أبحث عن موضوع

الخميس، 2 نوفمبر 2017

دراسة في ديوان / عصافير موغلة بالأحلام للشاعر العراقي المبدع /عبد الزهرة خالد............. بقلم الناقد والشاعر : عادل نايف البعيني / سوريا



مقدمة
عندما طلب مني الأستاذ المبدع عبد الزهرة خالد تقديما لديوانه الجديد شعرت بالرهبة، وأحسست بعظم المسؤولية، فالمهمة صعبة، وليس من السهل أن يقدِّمَ أديبٌ ما أو مهتمٌ بالأدب لكتاب بهذا الحجم، وفي زمن بدأ الأدب فيه بالتراجع، والتداعي المخيف الذي يلازم لغتنا، حيث غزت الأقلام الوليدة عبر الكتابات الالكترونية، من فيس بوك أو رويتر أو صحافة الكترونية، ومن خلال منتديات جمة لمواقع أدبية لا تخضع لرقابة لغوية ، وليس فيها من يقوّم كتابات المبتدئين، فجاءنا منهم الغثّ والسمين، حيث ينشرون النص بأخطائه الفاحشة، ضمن إطار خادع، يعرضون فيه النص فائزا أو مميزا، مطلقين على بعضهم ألقابا ابتذلوها، كالشاعر فلان، أو سفير الشعر، أو أمير البيان, إلى غير ذلك من الألقاب الزائفة. فانتشرت نصوصٌ سموها قصائد نثر وهي بعيدة كل البعد عن الشعر،و لا تمت للأدب بصلة ولا تعرف للإبداع سبيلا.
لكن هذا الوضع أفرز أيضا شعراء مشهورين، فأمدّوا الأدب بزادٍ شعري إبداعيٍّ بامتياز، وكسروا حاجز الشعر الرديء، مقدمين ما في نفوسهم من رؤى وتطلعات، في قصائد لافتة ومدهشة، سواء في مضمونها، أو في مبناها. وأخص بالذكر منهم شاعرنا عبد الزهرة خالد.
الذي استطاع أن يتجاوز المحنة، ويقدم زاداً ثقافيا راقيا.
بناء عليه لابد لي قبل كل شيء من الغوص في أعماق ديوان الشاعر ( ) ، باحثا في تضاعيفه عن تلك الجماليات التي أصبو لها، آملاً منها أن تأسر القارئ بسرّ جمالها، وتبعث المتعة والفائدة في دارسها.
لهذا كان لا بد من سبر غور هذا المنجز المميز، بالغوص في بحره المتلاطم بشتى المواضيع الباذخة الجمال، فالديوان بحر من النصوص الشعرية المبتكرة، والقصائد الإبداعية اللافتة للنظر، والتي انتشر ضوعها بين صفحاته المزدانة بقصائد متنوعة و مقطوعات نثرية مائزة، فمن خلال جولتي المعمّقة في أرجاء العمل الأدبي، وجدتني مأخوذا أمام التميز الأخاذ لما فيه من مواضيع سواء اجتماعية أو وطنية أو وجدانية. إلى جانب نصوص وجدت فيها مسحة من الغموض الجذاب، ولعلها تمثل جانب الحداثة لدى الشاعر، حيث تصب في نوع جديد وإن كان يتلاشى وهو الشعر السريالي أو العبثي . وبالتأكيد هذه النصوص ستدفع القارئ دفعا لاكتشاف ما يريده الكاتب من هذا النص أو ذاك، ولعل مرد تلك النصوص مرتبط ارتباطا وثيقا، بالحداثة العالمية من جهة، وبما تمرّ به البلاد من تعقيدات، وأحداث غاية في التداخل. مع ذلك فلا يلبث القارئ بقليل من التركيز أن يسبرَ غور تلك النصوص ويفكّ طلاسمها. ويدخل إلى أعماقها.
"صرخةُ الصخورِ
وسطَ مدينة المطرِ
الشمسُ كالعادةِ
تحتسي التضاريسَ
فوقَ موائدِ النجومِ
ظلامُ الغدِ يخيمُ
مع طلابِ الكشافةِ
كلَّ يومِ خميسٍ
في بساتينِ الشيخوخةِ"
فنحن أمام شاعر يقود جيشا جرارا من الكلمات والعبارات يقارع بها بحرية تامة، ليصنع ويبدع النص الشعري الساحر والذي يأخذك لمتاهات الفكر والظنون:
أقودُ جيشاً جراراً
من كلماتٍ وعباراتٍ
أقارعُ اللغةَ الشفويةَ
بحريةٍ تامةٍ
........
في قفصِ اتهامِ الأماني
أروضُ خيولَ الظنونِ
على مروجِ الأفكارِ
فنحن أما مبدع غاص في دهاليز الشعر الفلسفي الحكمي، وقدّمَ من كنوزه، ما يغري بالتجوال في بستانه المكتنز بثمار الإبداع، فها هو ولو بالحلم نراه صوتا مدوّيّاً .. بل حالة ضوء تحيا باللهفة، مع غناء بالصورة الشعرية الباذخة، وجمال الاستعارات البهية فنحن أما صهيل التجلد، وجواد الرغبة ، ولجام العنوان ، فيشكّل من تلك الصورة لوحته الشعرية العابقة بالجمال حيثُ يقول:
"صوتك المدوي في دهاليز الذهن
إسمكَ إنعكاس الصدى
طيفكَ حالة ضوء تحيا اللهفة المختبئة في غبار الكون٠٠
صهيل التجلد أمام مرآة الليل يضرم اللوعة في قلب الإحساس
يكبح جماح جواد الرغبة لجام العنوان المكتوب على طول اللسان
حينما أفرط بالحروف ذلك العنفوان"
ونحن أيضا أمام شاعر جعل من الوصف الإبداعي دربا ومسارا، فأجاد الوصف حيث وصف، وقدم صورة فاتنة للموصوف من خلال عباراته التي انصاعت اللغة لها فأبدع فيها الصياغة والتقديم :
لم يتعبِ الليل قط
أثناء المسير
يحمل على أكتافه
ساعاته الموغلة بوحل الظلام
يرقب دردشة النجوم
رغم غياب وجه القمر
واثقاً من مصاحبة قوافل النور
ونحن أيضا أمام مصوّر محترف يلتقط الصور الجميلة ويحبكها كلاما في عبارات شاعرية تقرّ لها العين، وتطرب لها النفس تميُّزا وجمالا:
صهيل الضوء
يجرح الفجر الكاذب
بألف طعنة
من خنجر الواقع٠٠
ولا يفوت شاعرنا أن يشير للأسباب الكامنة وراء تداعي الكتابة الجميلة، وانحسارها، أمام غبار الحروب التي اغتالت الحرف والكلمة، فيتساءل أينَ الكلام الجميل، والنصوص الإبداعية:
ياأيها الكاتب
أين الكلام الجميل؟!
لقد أغتال حروف العواطف
غبار الحروب٠٠
وتومض في وعي شاعرنا ومضة من الأفكار المتزاحمة، فلا يتوانى عن حبكها حبكا متينا، مشرقا ومتألقاً، فيسحر وميضها القارئ، ويدهش بريقها السامع، فها هو يطالعنا بما يفوق الخيال بصور و تشابيه واستعارات باذخة، تضفي على الومضة سحرا وجمالا:
للعبور الى خريف آخر
متلاطِمِ الأوراقِ
عليكَ اجتياز سيقان القيظ.
***
يعوم الضوء
فوق مياه الفراغ
بين شواطيء وجهك
وساريات الوجد
ومما يلفت النظر عند شاعرنا عبد الزهرة خالد غياب القصائد الغزلية المبتذلة، تلك التي اعتدنا قراءتها عند العديد من الشعراء ، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، إلا أن دهشتك ستزول حينما تجد نفسك أمام شاعر خبر الدنيا، وعايشها بكل الوعي والاحتراف، فلم تأخذْه سنونَ عمره إلى الابتذال في الشعر، فظل محافظا على رزانته الأدبية، فجاءت نصوصه مشحونة بالكبرياء، مليئة بالوقار، فتراه في شعره كما في حياته، قدوة ومثلا لما يكتب ويقدم ، فهو الذي يستصعب الإبحار في عينيّ تلك الحورية المتناغمة مع الحقيقة والخيال، فتغوص كلمات الغزل رصاصا ثقيلا :
أصعبُ مغامرةٍ
‏الإبحارُ في عينيكِ
‏لا فنارٌ ولا شاطئ
‏تغوصُ كلماتُ الغزلِ
‏كالرَّصاصِ الثَّقيلِ
‏منْ يسحب الشبَّاك ؟!
‏وأنتِ حوريةٌ تناغمُ الحقيقةَ والخيالَ
ختاما .. لا يسعني إلا أن أرفع القبعة احتراما وتقديرا لذلك القلم السخي، الذي كتب شعرا فأجاد وأخلص، وكتب نثرا، فأغنى وأخصب، ولكم أيها القراء والمهتمون، أن تغوصوا فيما غُصت، وتبحثوا عما بحثت، لعلكم تفوزون بالدرر التي نثرها في محيط شعره الشاسع، ولكم أن تقرؤوا الديوان بالطريقة التي تطيب لكم. لتقطفوا منه ما يلائم ذوقكم ويحلو لأهوائكم.


عادل نايف البعيني
سورية – ناقد وشاعر
لا يتوفر نص بديل تلقائي.
لا يتوفر نص بديل تلقائي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق