لاءاتٌ من عمق الدّهشة تنفلتُ ، تخترقُ جدار صمت مُزمن ، كِمامةٌ أرهقت النّبرات فتعرّى الصّوت مِنْ دفء الحديث.
حنجرةٌ باتتْ غريبة الانتماء، لا حرف يهزّها ولا صدى في ثناياها يتردّد .
مجرّدُ غمغمة مكبوتة ، حزينة يلبسُها ظلّ العَنَت ، يمتصّ دماء جذورها فتنمو قميئة حولها تطنّ الدّبابير وتسكنها الغربان، أغصانُها شتات هجين والورقُ يلتحفُ لون الخريف ، حياة يُكبّلها الممات.
في ذلك الظلّ المبلّل بطلّ الخنوع توالدت الحشرجات ،نمت، تكاثرت والمكان يرتجّ تحت ثقلها.عالم فيه يعشّش الوهن ، منه تقتاتُ خفافيش اللّيل ، كائنات غريبة، مقنّعة ، تمتصّ الدّماء في شراهة وجوعها غول ، ظمأ لا يعرف الارتواء.
في الفضاء الشّاحب ضاعت العلامات ، مدينةٌ فقدت كلّ الملامح ، مقبرة للأحياء كاد يبلعها السّبات لولا كتلة سوداء ، سحابة عملاقة هادرة أطلّت ،شفطت الظلّ وابتلعت الشحوب ،على باب المدينة وقفتْ، مشحونة قاب الانفجار.
في هذا الجوّ الخانق كانت اللّاءات وميض برْق مُرعد ، تهتزّ فتنبري الغمغمة هسيسا، طقطقة ثمّ رعدا يُسقط الكمامة الجائرة . دويّ تنفلق له الأوتار وتنفتح الحنجرة بوابة عتق ، صرخة تفتح النّوافذ الموصدة فيعبّ الصّدر ما به تتنفّس الشّرايين، هواء ، قطر ندى ، نفح يرطّب المسامّ فيستوي الصّوت جهوريّا . رعد مرعد : لا صمت بعد اليوم . لا كبح للجماح ، مزيدا من الهواء ، مزيدا من الشّمس والواحة الفيحاء ترخي أعذاقها رطبا شهيّة. معجزة بوح لا تعرف الانكفاء ، كلمات كما السّيف تقطع دابر الظّلم ، تنسج رداء قول سداه صدق ولحمته كبرياء.
حنجرة صفاء والصّوت قيثارة ، تغريدة الحرّ في وجه الرّياء.
تونس.....14 / 10 / 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق