, والحبق
قل ما سيبقي إذا العشاق ما ولهوا
أو إن همو لوشاح العشق ما امتشقوا
هذا الهوي القيرواني فوق ماعرفوا
من عهد بلقيس بالأكباد معتلق
فلا المعز بعز الملك أدركه
ولا أغالبة من قيده انعتقوا
فكيف تدركه والجمر مسلكه
والريح سكنه والوهم والفرق
والطامحون إلي مرضاتها حشدا
كم كابدوها وجدوا الليل واغتبقوا
لم يألفوا مدنا بالعشق عابقة
في كل خطو بها الأهواء تنبثق
أو أنهم جهلوا أن الهوي سفر
والقيروان له ملقي ومفترق
حتي ليرثي لمن بالعشق قد قتلوا
ومن هوي القيروانيات ما نشقوا
هن المواسم إن واتتك مقبلة
والجذب هن, إذا أعرضن, والحرق
هن النخيل إذا مالاح مرتفعا
فيهن منه شـــــموخ القد والعنق
والنار تقدح ـ لو تحتاج ـ جذوتها
من حرهن فيذكو النور والألق!
.
امير البيـــــــان العربي
د . فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بل
جميلة الماجري
جميلة الماجري هي جميلة الماجري السوداني شاعرة تونسية ولدت بمدينة (القيروان ) سنة \1951 وفيها تلقت دروسها الاولية واكملت دراستها الثانوية والجامعية . متزوجة من الوالي السابق للمدينة محمد السوداني.
احبت الادب والشعر منذ صباها وكتبته في المرحلة الثانوية ثم الجامعية . و قد نشرت العديد من قصائدها ومقالاتها في الصحف والمجلات التونسية والعربية. تقول في احدى قصائدها :
كان النخيل رفيق غربتنا
وكان الليل يوغل في السؤال
وعلى ذُؤَابات الجريد يلوح ضوؤكَ
مِثْلما الأسياف لاحتْ دونَما كفٌّ
لتُشرعها الرياحْ
والخيلُ لا حتْ دونما فرسانها بِيضّاً
ليركبها/ من قبل موعده الصباحْ
ويجيئُك الوطنُ الغريقُ بمائه
والماءُ يحمل ضفتيه وأرضَهُ
وأجيء وحدي - في الهوى-
نتقاسم الحلم القديمْ!
وحدي.. أجيء إليكَ مابين المحجّة والمتابْ
وأنا الظعينة في هواكَ .. ولو ثويتْ
رحلتْ دمائِي تستدلّ فصيلها
والروح لم تخطئ ثناياها ولو
سرقوا الطريق إلى هواكْ
وحدي أجيء إليكِ عائدةً إليْ
وكأنّني ...
ألفاً قطعتُ من الزمان وما بَرَحْتُ
لا العشقُ أوْرَثِنَي سواكَ ولاَ طَلبْتُ
أن أستضيء بغير ضوئكِ أو رغبْتُ
في أن ألوذْ بغير فيْئِكَ أو شكوتْ
لهبَ التوهَج في دمي...
أو كنتُ من ظمئي اشتفيْتْ
عُمْرُ الظمَا ألفٌ .. وعمر الشوق ألفْ..
والألفُ أضيقُ من مَداكْ
والحلم أصغر من هواكْ
تعمل الشاعرة جميلة الماجري الان استاذة الادب العربي في الجامعات التونسية .
جميلة الماجري شاعرة جزلة العبارة، غنية المعنى، غزيرة الخيال، خبيرة بالواقع المعاش، حكيمة في الصياغة، دفاقة مسترسلة بدون إفاضة ولا تقتير، وهي عالية الأطناب بتواضع. شاعرة تعرف ماذا وكيف تقول الشعر وتنظمه، تجولت بين مدن وبلدات أحلامها من بغداد إلى القيروان ومن القيروان إلى سلا المغربية وغرناطة الاندلسية ، وتعود إلى حيث أتت بخفة طائر، أو جناح غيمة ربيعية ندية .
فهي إنسانة تعيش الواقع بكل أبعاده وتلوذ من رمضائه بالشعر حيث تضع أوزارها فتقول :
ألفاً حمَلْتُكَ في الرّحيل وما تعبْت
ألفاً على الأهداب محمولاً ظللْتْ
قمرٌ وألفٌ.. والطريقُ إليك أقربُ منْ يدي
لو كنتُ أقدر أن أمدّ يدي لأقطفكَ .. فعلت
قمرٌ وألفٌ .. والطريقُ إليكَ أقربُ من دمي
لَو كنتُ أقدر أن أجيء إلى دمي
فلم رحلتْ
قمرٌ مقيمٌ في دمي
وإذا استضأتُ به احترقتْ
واللغة عندها ربما استعملتها بغير معنى اللغة المألوف أو بحسب المعنى الاصطلاحي للغة، لتجعل منها نبراسا لجميع المعطيات الإنسانية التي تثري الحياة الادبية وتشكل شكلها المادي والمعنوي . وما تهبه الأرض من خير وجمال، وما يقدمه الإنسان من إبداع وعطاء، وهي في النهاية نتيجة لكل هذا وذاك وهي تتحدث ليس بالكلمات والحروف فقط، بل تتحدث من خلال الصور الشعرية والأحداث والمواقف وكل ما يترك صداه على الأرض . بل وتكتب فتجمع بين رؤى الطفلة البريئة وعتاب الحبيبة المخلصة ، ودلال الأميرة المترفة، وكبرياء اللبوة الجريحة وتتعامل مع الآخر برقة الخيوط الحريرية او الماسية الناعمة ، وبرقة تقطع الفولاذ لاحظها تقول :
ها اسمُكَ المنفيُّ يكبر في الخرافةِ
ثمَ يُزهِر في الشفاه
قمراً بليل القادمين من المياه إلى المياه
والحالمين وما غَفَوْا
والواقفين على مدارات الرياحْ
قمراً يشع من الغياب على الغيابْ.
ففي كل رفةِ جفنٍ
يمر الغزاةُ على جسدي
في فلسطين أو في العراق
ويأتمر الخائنون
على هدم بيت القصيد
بشعر امرئ القيس
والمتنبي...
من مؤلفاتها ودواينها التي اصدرتها :
• ديوان الوجد، 1995.
• ذاكرة الطير،ديوان شعر وهو مجموعة شعرية فازت بها بجائزة ابي القاسم الشابي للشعر.
• الوجع طعمه عربي ديوان شعر
• بغداد في الليلة الثانية بعد الألف (رواية)
• المدن والنساء (مقالات)..
يقول الناقد والمفكر وأستاذ الفلسفة الدكتور( كمال عمران) في تقديمه لديوان جميلة الماجري :
( ولأن صورة القيروان مولدة فكأنها (طروادة) لمحاربي الاغريق وكأنها ( القدس) لعشاق العروبة, هي القيروان وفيها كيان وكون وكينونة ـ لم تبق القيروان مدينة تاريخية شاهدا على مجد فحسب, بل إنها مدينة ولوذ استلهمت فيها (جميلة الماجري) القدرة السحرية علي الخلق في الماضي وفي الآتي علي حد السواء. هي معدن الطهارة من الأدران ومن الإثم الفكري, وهي دنيا لامرأة أنثى تجوس خلال التاريخ تبشيرا بالإبداع الذي لاينضب. فالقاع الأسطوري إخبار عن إجراء به ألبست الشاعرة المألوف بدلة المطلق فجعلت القصائد توقا إلي حد غير محدود.)
و تنفرد جميلة الماجري بين شاعرات زمانها في (ديوان النساء )
اذ تعتبره استدعاء لا استبقاء مما جعل شعرها فيه يكسر الحجب,ويرسم لوحات فنية في صورة جميلة ورائعة عن استشهاد المرأة, ومن صيغ استلابها,بحيث تؤكد صرخة الرافض وتمرد الخالق. تقول :
كبير عليك الهوي
وأكبر منك القصيدة
وأبعد عنك التماس النجوم
من الأمنيات البعيدة
فجل النساء شبيهات بعض
وواحدة بين عصر وعصر تجيء
كلؤلؤة في الكنوز
فريدة!
وما تزال نخلة جميلة الماجري الجميلة تحمل العذق والثمر.شامخة القد والعنق, تمتد جذورها عميقة في قاع ( القيروان ) تلك المدينة الاثرية مدينتها الحبيبة لتغمر بشذى عطائها النقي مساحة حية من فصول هذا الزمان. حيث كرست كل ذلك في قصيدتها ( نخلة) التي اهدتها إلي (سكينة بنت الحسين) رضي الله عنهما تقول :.
أضيئي لنا شمعتين
وأرخي الخباء قليلا
سأتيك بعد التهجد نبكي
بكاء طويلا
ولا توقدي النار كي أستدل
فإني إذا ما ادلهم سبيل
أضاء هواي إليكم سبيلا
ولا توقدي النار قصد التجلي
ففيك من النور ما لو دري التائهون
اهتدوا, وكنت لهم في الضلال الدليلا!
****
فها نحن نظمأ ما بين ماء وماء
ولانحن كنا بدفق الحنين ارتوينا
ولا نحن كنا ابتردنا بفيض البكاء
وفي الرمل نطلع كالنخلتين
وفي الرمل كالنخلتين نطول
وبيني وبينك قفر يباب
ولكن إذا اشتد بي الوجد ألقاك
بين الوريدين مني
فأجمع بين الشتيتين علي
ألوذ بباقي دمي, أو لعلي
أفيء إلي بعض ظلي!
جميلة الماجري هي بنت ( القيروان ) تلك المدينة التونسية التي اسسها القائد العربي ( عقبة بن نافع ) بعد الفتح الاسلامي لشمال افريقيا فاثرت فيها الذكرى واخذت تنسج من ( القيروان ) أسطورتها الجديدة أو لعلها تعيد تشكيل مدينتها في مرآتها الشاعرة علي صورة غير معهودة . ف(القيروان) التي أنشأها هذا القائد العربي العظيم (عقبة بن نافع )عام ستمائة وسبعين ميلادية لتصبح مقرا للحكام العرب في شمال وغرب إفريقيا حتي مطلع القرن التاسع الميلادي حيث أصبحت العاصمة الأولي للدولة الفاطمية عام تسعمائة وتسعة ميلادية. اذ تراكم على مدارهذا التاريخ تراث ديني وروحي, وذخيرة من البطولات والأخبار والوقائع والحكايات , يجسدها او يشهد عليها اليوم ( جامع القيروان ) المشهور الذي أسسه القائد المذكور اعلاه في القرن التاسع, ولايزال يمثل الحجة الناصعة, والشاهدعلى عظمة ذلك التاريخ البعيد وتغلغله في نفوس من يتمسكون بالحياة في ( القيروان).
وفي الختام تقول جميلة الماجري في عشقها للقيروان :
تمضي الفصول وهذا العشق مؤتلق
وكل فصل له من صيفها حرق
لا النوم بلغه في الحلم ما منعت
أو كان خلصه من وهمه الأرق
يجد من كل فصل في هواه هوي
وهي الفصول, ولون العشق, والقلق
وهي العناصر من أهواء خالقها
كالبدء خالصة تذكو وتنفتق
كل النساء بها, لورام منعتقا
من أي أهوائها ينجو وينعتق
هذا الهوي القيرواني فوق ما تصف
من ألف عام تربيه وترتفق
وقد جعلت له الأشعار مفترشا
وقد جعلت به الأشعار تختفق
وقد رعيت له الأعذاق طالعة
حتي استوي ثم طاب العذق والورق
لما هممت به في الحلم تقطفه
فانساب منفلتا, والشامتون بقوا
فالشعر منها إذا هلت طوالعه
فكل آنية للعـــطر تندلق
أما إذا طاب منها في الهوي غزل
فاح الخزامي, وزهر الفل, والحبق
قل ما سيبقي إذا العشاق ما ولهوا
أو إن همو لوشاح العشق ما امتشقوا
هذا الهوي القيرواني فوق ماعرفوا
من عهد بلقيس بالأكباد معتلق
فلا المعز بعز الملك أدركه
ولا أغالبة من قيده انعتقوا
فكيف تدركه والجمر مسلكه
والريح سكنه والوهم والفرق
والطامحون إلي مرضاتها حشدا
كم كابدوها وجدوا الليل واغتبقوا
لم يألفوا مدنا بالعشق عابقة
في كل خطو بها الأهواء تنبثق
أو أنهم جهلوا أن الهوي سفر
والقيروان له ملقي ومفترق
حتي ليرثي لمن بالعشق قد قتلوا
ومن هوي القيروانيات ما نشقوا
هن المواسم إن واتتك مقبلة
والجذب هن, إذا أعرضن, والحرق
هن النخيل إذا مالاح مرتفعا
فيهن منه شـــــموخ القد والعنق
والنار تقدح ـ لو تحتاج ـ جذوتها
من حرهن فيذكو النور والألق!
.
امير البيــــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق - ديالى - بلـــــــد روز
******************************************************موسوعة شعراء العربية
المجلد العاشر - الجزء الاول
شعراء المعاصرة العرب
.
بقلم د فالح الكيــــلاني
.
( الشاعرة جميلة الماجري )
.
جميلة الماجري هي جميلة الماجري السوداني شاعرة تونسية ولدت بمدينة (القيروان ) سنة \1951 وفيها تلقت دروسها الاولية واكملت دراستها الثانوية والجامعية . متزوجة من الوالي السابق للمدينة محمد السوداني.
احبت الادب والشعر منذ صباها وكتبته في المرحلة الثانوية ثم الجامعية . و قد نشرت العديد من قصائدها ومقالاتها في الصحف والمجلات التونسية والعربية. تقول في احدى قصائدها :
كان النخيل رفيق غربتنا
وكان الليل يوغل في السؤال
وعلى ذُؤَابات الجريد يلوح ضوؤكَ
مِثْلما الأسياف لاحتْ دونَما كفٌّ
لتُشرعها الرياحْ
والخيلُ لا حتْ دونما فرسانها بِيضّاً
ليركبها/ من قبل موعده الصباحْ
ويجيئُك الوطنُ الغريقُ بمائه
والماءُ يحمل ضفتيه وأرضَهُ
وأجيء وحدي - في الهوى-
نتقاسم الحلم القديمْ!
وحدي.. أجيء إليكَ مابين المحجّة والمتابْ
وأنا الظعينة في هواكَ .. ولو ثويتْ
رحلتْ دمائِي تستدلّ فصيلها
والروح لم تخطئ ثناياها ولو
سرقوا الطريق إلى هواكْ
وحدي أجيء إليكِ عائدةً إليْ
وكأنّني ...
ألفاً قطعتُ من الزمان وما بَرَحْتُ
لا العشقُ أوْرَثِنَي سواكَ ولاَ طَلبْتُ
أن أستضيء بغير ضوئكِ أو رغبْتُ
في أن ألوذْ بغير فيْئِكَ أو شكوتْ
لهبَ التوهَج في دمي...
أو كنتُ من ظمئي اشتفيْتْ
عُمْرُ الظمَا ألفٌ .. وعمر الشوق ألفْ..
والألفُ أضيقُ من مَداكْ
والحلم أصغر من هواكْ
تعمل الشاعرة جميلة الماجري الان استاذة الادب العربي في الجامعات التونسية .
جميلة الماجري شاعرة جزلة العبارة، غنية المعنى، غزيرة الخيال، خبيرة بالواقع المعاش، حكيمة في الصياغة، دفاقة مسترسلة بدون إفاضة ولا تقتير، وهي عالية الأطناب بتواضع. شاعرة تعرف ماذا وكيف تقول الشعر وتنظمه، تجولت بين مدن وبلدات أحلامها من بغداد إلى القيروان ومن القيروان إلى سلا المغربية وغرناطة الاندلسية ، وتعود إلى حيث أتت بخفة طائر، أو جناح غيمة ربيعية ندية .
فهي إنسانة تعيش الواقع بكل أبعاده وتلوذ من رمضائه بالشعر حيث تضع أوزارها فتقول :
ألفاً حمَلْتُكَ في الرّحيل وما تعبْت
ألفاً على الأهداب محمولاً ظللْتْ
قمرٌ وألفٌ.. والطريقُ إليك أقربُ منْ يدي
لو كنتُ أقدر أن أمدّ يدي لأقطفكَ .. فعلت
قمرٌ وألفٌ .. والطريقُ إليكَ أقربُ من دمي
لَو كنتُ أقدر أن أجيء إلى دمي
فلم رحلتْ
قمرٌ مقيمٌ في دمي
وإذا استضأتُ به احترقتْ
واللغة عندها ربما استعملتها بغير معنى اللغة المألوف أو بحسب المعنى الاصطلاحي للغة، لتجعل منها نبراسا لجميع المعطيات الإنسانية التي تثري الحياة الادبية وتشكل شكلها المادي والمعنوي . وما تهبه الأرض من خير وجمال، وما يقدمه الإنسان من إبداع وعطاء، وهي في النهاية نتيجة لكل هذا وذاك وهي تتحدث ليس بالكلمات والحروف فقط، بل تتحدث من خلال الصور الشعرية والأحداث والمواقف وكل ما يترك صداه على الأرض . بل وتكتب فتجمع بين رؤى الطفلة البريئة وعتاب الحبيبة المخلصة ، ودلال الأميرة المترفة، وكبرياء اللبوة الجريحة وتتعامل مع الآخر برقة الخيوط الحريرية او الماسية الناعمة ، وبرقة تقطع الفولاذ لاحظها تقول :
ها اسمُكَ المنفيُّ يكبر في الخرافةِ
ثمَ يُزهِر في الشفاه
قمراً بليل القادمين من المياه إلى المياه
والحالمين وما غَفَوْا
والواقفين على مدارات الرياحْ
قمراً يشع من الغياب على الغيابْ.
ففي كل رفةِ جفنٍ
يمر الغزاةُ على جسدي
في فلسطين أو في العراق
ويأتمر الخائنون
على هدم بيت القصيد
بشعر امرئ القيس
والمتنبي...
من مؤلفاتها ودواينها التي اصدرتها :
• ديوان الوجد، 1995.
• ذاكرة الطير،ديوان شعر وهو مجموعة شعرية فازت بها بجائزة ابي القاسم الشابي للشعر.
• الوجع طعمه عربي ديوان شعر
• بغداد في الليلة الثانية بعد الألف (رواية)
• المدن والنساء (مقالات)..
يقول الناقد والمفكر وأستاذ الفلسفة الدكتور( كمال عمران) في تقديمه لديوان جميلة الماجري :
( ولأن صورة القيروان مولدة فكأنها (طروادة) لمحاربي الاغريق وكأنها ( القدس) لعشاق العروبة, هي القيروان وفيها كيان وكون وكينونة ـ لم تبق القيروان مدينة تاريخية شاهدا على مجد فحسب, بل إنها مدينة ولوذ استلهمت فيها (جميلة الماجري) القدرة السحرية علي الخلق في الماضي وفي الآتي علي حد السواء. هي معدن الطهارة من الأدران ومن الإثم الفكري, وهي دنيا لامرأة أنثى تجوس خلال التاريخ تبشيرا بالإبداع الذي لاينضب. فالقاع الأسطوري إخبار عن إجراء به ألبست الشاعرة المألوف بدلة المطلق فجعلت القصائد توقا إلي حد غير محدود.)
و تنفرد جميلة الماجري بين شاعرات زمانها في (ديوان النساء )
اذ تعتبره استدعاء لا استبقاء مما جعل شعرها فيه يكسر الحجب,ويرسم لوحات فنية في صورة جميلة ورائعة عن استشهاد المرأة, ومن صيغ استلابها,بحيث تؤكد صرخة الرافض وتمرد الخالق. تقول :
كبير عليك الهوي
وأكبر منك القصيدة
وأبعد عنك التماس النجوم
من الأمنيات البعيدة
فجل النساء شبيهات بعض
وواحدة بين عصر وعصر تجيء
كلؤلؤة في الكنوز
فريدة!
وما تزال نخلة جميلة الماجري الجميلة تحمل العذق والثمر.شامخة القد والعنق, تمتد جذورها عميقة في قاع ( القيروان ) تلك المدينة الاثرية مدينتها الحبيبة لتغمر بشذى عطائها النقي مساحة حية من فصول هذا الزمان. حيث كرست كل ذلك في قصيدتها ( نخلة) التي اهدتها إلي (سكينة بنت الحسين) رضي الله عنهما تقول :.
أضيئي لنا شمعتين
وأرخي الخباء قليلا
سأتيك بعد التهجد نبكي
بكاء طويلا
ولا توقدي النار كي أستدل
فإني إذا ما ادلهم سبيل
أضاء هواي إليكم سبيلا
ولا توقدي النار قصد التجلي
ففيك من النور ما لو دري التائهون
اهتدوا, وكنت لهم في الضلال الدليلا!
****
فها نحن نظمأ ما بين ماء وماء
ولانحن كنا بدفق الحنين ارتوينا
ولا نحن كنا ابتردنا بفيض البكاء
وفي الرمل نطلع كالنخلتين
وفي الرمل كالنخلتين نطول
وبيني وبينك قفر يباب
ولكن إذا اشتد بي الوجد ألقاك
بين الوريدين مني
فأجمع بين الشتيتين علي
ألوذ بباقي دمي, أو لعلي
أفيء إلي بعض ظلي!
جميلة الماجري هي بنت ( القيروان ) تلك المدينة التونسية التي اسسها القائد العربي ( عقبة بن نافع ) بعد الفتح الاسلامي لشمال افريقيا فاثرت فيها الذكرى واخذت تنسج من ( القيروان ) أسطورتها الجديدة أو لعلها تعيد تشكيل مدينتها في مرآتها الشاعرة علي صورة غير معهودة . ف(القيروان) التي أنشأها هذا القائد العربي العظيم (عقبة بن نافع )عام ستمائة وسبعين ميلادية لتصبح مقرا للحكام العرب في شمال وغرب إفريقيا حتي مطلع القرن التاسع الميلادي حيث أصبحت العاصمة الأولي للدولة الفاطمية عام تسعمائة وتسعة ميلادية. اذ تراكم على مدارهذا التاريخ تراث ديني وروحي, وذخيرة من البطولات والأخبار والوقائع والحكايات , يجسدها او يشهد عليها اليوم ( جامع القيروان ) المشهور الذي أسسه القائد المذكور اعلاه في القرن التاسع, ولايزال يمثل الحجة الناصعة, والشاهدعلى عظمة ذلك التاريخ البعيد وتغلغله في نفوس من يتمسكون بالحياة في ( القيروان).
وفي الختام تقول جميلة الماجري في عشقها للقيروان :
تمضي الفصول وهذا العشق مؤتلق
وكل فصل له من صيفها حرق
لا النوم بلغه في الحلم ما منعت
أو كان خلصه من وهمه الأرق
يجد من كل فصل في هواه هوي
وهي الفصول, ولون العشق, والقلق
وهي العناصر من أهواء خالقها
كالبدء خالصة تذكو وتنفتق
كل النساء بها, لورام منعتقا
من أي أهوائها ينجو وينعتق
هذا الهوي القيرواني فوق ما تصف
من ألف عام تربيه وترتفق
وقد جعلت له الأشعار مفترشا
وقد جعلت به الأشعار تختفق
وقد رعيت له الأعذاق طالعة
حتي استوي ثم طاب العذق والورق
لما هممت به في الحلم تقطفه
فانساب منفلتا, والشامتون بقوا
فالشعر منها إذا هلت طوالعه
فكل آنية للعـــطر تندلق
أما إذا طاب منها في الهوي غزل
فاح الخزامي, وزهر الفل, والحبق
قل ما سيبقي إذا العشاق ما ولهوا
أو إن همو لوشاح العشق ما امتشقوا
هذا الهوي القيرواني فوق ماعرفوا
من عهد بلقيس بالأكباد معتلق
فلا المعز بعز الملك أدركه
ولا أغالبة من قيده انعتقوا
فكيف تدركه والجمر مسلكه
والريح سكنه والوهم والفرق
والطامحون إلي مرضاتها حشدا
كم كابدوها وجدوا الليل واغتبقوا
لم يألفوا مدنا بالعشق عابقة
في كل خطو بها الأهواء تنبثق
أو أنهم جهلوا أن الهوي سفر
والقيروان له ملقي ومفترق
حتي ليرثي لمن بالعشق قد قتلوا
ومن هوي القيروانيات ما نشقوا
هن المواسم إن واتتك مقبلة
والجذب هن, إذا أعرضن, والحرق
هن النخيل إذا مالاح مرتفعا
فيهن منه شـــــموخ القد والعنق
والنار تقدح ـ لو تحتاج ـ جذوتها
من حرهن فيذكو النور والألق!
.
امير البيـــــــان العربي
د . فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بل
جميلة الماجري
جميلة الماجري هي جميلة الماجري السوداني شاعرة تونسية ولدت بمدينة (القيروان ) سنة \1951 وفيها تلقت دروسها الاولية واكملت دراستها الثانوية والجامعية . متزوجة من الوالي السابق للمدينة محمد السوداني.
احبت الادب والشعر منذ صباها وكتبته في المرحلة الثانوية ثم الجامعية . و قد نشرت العديد من قصائدها ومقالاتها في الصحف والمجلات التونسية والعربية. تقول في احدى قصائدها :
كان النخيل رفيق غربتنا
وكان الليل يوغل في السؤال
وعلى ذُؤَابات الجريد يلوح ضوؤكَ
مِثْلما الأسياف لاحتْ دونَما كفٌّ
لتُشرعها الرياحْ
والخيلُ لا حتْ دونما فرسانها بِيضّاً
ليركبها/ من قبل موعده الصباحْ
ويجيئُك الوطنُ الغريقُ بمائه
والماءُ يحمل ضفتيه وأرضَهُ
وأجيء وحدي - في الهوى-
نتقاسم الحلم القديمْ!
وحدي.. أجيء إليكَ مابين المحجّة والمتابْ
وأنا الظعينة في هواكَ .. ولو ثويتْ
رحلتْ دمائِي تستدلّ فصيلها
والروح لم تخطئ ثناياها ولو
سرقوا الطريق إلى هواكْ
وحدي أجيء إليكِ عائدةً إليْ
وكأنّني ...
ألفاً قطعتُ من الزمان وما بَرَحْتُ
لا العشقُ أوْرَثِنَي سواكَ ولاَ طَلبْتُ
أن أستضيء بغير ضوئكِ أو رغبْتُ
في أن ألوذْ بغير فيْئِكَ أو شكوتْ
لهبَ التوهَج في دمي...
أو كنتُ من ظمئي اشتفيْتْ
عُمْرُ الظمَا ألفٌ .. وعمر الشوق ألفْ..
والألفُ أضيقُ من مَداكْ
والحلم أصغر من هواكْ
تعمل الشاعرة جميلة الماجري الان استاذة الادب العربي في الجامعات التونسية .
جميلة الماجري شاعرة جزلة العبارة، غنية المعنى، غزيرة الخيال، خبيرة بالواقع المعاش، حكيمة في الصياغة، دفاقة مسترسلة بدون إفاضة ولا تقتير، وهي عالية الأطناب بتواضع. شاعرة تعرف ماذا وكيف تقول الشعر وتنظمه، تجولت بين مدن وبلدات أحلامها من بغداد إلى القيروان ومن القيروان إلى سلا المغربية وغرناطة الاندلسية ، وتعود إلى حيث أتت بخفة طائر، أو جناح غيمة ربيعية ندية .
فهي إنسانة تعيش الواقع بكل أبعاده وتلوذ من رمضائه بالشعر حيث تضع أوزارها فتقول :
ألفاً حمَلْتُكَ في الرّحيل وما تعبْت
ألفاً على الأهداب محمولاً ظللْتْ
قمرٌ وألفٌ.. والطريقُ إليك أقربُ منْ يدي
لو كنتُ أقدر أن أمدّ يدي لأقطفكَ .. فعلت
قمرٌ وألفٌ .. والطريقُ إليكَ أقربُ من دمي
لَو كنتُ أقدر أن أجيء إلى دمي
فلم رحلتْ
قمرٌ مقيمٌ في دمي
وإذا استضأتُ به احترقتْ
واللغة عندها ربما استعملتها بغير معنى اللغة المألوف أو بحسب المعنى الاصطلاحي للغة، لتجعل منها نبراسا لجميع المعطيات الإنسانية التي تثري الحياة الادبية وتشكل شكلها المادي والمعنوي . وما تهبه الأرض من خير وجمال، وما يقدمه الإنسان من إبداع وعطاء، وهي في النهاية نتيجة لكل هذا وذاك وهي تتحدث ليس بالكلمات والحروف فقط، بل تتحدث من خلال الصور الشعرية والأحداث والمواقف وكل ما يترك صداه على الأرض . بل وتكتب فتجمع بين رؤى الطفلة البريئة وعتاب الحبيبة المخلصة ، ودلال الأميرة المترفة، وكبرياء اللبوة الجريحة وتتعامل مع الآخر برقة الخيوط الحريرية او الماسية الناعمة ، وبرقة تقطع الفولاذ لاحظها تقول :
ها اسمُكَ المنفيُّ يكبر في الخرافةِ
ثمَ يُزهِر في الشفاه
قمراً بليل القادمين من المياه إلى المياه
والحالمين وما غَفَوْا
والواقفين على مدارات الرياحْ
قمراً يشع من الغياب على الغيابْ.
ففي كل رفةِ جفنٍ
يمر الغزاةُ على جسدي
في فلسطين أو في العراق
ويأتمر الخائنون
على هدم بيت القصيد
بشعر امرئ القيس
والمتنبي...
من مؤلفاتها ودواينها التي اصدرتها :
• ديوان الوجد، 1995.
• ذاكرة الطير،ديوان شعر وهو مجموعة شعرية فازت بها بجائزة ابي القاسم الشابي للشعر.
• الوجع طعمه عربي ديوان شعر
• بغداد في الليلة الثانية بعد الألف (رواية)
• المدن والنساء (مقالات)..
يقول الناقد والمفكر وأستاذ الفلسفة الدكتور( كمال عمران) في تقديمه لديوان جميلة الماجري :
( ولأن صورة القيروان مولدة فكأنها (طروادة) لمحاربي الاغريق وكأنها ( القدس) لعشاق العروبة, هي القيروان وفيها كيان وكون وكينونة ـ لم تبق القيروان مدينة تاريخية شاهدا على مجد فحسب, بل إنها مدينة ولوذ استلهمت فيها (جميلة الماجري) القدرة السحرية علي الخلق في الماضي وفي الآتي علي حد السواء. هي معدن الطهارة من الأدران ومن الإثم الفكري, وهي دنيا لامرأة أنثى تجوس خلال التاريخ تبشيرا بالإبداع الذي لاينضب. فالقاع الأسطوري إخبار عن إجراء به ألبست الشاعرة المألوف بدلة المطلق فجعلت القصائد توقا إلي حد غير محدود.)
و تنفرد جميلة الماجري بين شاعرات زمانها في (ديوان النساء )
اذ تعتبره استدعاء لا استبقاء مما جعل شعرها فيه يكسر الحجب,ويرسم لوحات فنية في صورة جميلة ورائعة عن استشهاد المرأة, ومن صيغ استلابها,بحيث تؤكد صرخة الرافض وتمرد الخالق. تقول :
كبير عليك الهوي
وأكبر منك القصيدة
وأبعد عنك التماس النجوم
من الأمنيات البعيدة
فجل النساء شبيهات بعض
وواحدة بين عصر وعصر تجيء
كلؤلؤة في الكنوز
فريدة!
وما تزال نخلة جميلة الماجري الجميلة تحمل العذق والثمر.شامخة القد والعنق, تمتد جذورها عميقة في قاع ( القيروان ) تلك المدينة الاثرية مدينتها الحبيبة لتغمر بشذى عطائها النقي مساحة حية من فصول هذا الزمان. حيث كرست كل ذلك في قصيدتها ( نخلة) التي اهدتها إلي (سكينة بنت الحسين) رضي الله عنهما تقول :.
أضيئي لنا شمعتين
وأرخي الخباء قليلا
سأتيك بعد التهجد نبكي
بكاء طويلا
ولا توقدي النار كي أستدل
فإني إذا ما ادلهم سبيل
أضاء هواي إليكم سبيلا
ولا توقدي النار قصد التجلي
ففيك من النور ما لو دري التائهون
اهتدوا, وكنت لهم في الضلال الدليلا!
****
فها نحن نظمأ ما بين ماء وماء
ولانحن كنا بدفق الحنين ارتوينا
ولا نحن كنا ابتردنا بفيض البكاء
وفي الرمل نطلع كالنخلتين
وفي الرمل كالنخلتين نطول
وبيني وبينك قفر يباب
ولكن إذا اشتد بي الوجد ألقاك
بين الوريدين مني
فأجمع بين الشتيتين علي
ألوذ بباقي دمي, أو لعلي
أفيء إلي بعض ظلي!
جميلة الماجري هي بنت ( القيروان ) تلك المدينة التونسية التي اسسها القائد العربي ( عقبة بن نافع ) بعد الفتح الاسلامي لشمال افريقيا فاثرت فيها الذكرى واخذت تنسج من ( القيروان ) أسطورتها الجديدة أو لعلها تعيد تشكيل مدينتها في مرآتها الشاعرة علي صورة غير معهودة . ف(القيروان) التي أنشأها هذا القائد العربي العظيم (عقبة بن نافع )عام ستمائة وسبعين ميلادية لتصبح مقرا للحكام العرب في شمال وغرب إفريقيا حتي مطلع القرن التاسع الميلادي حيث أصبحت العاصمة الأولي للدولة الفاطمية عام تسعمائة وتسعة ميلادية. اذ تراكم على مدارهذا التاريخ تراث ديني وروحي, وذخيرة من البطولات والأخبار والوقائع والحكايات , يجسدها او يشهد عليها اليوم ( جامع القيروان ) المشهور الذي أسسه القائد المذكور اعلاه في القرن التاسع, ولايزال يمثل الحجة الناصعة, والشاهدعلى عظمة ذلك التاريخ البعيد وتغلغله في نفوس من يتمسكون بالحياة في ( القيروان).
وفي الختام تقول جميلة الماجري في عشقها للقيروان :
تمضي الفصول وهذا العشق مؤتلق
وكل فصل له من صيفها حرق
لا النوم بلغه في الحلم ما منعت
أو كان خلصه من وهمه الأرق
يجد من كل فصل في هواه هوي
وهي الفصول, ولون العشق, والقلق
وهي العناصر من أهواء خالقها
كالبدء خالصة تذكو وتنفتق
كل النساء بها, لورام منعتقا
من أي أهوائها ينجو وينعتق
هذا الهوي القيرواني فوق ما تصف
من ألف عام تربيه وترتفق
وقد جعلت له الأشعار مفترشا
وقد جعلت به الأشعار تختفق
وقد رعيت له الأعذاق طالعة
حتي استوي ثم طاب العذق والورق
لما هممت به في الحلم تقطفه
فانساب منفلتا, والشامتون بقوا
فالشعر منها إذا هلت طوالعه
فكل آنية للعـــطر تندلق
أما إذا طاب منها في الهوي غزل
فاح الخزامي, وزهر الفل, والحبق
قل ما سيبقي إذا العشاق ما ولهوا
أو إن همو لوشاح العشق ما امتشقوا
هذا الهوي القيرواني فوق ماعرفوا
من عهد بلقيس بالأكباد معتلق
فلا المعز بعز الملك أدركه
ولا أغالبة من قيده انعتقوا
فكيف تدركه والجمر مسلكه
والريح سكنه والوهم والفرق
والطامحون إلي مرضاتها حشدا
كم كابدوها وجدوا الليل واغتبقوا
لم يألفوا مدنا بالعشق عابقة
في كل خطو بها الأهواء تنبثق
أو أنهم جهلوا أن الهوي سفر
والقيروان له ملقي ومفترق
حتي ليرثي لمن بالعشق قد قتلوا
ومن هوي القيروانيات ما نشقوا
هن المواسم إن واتتك مقبلة
والجذب هن, إذا أعرضن, والحرق
هن النخيل إذا مالاح مرتفعا
فيهن منه شـــــموخ القد والعنق
والنار تقدح ـ لو تحتاج ـ جذوتها
من حرهن فيذكو النور والألق!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق