أبحث عن موضوع

الأربعاء، 25 يوليو 2018

قراءة نقدية لقصيدة الشاعر صاحب الغرابي .............. بقلم الناقد : بوزيان موساوي وجدة / المغرب



نص قراءتي في القصيدة النثرية "رثاء بنواح طيور الأوز" للكاتب العراقي صاحب الغرابي
تحت عنوان:
تمظهرات انزياحات النص الأدبي من "القراءة السطرية" (Lecture linéaire) إلى القراءة المنهجية (Lecture méthodique ))
ذ. بوزيان موساوي... وجدة/ المغرب

1 ـ مقاربة النوع (دعوة لنزهة):
أعزائي القراء... تطمح قراءتي هذه إلى دعوتكم لنقوم معا بنزهة استكشافية لا تخلو من متعة في رحاب القصيدة النثرية "رثاء بنواح طيور الأوز" للكاتب العراقي صاحب الغرابي.. و هدفنا الأسمى هو التنقيب وراء كل حرف عبر نسيج أفقي و عمودي، تنافرا و تناغما، تزامنا و امتدادا، عن مكامن الجمال، و نبل الرسالة وراء هذا التحليق الأسطوري على أجنحة طيور الأوز ... و نطرح معا كما في لعبة المتاهات مجموعة أسئلة لخريطة طريق مقاربتنا... قبل ذلك،
1 ـ1 ـ إليكم نص القصيدة:

"رثاء بنواح طيور الأوز"

"مِن بَعِيد ... قَبَس أضاءَ
دَياجيَ الزَمَن
في عاصِمَةِ دائِمَة المَعْرِفَة
حَمَلَ لِواء العَقْل
فُتوح العِلْم...
ضَمِير عِمْلاق
رَسَمَ على جَبيّن الشَمس
على هامَة التأريخ
ما مَلأ الخافِقْين
... مِسك أذفرّ
حُلَلُّ سُنْدِسِيّة
وَطء خُطاً
أسَدُ الإسلام وَقِدِيسِه
عِنْدَ بِزوغ الفَجر
نُقْطَة فِراق
سالَتْ...
رِثاء بِنَواح طِيور الأوَز
كُتِبَ على أوراق البَرديّ
حُزنٌ عَميقاً غَزا
القَلْب...
حَقِيقَة الجُرح
حِبر دموع غِزار
ناطِقَة بالحُزن
في بحْبوحَة العِشق
إنحناءً وَتَقْدِيساً
لِسموّ ذاتٍ خالِدَةٍ
العَطاء...
مِنْزِلَة لا تُدانى
مَلأت الأسماع...
أيتها الدُنيا فَغِرّي
سِواه."
صاحب الغرابي

1 ـ 2 ـ و السؤال الأول هو: لمن سنقرأ؟ (مع من سنستمتع؟... و سنستفيد؟)
قد يتساءل أحدهم: فيما سيفيدنا اسم الشاعر و سيرته الذاتية، ما دمنا نستمتع بالمنتوج في حد ذاته و لذاته؟... هكذا سؤال هو الذي خلق ما يشبه القطيعة بين أنصار النقد القديم و رواد المدرسة البنيوية التي مهد لها تيار "الفن لأجل الفن"، و روج لها، تمهيدا، أقطاب الاتجاه الرمزي في الكتابة الأدبية... لذا سنكتفي بالاشارة، دلاليا لا اختصارا، إلى إسم الكاتب و بلده (زمنا و جغرافية)، و إلى نوعية نصه المقروء هنا/ الآن... هو صاحب الغرابي... يعيش في عراق اليوم... الاسم و البلد و زمن الكتابة لوحدهم إحالة على توجه في الابداع يحمل في طياته حمولة وجدانية و ثقافية و حضارية و سياسية... و يعبر إيحاء و تلميحا و موقفا على واقع حال ضفتي دجلة و الفرات: ماضي عريق بكل تمظهراته و محطاته... و حاضر مرتبك... و مستقبل بعلامات استفهام... واقع العراق.

1 ـ 3 ـ و السؤال الثاني: ماذا كتب؟ (ما جنس و نوعية المكتوب / المقروء؟)
قراءة سطرية تمهيدية أولية بعد مسح النص في كليته بالعين المجردة، تفيد أن المكتوب/ المقروء منظم على الصفحة بهندسة مختلفة تماما عن الشكل الذي يحتل به النص النثري عادة فضاء الصفحة، و مغايرة أيضا للشكل الذي به نتعرف إلى القصيدة الشعرية العمودية (بيت بصدر و عجز و قافية)... يتكون هذا النص من 31 سطرا، لا يتعدى السطر 4 كلمات، و يكتفي أحيانا بمفردة واحدة... و الجملة كتركيب نحوي لا تتضح إلا بوضوح المعنى عبر بضعة أسطر... إذ تم تغييب كل علامات الترقيم باستثناء نقط الحذف، الشيء الذي يجعل القارئ يترقب إيقاعا خارجيا و داخليا غير متداول في الأجناس الأدبية التقليدية... خصائص جعلتنا نتساءل بخصوص تحديد جنس النص...
صاحب الغرابي يسمي نصه هنا "قصيدة نثرية" (أو النص المفتوح)... هو اختيار على شكل موقف (حسب ما يتداوله كبار نقاد) مرتبك هو الاخر كما الواقع الذي تحاكيه القصيدة النثرية مجازا: يفضل النثر كآلية كتابة دون استساغة جفافه، و يميل في ذات الآن إلى انزياحات بلاغة اللغة الشعرية دون الالتزام بقواعد العروض و معمار القصيدة التقليدية...
نص نثري يتميز بقصره، يعتمد لغة شعرية بإيقاعات داخلية و خارجية، شعارها التكثيف من الصور البلاغية و المحسنات البديعية، و توظيف الرمز... تماما كما فعل رواد الأدب العالمي الذين رسموا معالم القصيدة النثرية و على رأسهم الشاعر الفرنسي بودلير (القرن 19)...
و أهم وجه شبه يقربنا من تجربة بودلير و غيره، توظيف الشاعر صاحب الغريب لرمز الطائر (في سياقنا هنا "طيور الأوز" و عند بودلير طائر القطرس (L’Albatros)... و لأهمية هذا المبحث في قراءتنا في هذه القصيدة، استأنسنا و بشكل مختصر جدا بفقرة في الموضوع نقلا عن مقالة تحت عنوان "الطيور و دلالاتها الرمزية في الشعر" (منتديات ستار تايمز)، نقرأ:
"الطائر له جذور تراثية قديمة منحته في كثير من الأحيان درجة التقديس وثياب الحكمة والورع وروح الخصوبة والحياة الدائمة، والمعتقدات والخرافات والأساطير التي كانت تروي عن الطائر جعلته عنصرا مهما في الحياة والموت والحظ والمطر والحرب واستجلاء الغيب وغيرها فدائما ما كانت رموز الطبيعة تشاطر الشاعر أحزانه وأحلامه وآلامه ومن هذه الرموز الطائر الذي شغل مساحة واسعة لدي الشاعر المعاصر"...
و "نواح الأوز" في سياق هذا النص يدعونا لمقاربة "جنس الرثاء" في الشعر من زوايا مختلفة:
2 ـ رمزية طيور الأوز في القصيدة:
الأوز أنواع... و في النص هو الأوز العراقي المسمى ب "أسبو" و المعروف بمنقاره الوردي، له صوت كالنفير، شبهه الشاعر مجازا ب "النواح" على الميت (رثاء بنواح طيور الأوز)... و وراء هذا التشبيه أسطورة... نقرأ لإقبال محمد علي (المجلة الالكتونية Kitabat 14 أكتوبر 2014) بهذا الخصوص ما يلي:
"تدور حول أوزنا العراقي الكثير من الأساطير: يقال أن زوجين من الأوز قررا الفرار من جحيم الحرب مهما كان الثمن و حتى لا يكونا ضحية للقنابل العنقودية العمياء... و بعد رحلة شاقة ... وصل الزوجان إلى حديقة الشعب في الصين (...). و يبدو أن حظ الأوز العراقي في مدينة كامبرج البريطانية يختلف عن حظه في بحيرات الصين... لقد فقذ نبله و بهاءه و زهوه... بدأ يعض و يهاجم... لذا تقرر نقله إلى مكان سري بعيدا عن النهر... لربما تم نقله إلى سجن أبو غريب... او ربما أرسل إلى سجن غوانتانامو الامريكي في كوبا... أو لربما قتلوه.."
3 ـ مفارقة الوجود من خلال استنطاق بعدين زمنيين:
يتمظهر البعد الزمني بتلوينات مشعة تارة و خافتة تارة أخرى بين محطات إشعاع حضاري سرمدي قوامها العلم و المعرفة:
"مِن بَعِيد ... قَبَس أضاءَ
دَياجيَ الزَمَن
في عاصِمَةِ دائِمَة المَعْرِفَة
حَمَلَ لِواء العَقْل
فُتوح العِلْم...
ضَمِير عِمْلاق"...
و بين محطة تاريخية عصيبة بلون الهجر و الفقد و الموت:
" نُقْطَة فِراق
سالَتْ...
رِثاء بِنَواح طِيور الأوَز
كُتِبَ على أوراق البَرديّ
حُزنٌ عَميقاً غَزا
القَلْب... "
و كأن بذلك، قام الشاعر بتقسيم نصه إلى فقرتين، أو محطتين تاريختين، يبكي فيها الحاضر ب "نواح الأوز" ماضيه، ذاك "الضمير العملاق".
و استدعى الشاعر طيلة النص معجما و صورا بلاغية بدقة العارف بلغة الضاد، ليخيم على منتوجه حقل دلالي مرادف للبكاء و مترجم له:
" كُتِبَ على أوراق البَرديّ
حُزنٌ عَميقاً غَزا
القَلْب...
حَقِيقَة الجُرح
حِبر دموع غِزار "...
لكن القصيدة ليست من النوع البكائي حصريا.. وظيفة الرثاء فيها تتعدى المتداول أو المألوف المتعارف عليه:
4 ـ وظيفة الرثاء:
عادة ما تكون قصيدة الرثاء محبوكة لغرضين: بكاء غائب، و تعداد شيمه و مكارمه و أمجاده...
و قصة نواح الأوز في هذه القصيدة النثرية لصاحب الغرابي تنشد:
ـ التقديس و الخلود:
" في بحْبوحَة العِشق
إنحناءً وَتَقْدِيساً
لِسموّ ذاتٍ خالِدَةٍ
العَطاء..."...
ـ و التمرد الواعي المنتفض:
" مِنْزِلَة لا تُدانى
مَلأت الأسماع...
أيتها الدُنيا فَغِرّي
سِواه."
نكتفي بهذا القدر، ليكمل القارئ نزهته بأدواته الخاصة احتراما لذوقه و بعد نظره و لإملاءات جمالية التلقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق