أبحث عن موضوع

الأربعاء، 17 يونيو 2020

اليوم السادس والسبعون من الحجر الصحي................. بقلم : حميدة جامع _ المغرب



اليوم السادس والسبعون من الحجر الصحي.






نهضت باكرا وأنا أحس بقرب نهاية الحجر الصحي المنزلي وعودة الحياة إلى شوارع المدينة بعد أيام من الراحة والسكينة.

طالعني وجه يوم مشمس ومعتدل، وقد ارتدى فستانا بذيل طويل، واعتمر قبعة شفافة سوداء تخفي نصف وجهه المرقط، وانتعل حذاء بكعب مربع وقصير.




مر أمام جماعة من الناس، فتبعته النظرات، وحامت حوله التكهنات، وتلقى الكثير الكثير من اللعنات. ومر أمام جماعة أخرى من الناس فحامت حوله الشكوك وانتقدت مظهره وشكله ولونه ...

تابع السير إلى أن وصل عند جماعة من الناس ترقص رقصة التانغو وتسيطر على عدد كبير من المشاهدين في جو من الانقياد التام والإذعان الشديد ...

انخرط في رقصة التانغو وهو يفكر في البدايات الأولى لظهور الرقص وكيف كان الإنسان يواجه من خلاله القوى الخارقة والماورائيات لينتقل للرقص على إيقاع حكاياته التي لا تنتهي مع بني جلدته، وبعدها انتقل للرقص على إيقاع حكاياته الشخصية ليغوص في أعماق نفسه ويرقص كيفا اتفق...




أذكر قريبة لي كانت ترقص في الأعراس والمناسبات رقصة غريبة تثير سخرية من حولها.

كانت تغمض عينيها و ترقص ببطء شديد تكاد لاتحرك أي جزء من جسدها وهي في حالة انتشاء عظيمة.

تمدد يديها إلى الأمام ثم تغير من وضعهما قليلا إلى الأعلى أو الأسفل وكأنها تقود فرقة موسيقية غير مرئية ...تلبث في مكانها و لا يهمها أمر الموسيقى إن انتقلت من الصاخبة إلى الهادئة أو العكس ...ملامحها تظهر استمتاعها الكبير بما تقوم به، وكأنها ترقص على إيقاعات موسيقى لا توجد إلا في رأسها ...لا توجد إلا بداخلها هي.

تنقطع عن المحيط وتسمو روحها و ترفرف بعيدا عن المكان...

لم أتجرأ يوما على سؤالها عن سر رقصتها تلك ...كانت وقورة مهابة الجانب يصعب التحدث معها في أمر كهذا ...النسوة اللائي كن ينتقدنها ويضحكن عليها لم تتجرأ إحداهن على سؤالها كذلك ....




تنهدت عميقا وفكرت في نفسي .... عندما ركبت أرجوحة الحجر الصحي، وعندما انطلقت أعد الأيام وأنا أتمرجح بين أزقة ودروب المنزل وأتجه إلى حارة السطح وإلى حومة الشرفة ...أتمعن في وجوه سكان المنزل وأكتشف بعض التفاصيل الدقيقة ثم أعتمد على طاقتي الداخلية لدفع أرجوحتي والتحليق بها عاليا فوق المدينة ثم أدفعها أكثر لأحلق بها فوق المغرب والعالم ..لم أكن أظن أن هذه الأرجوحة ستتوقف دون أن يقطع حبالها كوفيد التاسع عشر ويستمتع بسقوطها وارتطامها بالأرض.




الأيام تمر متتالية دون توقف أو انتظار، وهي ترتدي أثوابا متنوعة، كما ترتدي أسمالا بالية ...وتنتعل ما تشاء من أحذية وتترك وراءها أصواتا قوية تصم الآذان .. وندوبا عميقة تحفر أخاديد بدواخلنا ...وتعتمر ما تشاء من قبعات.....

ونحن نراقب ما يحدث في اندهاش وخوف وفرح وخشوع ونفور .....ونختبر مشاعر تختلف باختلاف ما تلبسه أيامنا وبالشكل الذي تظهر به لنا.


شفشاون 3 يونيو 2020.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق