أبحث عن موضوع

السبت، 19 نوفمبر 2016

البعد الفلسفي لجزء من قصيدة حفار القبور للشاعر بدر شاكر السياب ............... بقلم : عماد ألدعمي // العراق


يا رب أسبوع يمر و لست أسمع من غناء
إلا النعيب
و تنهد الريح الرتيب
واخيبتاه ألن أعيش بغير موت الآخرين
و الطيبات من الرغيف إلى النساء إلى البنين
هي منة الموتى علي فكيف أشفق بالأنام
فلتمطرنهم القذائف بالحديد و بالضرام
و بما تشاء من انتقام
من حميات أو جذام
نذر علي لئن تشب لأزرعن من الورود
ألفا تروى بالدماء و سوف أرصف بالنقود
هذا المزار وسوف أركض في الهجير بلا حذاء
و أعد أحذية الجنود
و أخط في وحل الرصيف وقد تلطخ وقد تلطخ بالدماء
أعدادهن لأستبيح عدادهن من النهود
و سأدفن الطفل الرمي و أطرح الأم الحزينة
بين الصخور على ثراه
و لسوف أغرز بين ثدييها أصابعي اللعينة
و يكاد يحنقها لهاثي و هي تسمع في لظاه
قلبي ووسوسة النقود نقودها و اخجلتاه
أنا لست أحقر من سواي و إن قسوت فلي شفيع
أني كوحش في الفلاء
حفار القبور قصيدة ذاع صيتها للشاعر المرحوم بدر شاكر السياب وقد أخذنا نصا منها لنرى البعد الفلسفي لهذا التشكيل السردي المائل للحكي بلغة شعرية،كان رذاذ اللغة فيها قويا ومشعا مصحوبا بعدة تساؤلات حين الدخول في عمق المفردات
يا رب أسبوع يمر و لست أسمع من غناء
إلا النعيب
و تنهد الريح الرتيب
واخيبتاه ألن أعيش بغير موت الآخرين
و الطيبات من الرغيف إلى النساء إلى البنين
هي منة الموتى علي فكيف أشفق بالأنام
فلتمطرنهم القذائف بالحديد و بالضرام
و بما تشاء من انتقام
من حميات أو جذام
أسبوع وحفار القبور لم يسمع الغناء لم يسمع سوى النعيب والموت وهو منشغل ليلا مع نهار بدفن الموتى الذين يكسب المال من خلال موتهم فإذا لم يموتوا يقتله الجوع ؟
أبعاد فلسفية هل خلقه الله ليكون حفارا للقبور لكي يعيش
ويقتات من الدفن والطعام الذي يؤتى به للأموات ؟
واخيبتاه ألن أعيش بغير موت الآخرين
لاحظ السؤال والخيبة التي تصاحبه ؟
و الطيبات من الرغيف إلى النساء إلى البنين
هي منة الموتى علي فكيف أشفق بالآنام
كيف يشفق بالآنام ؟
تصوير يحتاج تأويل يعيش على الموتى ويشعر بالخيبة ... فيضع كيف الاستفهامية ..... ليقول أن الله أراد منه أن يكون حفارا للقبور وإلا سيقتله الجوع ...
كيف يشفق بالموتى وهو من يقتات من فضلاتهم ويعيش عليها ليشعر بالذل والخيبة ؟
ترابط فلسفي عميق توسوس له النفس به وحيرة ما بعدها حيرة
ليقينه أن الله أراد له هذا القدر المخيب !
فلتمطرنهم القذائف بالحديد و بالضرام
و بما تشاء من انتقام
من حميات أو جذام
نذر علي لئن تشب لأزرعن من الورود
ألفا تروى بالدماء و سوف أرصف بالنقود
هذا المزار وسوف أركض في الهجير بلا حذاء
و أعد أحذية الجنود
و أخط في وحل الرصيف وقد تلطخ وقد تلطخ بالدماء
أعدادهن لأستبيح عدادهن من النهود
و سأدفن الطفل الرمي و أطرح الأم الحزينة
بين الصخور على ثراه
و لسوف أغرز بين ثدييها أصابعي اللعينة
و يكاد يحنقها لهاثي و هي تسمع في لظاه
قلبي ووسوسة النقود نقودها و اخجلتاه
أنا لست أحقر من سواي و إن قسوت فلي شفيع
أني كوحش في الفلاء
قوة غضبية حادة فلتمطرهم القذائف بالحديد والنار بالمرض بالجذام ليكثر الموتى ....
تجسيد لغضب النفس الإنسانية يصاحبه عدم القناعة والرضا .... يجبرنا على أن نتيقن أنه آمن إيمانا مطلقا بأنه ميسرٌ تماما ولا خيار له غير أن يكون حفارا للقبور ..... لذا كان فرحا بكثرة الموتى ومؤمنا إيمانا مطلقا إذا لم تمت الناس لن يعيش ، فمن أين يقتات ؟
نذر علي لئن تشب لأزرعن من الورود
ألفا تروى بالدماء و سوف أرصف بالنقود
هذا المزار وسوف أركض في الهجير بلا حذاء
و أعد أحذية الجنود
و أخط في وحل الرصيف وقد تلطخ وقد تلطخ بالدماء
أعدادهن لأستبيح عدادهن من النهود
عجيب هذا الانفعال الذي رافق السياب أثناء كتابة النص فأي مؤثر هذا الذي دعا الذات الشاعرة لتصور لنا ما رسم من صور مؤلمة ومؤثرة على النفس ...
ينذر لكي تشب الحرب وتموت الناس ليزرع الورد الذي يرتوي من الدماء .... صورة غريبة أن يكون مورد الورد الدماء ...
ثم رصف المكان بالنقود والجري بلا حذاء وعد أحذية الجنود
والخط على وحل الرصيف وقد تلطخ بالدماء ليعد أعدادهن ...
ملحمة غريبة وعجيبة حلقت بها الذات الشاعرة من دون وعي وربما أرادت من اللا معقول المعنى الحقيقي للشعر الذي ينبثق من عالم لا نعرفه من أين يأتي ومتى ...
الذات الشاعرة اشتغلت على عناصر الدهشة عند المتلقي وليس أي متلقي كما يتصور الجميع ، بل المتلقي الذي يقف طويلا لكي يصل لعدة رؤى ولكنه لا يجزم بصحة رأي على الآخر مما يبقي باب التأويل مفتوحا وهذا بحد ذاته بعد فلسفي عميق الدلالات والمعاني ، ناهيك أن عملية التركيز وفلسفته لا تتوقف عند نقطة معينة مما يتطلب مهارة فنية وخبرة دقيقة تصل إلى كشف ما في النفس وهو أمر ليس من السهل اكتشافه من اللغة فحسب ، كما إنها اعتمدت الدراما والسرد المصحوب بالشواخص والحوادث فالأمكنة التي استخدمها كان لها الأثر العاطفي العميق نتيجة الزخم الانفعالي الذي صاحبها أثناء الكتابة .
و سأدفن الطفل الرمي و أطرح الأم الحزينة
بين الصخور على ثراه
و لسوف أغرز بين ثدييها أصابعي اللعينة
و يكاد يحنقها لهاثي و هي تسمع في لظاه
قلبي ووسوسة النقود نقودها و اخجلتاه
أنا لست أحقر من سواي و إن قسوت فلي شفيع
أني كوحش في الفلاء
لاحظ شدة الانفعالية والصور الغريبة وكأنه في معركة لا يعرف بها سوى الانتقام وهو جواب لخيبته وهي أنه حفارُ قبورٍ، تلك المهنة البائسة التي جاء بها القدر عليه رغما على أنفه فعلام خلقه الله لهذه المهنة ؟ تساؤلات عجيبة ولدها النص ...
يدفن الطفل ثم يطرح أمه على ثراه ثم يغرس يديه بنهديها تعبير غريب ينم عن حقد وغضب عجيب كي تسمع لظى قلبه ووسوسته لأنها مصدر نقوده وكأنه يحملها سبب موتها وأنها إن لم تمت لا يعيش هو وبذلك تكون لها الأثر الكبير من امتهانه هذه المهنة ...... واخجلتاه .......
مؤلم ما تصور من صور عجيبة ... هناك من أحقر منه ... فلماذا يجري معه ما جرى ...؟ أسئلة ذات بعد فلسفي تتعلق بالعدل الإلهي ؟
هناك عدة مؤثرات ولدت هذا النص الغريب أولها الدمار الذي يراه الشاعر من حوله ... والفقر لعب دورا كبيرا في النص وأكيد كان سببا قويا للتأثير الشعري خصوصا لو وقفنا على حياة السياب القصيرة والتي عانى منها من الحرمان والفقر ، ونحن نرى أن العامل النفسي والتساؤلات التي فرضها علينا النص هي فلسفية بحتة تحتاج رؤية عميقة قد تتعلق أجوبتها بمنطقية عالية لأنها تعود لأمور لا نستطيع الخوض بها بدقة وكأنها لغة عتاب أراد من خلالها الشاعر معرفة عدة أجوبة تتعلق بالعدل الإلهي والقدر وما كتبه الله للبشر وما شابه ذلك والله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق