أبحث عن موضوع

السبت، 20 يونيو 2020

مقطع من رواية قنابل الثقوب السوداء ..............بقلم : ابراهيم امين مؤمن _ مصر





مقطع من رواية قنابل الثقوب السوداء (كتارا 2019-2020 )
إذا عقم العالم إنجاب الرجال حمله رضيع وكهل وسيدة .

انتفاضة العجائز والصبيان ....

طال أمد الحصار ، وبدأ اتحاد المقاومة يفقد مخزونه الروحيّ والماديّ بسببه ، فضلاً عن تصفية العديد من الأنفاق حال اكتشافها .

ولكن ثَمّة عوامل كانت تثبت أقدامهم ضد العدوان الإسرائيليّ عليهم من بينها الرغبة في الاستشهاد الممزوجة بغريزة الانتقام بسبب انفصالهم عن أولادهم ونسائهم ، النساء اللاتى يحترقن شوقًا إلى رجالهنّ وينفطر قلوبهنّ لصراخ أطفالهنّ من الجوع.

أمّا الجيش الاسرائيليّ فكان مدفوعًا أيضًا بالعقيدة لكنهم يحرصون على الحياة ، كما أنّ التهاب المنطقة العربيّة يشدّ على أياديهم للخلاص من رجال فلسطين ..ليس تحت الأرض فقط بل فوقها أيضًا .

وظلّ الاتحاد يصرخ بفكّ الحصار من أجل الطفل والسيدة والكهل فلم يستجب له أحد .

كما أنّ الأنظمة العربيّة خذلتهم وخاصة بعد الثورات المسلّحة التي حدثتْ على أراضيهم .

ولم يقفْ حدّ الخذلان من الأنظمة العربيّة فحسب بل كان مِن بعض الأنظمة الاوربيّة أيضًا .

أمّا الرئيس الأمريكيّ فكان معْول الهدم وعصا القيادة نحو دمار الأنفاق .

كلُّ هذا ألقى بظلاله على كلّ بيت في فلسطين ، فقام...

الصبيان والنساء والعجائز لعمل انتفاضة عظيمة في كافّة أرجاء فلسطين اعتراضًا على محاصرة الأنفاق .

فالصبيان تتراوح أعمارهم ما بين 6-11 عامًا يحملون الحصيّ والثرى وبعض أعواد الثقاب الخشبيّة الخاليّة مِن مادة الاشتعال وورق الكرتون ، يحملونها ثمّ يرمونها على الجنود الإسرائيليين .

بينما النساء يحملنّ رايات مرسومًا فيها أثداءً جافة ويلتقمها أطفالٌ رُضّع بلا طائل ، لذلك كان النساء يضعنّ أصابعهنّ في أفواه صغارهنّ الرّضّع إشارة منهنّ إلى فراغ الأثداء مِن اللبن .

أمّا العجائز فكانوا يرفعون عصيّهم إلى السماء إشارة منهم أنّ الربَّ موجود ، وذاك لأنّ أصواتهم ما عادتْ تبلغ المسامع إلّا همسًا .

وكانوا يسيروا متّكئين على العِصيّ قائلين لا انهزام ولا انكسار ، وقد رمى أحدهم عصاه ثمّ قال..ولا اتكاء ، وللأسف وقع على الأرض فناوله أحدُ المنتفضين عصاه قائلاً..لا اتكاء بقلبك جدّي الأعلى .

كلُّ مَن على أرض فلسطين شارك في الانتفاضة .

وحدثتْ مناوشات كثيرة فيها ، وتكررتْ المناوشات لدى كلّ انتفاضة ، لا تتعدّى أكثر من إلقاء المئات مِن القنابل المسيلة للدموع على الانتفاضة وبعض حالات فرديّة أُستخدم فيها الرصاص الحيّ .

ومن بين الأحداث المفرحات المبكيات ، كان هناك جنديّ إسرائيليّ يتناول غذائه وهو يحرس منطقته ، ومِن بعيد كانتْ هناك سيدة فلسطينيّة تقبل عليها ومعها ولدها الذيّ لم يبلغ السادسة مِن عمره ، فانسلَّ الصبيّ مِن يد أمّه وأخذ بعضَ الحصيّ الذي لم يتجاوز حجم نواة التمر وجرى مسرعًا نحو الجنديّ الإسرائيليّ ورماه بها ، بينما أمّه تلاحقه صارخة .

فزعَ الإسرائيليّ وتناول سلاحه الذي قد كان وضعه بجانبه لحين الانتهاء مِن طعامه ، فلمّا عاد وجد الصبيّ وأمّه تصرخ بعد أن حملته على كتفها ، والطفل يقول .. أريد أن أرى أبي يا عمو ..أمّي قالتْ أنّكم تحبسوه ..أنتم ناس أشرار ..أريد أبي .

أريده ، كان يطعمني ويسقيني ، ويلاعبني ويغطّيني ، وكنت أنام في حضنه ..يا عمو أنا الآن لا أنام ، لا أنام .

فقال الجنديّ..أيّتها السيدة المكيرة خذي ولدك وابتعدي وابعدي هذا القرف عنّي ، أنا طفلي مات مِن جراء أحد العمليات الإرهابيّة مِن قِبل رجالكم ، فاحمدي الله أنّي لم أقتلْه .

فقال الصبي ..أنت رجلٌ شرير وحش وربنا هيعذبك ويرميك في النار .

تحوّلتْ كلُّ أحياء فلسطين وشوارعها ومبانيها إلى ثكنات عسكريّة إسرائيليّة بجانب ثكنات المآتم والصراخات وأنهار الدموع الحارة .

نعم.. لتكن كذلك ..انتفاضة الأمواتِ في ثوب الأحياءِ المزيّف ، فلعلَّ صرخات وتأوّهات الأطفال والنساء والعجائز تصل إلى المجتمع الدوليّ فيرفعوا الحصار عن رجالهم بالضغط على الأمم المتحدة ..بل صرخة واحدة تصل إلى قلوبهم ، واحدة فقط تصل كفيلة بإنهاء الحصار .

طالت الانتفاضة ولم ينقطع نضال الأطفال فيما بعد رغم قتْل عشرات النساء والأطفال والعجائز ، وهذا لم يعجب الإدارة العسكريّة الإسرائيليّة ، فرفعتْ الأمر إلى الأمم المتحدة بأدلّة مصوّرة خادعة تبيّن سقوط عشرات القتلى مِن الجنود الإسرائيليين بسبب قيام رجال الانتفاضة بعمليّات استشهاديّة بوساطة أحزمة ناسفة تحتوي على قنابل هيدروجينيّة صغيرة .

كما أسمعوهم عشرات الرسائل ، تلك التي كانوا يرسلونها إلى المنتفضين في الشوارع والميادين لتناشدهم بالرحيل والمكوث في بيوتهم وعدم إثارة الشغب على أرض إسرائيل "فلسطين" .

وكان ردّ الأمم المتحدة على هذه الصور وتلك الرسائل بتدارك الأمر والصبر عليهم ومحاولة أخذهم باللين والحكمة حتى يكفّوا عن جرائمهم .

واللافت للنظر أنّ الإدارة الاسرائيليّة كانت تقوم بعملية تعمية على أحداث الانتفاضة بقدر المستطاع ، غير أنّ بعض الصحفيين تسلّل إلى الانتفاضة لتصوير الأحداث خِلسة ، فضلاً عن عشرات الصور الحيّة على الهواتف النقّالة من أبناء الانتفاضة .

وهذا ما تسبّب فى ظهور ملابسات الانتفاضة ووقائعها على الحقيقة بلا تبديل ولا تزييف .

الخلاصة أنّ إسرائيل ترى أنّ الفلسطينيين ليس لهم حقٌّ في الأرض ، وعليه فإنّ الانتفاضة عندهم ما هى إلّا شغبٌ وفوضى ، ولذلك حاربوها بكلِّ الوسائل المشروعة والغير مشروعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق