أبحث عن موضوع

الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

أصوات تكعيبية / قصة قصيرة .................. بقلم : فؤاد حسن محمد/ سوريا


تخلخلت ذرات الهواء ،فتشرد السمع على تخوم الجهات :
- تراك...تراك ...تراك
هو وقت لفوضى تكعيبية الأسئلة ،من أين ؟؟ وكيف ؟؟؟ وإلى أين ؟؟؟ دوي ثلاث دقات كريهة الوقع ،أشعرته بفرقعة في قفاه ،و بوقوف شعر رأسه ، وإذ دارت عيناه في صفوف الفراغ المرتبة بصبيانية ، ترك فرصة لأذنيه لتحديد بؤرة الصوت ، استدار بنوع من الدهشة المغمورة بالصمت إلى الإيقاعات الماكرة ،فتح النافذة ، ما بعد مسافة أمتار تسمر جاره بعد أن توقف عن إرغاء معجون الحلاقة ،مَوهَ الصوت أعصابه الباردة ،ففتح ملايين التخمينات المبهّرة بالخوف واللامبالاة.
الرجل مندهش، تتخطفه الارتجاجات الهوائية التي هي الآن مركز العالم،البصر والسمع والشم ممغنطة بهذه البؤرة.
بإيقاع طفولي صاخب دخلت زوجته رافعة يديها ،ولمعت في صيحتها مايشبه الضراعة :
- لقد وصلوا ...لنهرب بسرعة
كان ضخم القامة بارز الصدر ، خشن الملامح ،رجولة وهمية، انبعثت من حنجرته حشرجة كالإسهال :
- حسنا لنهرب
دون أن تجيب تسرع بروحٍ تتسع لخوفها إلى الخزانة ،تأخذ كل ما لديها من ثياب والقليل من المال ، وقد زحفت إليها أفكار جعلتها ضعيفة مثل عصفور ، تداهمها أسئلة :
- ماذا سيفعلون بنا إن لم نرحل
لم يكن زوجها من النمط الذي يحمي زوجته،زوج بلا قلب ، تنهد تنهيدة بائسة مخنوقة من شدة الحيرة ،ثم صاح كمن وجد لقية أو خلاصا :
- أعطني صرة النقود
قذف الصرة مرتين في الهواء ثم دسها في جيبه،ابتسم :
- ستكفينا لسنتين
نهض دون أن يتكلم كلمة واحدة ، وحتى دون أن يسأل أو ينظر إلى وجهها ، وعلى الفور خرج من الباب تاركا زوجته وراءه ، التي انسحبت وراءه كقطة مريضة ،فتحت الباب ، وخطت خارجا ،في الساحة انطلق حديث ما يشبه الدوي ، قال أحدهم :
- لا مثيل لهذا الصوت ...أعلموني هل سمع أحدكم مثله من قبل
اندفع الحشد بالكلام ، فتداخلت الأصوات ، ثم عم الصمت .
- هو لغز
من جديد بدأ الجميع يتحدث معا ،تحول الصوت إلى هاجس له شكل وحدود يستشعرونه دون أن يروه ،كان الصوت يختفي تم يعاود الظهور :
- تراك...تلااك...تراك
اقترح عليهم أن يأخذوا نفسا عميقا ويحبسوا الغازات في صدورهم ، ويصيخوا السمع بشكل أدق ،فاكتشفوا أن الصوت يأتي من جهات مختلفة ، يتعقبون الصوت والصوت يتعقبهم ،بدأ يفكر في الغرايب السود ،من السهل أن يكون السوء أول ما يخطر بباللك ،أن هذا الصوت يعزف بمفرده في الفراغ الهائل،ليلتقطه مجموع معلق بأحبال الحيرة .
قال أحدهم :
- هراء
كرر الكلمة مدحرجا حرف الراء كما لو كان يريد الاستمتاع بلثغته وأردف:
- هل تريدون أن نرحل من أجل صوت
حملق فيه رجل آخر وأجابه :
- أنت على حق ..أين نذهب بأطفالنا
ساد صمت مطبق ، بيد أن رجلا ثالثا رد بقوة:
- حقا ...حقا ... أليس الهروب أفضل
أصغت المرأة وتخيلت أن قدمها زلت في عالم مرعب ، وأن الغرايب السود تمزق جسدها النحيل ، فصرخت وسط حيرة الجميع :
انظروا لقد وصلو ا
ركضت ، فسمعت وراءها وقع حوافر ، وأصوت تتزاحم :
- اهربو ..لقد وصلوا
رحلوا جميعا ،وبقي صوت سطل تعزف الريح على معدنه لحن الخواء:
- تراك ..تراك ...تراك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق