أبحث عن موضوع

الجمعة، 5 أكتوبر 2018

رياحُ الصحراءِ .... تسرقُ أطواقَ الزُّمرد.................... بقلم : مرام عطية / سورية



أمِّي ، رياحُ الصحراءِ تزحفُ لبلادِ الصنوبرِ والتينِ ، تسرقُ أطواقَ الزُّمردِ من جيدِ الحسانِ، أحلامي الملوَّنةُ بالصَّدفِ يبتلعها بحرٌ أسودُ ، تتكسَّرُ على جرفهِ الطويلِ مراياها الورديّةَ، و أسماكي الصَّغيرةُ يشنقُها حوتُ هذا العالمِ المغرورِ ، ويرميها بعيداً في خليجٍ لا قرارَ لأمواجهِ . أساطيلُ اليبابِ تقتحمُ كمنجاتِ شعري ، فؤوسها الحادةُ تقطعُ أوتارَ بلابلي ، صقورُ الأسى تتعقَّبُ أعراسَ كرومي، و تصطادُ نوارسَ الفرحِ من ضفافي ، على الرُّبا أمواجُ جرادٍ تكتسحُ الزروعَ الخضرَ، موكبُ الفناءِ يسرِّع خطاهُ ، يتمرَّدُ الباطلُ على أبيهِ الحقِّ، تقرعُ أصواتُ طبولهِ ، تصفعُ وجنةَ الجمالِ الملائكيةِ، جحافلُ الخرافاتِ تغزو مدني القمريةَ تحتلُّ حدائقَ الياسمين في وطني ، تحرقُ ظلالِ الليلكِ على جفوني ، ترشوني بالشهرة حيناً وحينا بالرطبِّ ،لأحشو عيني هدهدي الحليمِ بالرملِ فلا يبصرُ قذراتهم وأنفهُ بالوحلِ لئلاَ يشمَّ رائحةَ فتاويهم القميئةَ ، ليخرسَ قلمي الحرَّ ويطأطئ حرفي الذي يرتقي درجَ الشَّمسِ شموخهُ .

أمِّي هاأنا أشربُ وصاياكِ ، أمدُّ غراسي الصغيرةَ بالعونِ ، أطعمها قطعَ الصبر ترياقاً ، أزرعُ مساكبها بالحبِّ ، لتنمو وريقاتها الشَّاحبةَ من جديدٍ .

كم كنتِ حرزاً لي حين تتغيَّرُ الأيامُ ، و تشتدُّ المحنُ !! يالحسرتي ! ماكنتُ أَعْلَمُ أنكِ كوكبُ الفرحِ المتوهّجِ إلا حين طافَ حزني ، واقتلعني من جذوري ، لو كنت معي لما أحسستُ بهذا الألمِ ، وماذقتُ حنظلَ الفقرِ رغم أشواكِ الإهمالِ و أشباحِ الليلِ .

لا تغادريني يا أمِّي ، أيقونةُ وجهكِ آيةٌ تُنقِّي قبحَ هذا العالم ، تُغربلُ قمحهُ من الزؤوانَ ، وضياءُ إطلالتكِ شلَّالٌ يغسلُ الكآبةَ ، ويطردُ الظلمةَ عن وجهِ الشَّمسِ .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق