تلك القزحيّة الألوان حرموها عناق الضّوء، حوّلوها عرجون ليل مترهّل على كتف الوَجع ، سرقوا فرشاتها الأزليّة فانكفأت أناملها كسيرة . كلّما حاولت الانفلات مِنْ قبضة السّراب ضيّقوا عليها الخناق وحشروها في كهف الجهل والخديعة.
في ذلك الرّكن المظلم تفنّنوا في تقطيع مفاصلها ، وليمة نصبوها على موائد غجريّة مغرية الشّكل لكنّ الطّبخ توابله سمّ زؤام يدسّ الرّدّة في الطّعام.
كَمْ تألّمتْ وهي تُنهشُ بنواجذ حديديّة ، قضمات أحيتْ في نفسها ذكرى أبي لهب وامرأته "حمّالة الحطب" .نيران تلتهم مِنْ حولها الأخضر واليابس وهذا الزّمن الجسور لا تتوقّف عجلاته الطّاحنة بل تظلّ تلتهم نسلها ثمّ تدور ، تدور/ والسّائق المسطول يتغنّى بصوت كما ضرب النّواقيس تعلن تحطيم الجسور
" لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان ....فلا يُغرّ بطيب العيش إنسان"
صوت كعويل الرّيح بين المغاور يصفّر فتنتفض الرّموسُ وتتهاوى شواهد القبور. غير أنّ القطعان في الحظائر يشغلها التّناطح فتغفل عن الدّرس وتفسح المجال لجينات الجهل فتتناسل وتتكاثر ، خفافيش تحيك المكائد بليل ، تسقي بدم الأوردة الأعشاب الطّفيليّة وتدعو بالثّبور.
وهي المحاصرة كَمْ سجدتْ في ركنها المظلم ،كَمْ دعتْ أن يعتقها اللّه مِنَ الجوع والجائعين. بطون منتفخة حدّ التّخمة لكنّ الأفواه مفتوحة ، هاوية لا يقرّ لها قرار.
كَمْ حنّتْ إلى زمن الضّوء ، كَمّ تاقتْ عينها إلى شعاع الشّمس وهالة القمر،إلى عقول تحسن التّدبير وتفتح باب الفجر في وجه المصير، إلى غد يُعيد ألوانها وينصّبها على ناصية الأفق قزحيّة مُثلى ، درة كما كانت على جبين التّاريخ .
أمنية لا تطولها الأيادي الخبيثة ، بذرة تنتظر غيمة فرح تسقي أرضها الظّمآى لتمتدّ السّنابل مثقلة ، خصب يلغي السّنوات العجاف ويعيدها أرض النّخل والزّيتون ، محاريثها لا تني تقلّب الأحجار فتنفجر العيون.
تونس....20 / 7 / 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق