كانتْ أمي تستيقظُ فجراً
حين يمصُّ القنديلُ المشنوقُ بسقف الغرفةْ
آخرَ قطرةِ زيتْ
وقبيلَ صياحِ الديكِ على سطح البيتْ
تغسلُ كفيها تتوضأْ
بنعاسِ الاطفالْ
كانتْ تجمعُ كل َّالنورِ بعينيها
وتجاهدُ كيْ تدخلَ خيطاً في ثقبِ الابرةْ
تجلسُ طولَ الليلْ
ترتقُ قمصاناً وسراويلاً هرمتْ فوقَ الاجسادْ
لبستنا منذُ الميلادْ
صدئتْ شاختْ
فوقَ حبالِ الالمِ القادمِ من وجعٍ
فرّخَ في رحمِ الاعيادْ
كانتْ امي قديسةْ
تتوهجُ مسبحةٌ خاشعةٌ بين اصابعها
تركعُ في الليلةِ آلافَ الركعاتْ
تلهجٰ باسمِ الله تصلي
تدعو ان يهطلَ فوقَ منازلنا
فرحٌ مصلوبٌ فوقَ الشرفاتْ
فرحٌ ماتْ
تغمضُ عينيها
كيْ لا يهربُ دمعٌ خبأهُ القلبُ لحزنٍ قادمْ
كانت امي تجمعُ حباتِ الماءِ الطاهرِ في ابريقٍ فضيْ
تسكبهُ منتصفَ الليلِ بافواهٍ عطشى
وتمشطُ بسماتِ الاطفالْ
حينَ الريحُ تبعثرها
تمسحُ بالضوءِ النازفِ من جرحِ القنديلِ مآقينا
فنراها اجملَ حوريةِ بحرٍ خارجةٍ من عمقِ الماءْ
اجملَ منْ قمرٍ فضيٍ في ليلةِ صيفٍ ظلماءْ
كانتْ امي لا تغمضُ جفنيها
الا بعدَ رحيلِ فراشاتِ الحقلِ الى احضانِ الازهارْ
وعصافيرِ الليلِ الى اشجارِ الانهارْ
لا تغمضُ جفنيها ابداً
الا بعدَ رحيلِ الارواحِ الى مدنِ الاسرارْ
يا امي !
هل تكفي كلُ نجومِ الكونْ
لترصعَ شالاً قدسياً غطي كتفيكِ
هل تكفي كلُ بحارِ الارضْ
كيْ تروي العشبَ الأخضرَ في كفيكِ
امي لا تشبهُ شيئاً
امي حزمةُ نورٍ خارجةٌ من قطعةِ ماسْ
امي لا تشبهُ كلَّ الناسْ
لكنْ تشبهها كلُّ نساءِ بلادي
( عدلي شما )
من مجموعتي الشعرية ( زخات مطرية )
من مجموعتي الشعرية ( زخات مطرية )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق