أبحث عن موضوع

الاثنين، 11 يوليو 2016

جدلية المكان وتلون الرؤى ... قراءة في قصيدة لطيف الشمسي ((المدينة))................... بقلم : حسن المهدي // العراق


* اولا
في الحقيقة ، ان الذي استفزني لاكتب عن قصيدة لطيف الشمسي ..المدينة .. اسباب كثيرة لعل في مقدمتها هو كم الابهار الذى يعتريك وانت تقرا له الابداع في تناوله موضوع المدينة ومدى انعكاس ذلك في رؤية الشاعر وفي التفاصيل والمفردات ..هذا من جانب ومن جانب اخر فان لطيف وكما عرفه الجميع شاعر مبدع ومتالق في التقليلية بمختلف الوانها وخاصة الومضة الشعرية ..انه يقتنص اللقطة في اوج هياجها قبل ان تخبو روح التمرد فيها ..
نماذج من تقليليته:
شاعر..
اندلق كاسه الاخير
قبل ان تدب النشوة
في ضجيج راسه المتخم بالقصيدة
...........
خذ مثلا اخر ..
على سجادة الليل
اتلو هذياني
والمحراب
انت.....
.............
انه يتعامل بذكاء وحرفية عالية مع الصورة التي يرسمها ..
مثلا اخر..
حبكم
لوح محفوظ
يتدلى من شغاف
القلب .....
انه ينقش روح الفكرة قبل جسدها وهذا سر ابداعه في التقليلية ناهيك عن روح المثابرة والجد وتعامله بقدسية واحترام وداب لنتاجه التقليلي.....

*ثانيا
وفي قصيدته المدينة ، ينحو لطيف اتجاها اخر غير الذي عرف به .. ففي ثلاثية رائعة يطرح لطيف رؤيته المكانية للمدن/المدينة والعلاقة الجدلية بين الانسان/الساكن و المدينة/المسكون ..تلك العلاقة التي يتكا كل منهما على الاخر
.............
المدن..تعشق الليل
ترتاح من ضجيج
هياكل الموتى
التي تتسكع في ازقتها
الموبوءة بالخرافات.
في هذا المقطع يحول لطيف المدن/ المدينة الى كائن متعب ومجهد ويفلسف لنا عشقها لليل بانه هروب من ضجيج النهار وازدحام الازقة بكم الكبت والقهر المادي والانساني والطبقي الذي حول الساكنين الى هياكل الموتى بفعل الاستلاب وكم الضغوطات والابتلاءات وضياع الانسان بوباء خرافاته التي تعشش في الزوايا والمنعطفات ..ان انسان المدينة كما يرى لطيف في هذا المقطع يشكل ضغطا ووبالا على المكان/المدينة/كونه تحول لمجرد هياكل ميتة لذا فالمدن تعشق ليلها تخلصا من ازعاجات واذى هذا البشري الموبوء بالخرافات..
................
المدن ..تعشق الليل
تسترق السمع
على احلام العشاق
الوردية....
وهمس هذيان الروح
في لحظة التجلي...
هنا ينتقل لطيف لجانب جدلي اخر في علاقة الانسان /المدينة ..انها انتقالة واعية تطرح مبررا اخر لعشق المدن لليل ..فهي هنا انما تستمتع باستراقها السمع لتلاحين الحب وهمس العشاق الذين يتخذون من المساكن والزوايا وعلب الليل سترا لملاقحة احلامهم بعيدا عن عيون النهار الفضاحة ..وهنا في هذا المقطع تبرز المعية لطيف في انه اوجد تناسقا وتناغما بين المدينة /الانسان ..والتقاء مصالحهما فيصبح كل واحد منهما هو جزء من همس هذيان الروح كما يقول .. وهنا نرى ان المدن وكما سكانها ايظا حين يتحول الليل الى صدح بالاهات يخرج من قلوب العشاق والمتعبون في لحظات الانتشاء والسهر ليلامس مسامع المدينة فيغرقان سوية في لحظة التجلي .
...............
المدن..تعشقنا جميعا
لاننا دبيب الحياة
وصخبها
وصمتها
وفحيح الموت فيها ..

في هذاالمقطع/ الثالث والاخير/من قصيدته الرائعة ..سنجد هذه الانتقاله الذكية العبقة حيث تتحول العلاقة رغم كل مايشوبها من ارهاصات وتداعيات الى علاقة حميمية بين المدن وسكانها ..انها الاحتواء بكل ما يعني من رفق ولين وهدهدة حيث نتلمس كم العشق الذي في جعبة المدينة لساكنيها كونهم نسغ الحياة ووجود حركتهم وسعيهم بين الازقة والطرقات هو المبرر لوجود الحياة وقيام المدن نفسها..فالساكنين هم اصل الحياة للمدن و(دبيبهم ) ..وهو اختيار رائع للكلمةكون الدبيب لايشير للحركة فقط وانما الى حجمها الكبير..
ويصبح حتى الصخب هو لازمة للحياة واستمراريتها مثلما الصمت هو جانب اخر منها..ويختتم لطيف المقطع هذا.. بعد الصخب والصمت ليرسم صورة الترابط والتلازم بين الاثنين برباط مقدس كاثوليكي حين نكون نحن الساكنين (فحيح الموت فيها ) ...
ان قصيدة المدينة للشاعر لطيف الشمسي هي من المثابات في رسم جدلية المكان ولقد برع في نقش ثلاثية ذكية وبلغة رائعة وعذبة تدهش القاريء في صور وانزياحات تعبر عن ثقافته وتمكنه من حروفه ..لقد رسم لنا لطيف الشمسي بحذاقة وحرفية لوحة ثلاثية الابعاد
فتحياتي ومحبتي له ولابداعه ...

*قصيدة المدينة ..صدى الفصول /الاصدار الثالث/ 2016 ..صادر عن دارجان للنشر/المانيا / صفحة 214 ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق