أبحث عن موضوع

الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

مقاربة نقدية تأويلية للقصة القصيرة جدا (حوار) .................بقلم: عبد المجيد بطالي / المغرب



مقاربة نقدية تأويلية للقصة القصيرة جدا (حوار)
==========
العنوان: حوارٌ
المتن: " على طاولةٍ واحدةٍ جلسا، تعالتِ الأصواتُ، كلٌّ يجذبُ الحبلَ لغاربهِ، هذا يتوَعّدُ...وذاكَ يهدِّدُ... ومنْ بعيدٍ ترقبُهما بلهفةٍ؛ عينا الذِّئبِ. "
القاصة: رغدة العلي
===========

لا مشاحة في أن القصة القصيرة جدا، هي ذلك المكون الأدبي الحديث، التي تتماشى مع الحداثة اليوم، بما ترفده من مستجدات على جميع المستويات، وعلى مختلف الأصعدة.. وذلك لتميزها كفن إبداعي سردي قصير الحجم، على المستوى التركيبي.. لكنه طافح بالمعاني على المستوى الدلالي..
والقصة القصيرة جدا التي أمامنا على مشرحة التحليل والتأويل، هي خطاب سردي منفتح على استلهام مكوناته وبنياته العميقة من الثقافة والفكر والتاريخ والسينما.. وكل ما يمكنه الاستعانة به، ليكوّن ذاته وكيانه باعتباره نصا إبداعيا عاكسا لمجموعة من القضايا الاجتماعية والثقافية والفكرية والنفسية والتربوية... وغيرها، له مقصديته التواصلية.. وأثره البالغ في المتلقي.. (كما وضح ذلك فيلسوف اللغة البريطاني (بول غرايس)، وفيلسوف اللغة الأمريكي (جون سورل) في إطار ما يعرف بالنظرية التداولية..).
إن أول ما يرتكز عليه النص القصصي القصير جدا كخطاب سردي هو (العنوان، / العتبة)، إذ يعدّ مدخلا أساسيا لمثيرات فضول المتلقي.. فإذا تأملنا في كلمة (حِوَارٌ) نجد أنها مصدر على وزن فِعال (بكسر الفاء وفتح العين) فحاور من حوار ومحاورة، وهذه صيغ مشتقة من الفعل المزيد (حاور) على وزن فاعل الدال على المشاركة التي تتطلب وجود فاعليْن اثنيْن بالضرورة لكي يتحقق الحوار..
هذا على المستوى اللفظي القريب أو البنية السطحية للعتبة، أما على مستوى البنية الدلالية العميقة.. فإننا نتصور بالتأكيد أننا أمام فاعليْن، أحدهما متكلم والآخر مستمع، والعكس صحيح.. وبينهما رسالة لغوية تواصلية، أنتجت (حوارا).. هذه الكلمة المعلّقة على واجهة النص / القصة القصيرة جدا.. جاءت هنا نكرة بدون تعريف الأداة (أل) وأيضا بدون تعريف (إضافي) لها، مما جعلها تمنح النص انفتاحا واسعا.. منفتحا في ذات الآن، على تأويل المتلقي لمكامن بنية هذه القصة القصيرة جدا.. بقراءات متعددة وممكنة..
وكما يلاحظ القارئ / المتلقي هنا أن القاصة قد استفادت من توظيف الكتابة السينمائية والمسرحية، أو ما يعرف بـ (السيناريو أو المَشاهد أو اللقطة السينمائية، أو اللوحة المسرحية..) في هذا النص، حيث تضمن النص كل ما يحتاجه المخرج من (أكسوسورات، وأثاث، وكل العناصر البصرية التي يتشكل منها الديكور...) وذلك لتأثيث الفضاء الذي ستجرى فيه أحداث القصة.. لذا نجد أن القاصة بدأت بوضع المتلقي منذ بداية النصة / القصة، وكأنه يتابع مشهدا سينمائيا أو يشاهد لوحة مسرحية..

1) فعلى مستوى المكان المُؤثث بـ (طاولة واحدة..) والطاولة تستدعي بالضرورة ما سكت عنه النص أو السارد (اختزالا وتكثيفا) وله دلالته وقصديته في النص الغائب.. وأعني بذلك الكرسيين يحددهما بالضرورة فعل (جلسا) الذي يشير إلى المثنى المذكر لوجود شخصين / فاعلين..
2) على مستوى الزمان الذي يعتبر العاكس لمجريات الأحداث المحددة بالصوت في الفعل (تعالت الأصوات) بفعل النقاش الحاد الصادر عن الشخصين المفترضيْن..
3) على مستوى الحركية للبطليْن المفترضين في النص وهما يتحاوران (كلٌّ يجذبُ الحبلَ لغاربهِ،) هذه الحركية الصادرة عن توثر المتحاوريْن، حيث كلٌّ منهما يريد أن يكون هو الأقوى، أو هو الأغلب.. وهنا استلهمت الساردة تعبيرها لهذا المعطى القصصي، من الحكمة العربية المشهورة: (ترك الحبل على الغارب) وهو مثال يُضرَب لمن تكره معاشرته تقول: دعه يذهب حيث يشاء كما جاء في (كتاب مجمع الأمثال للميداني) ...
4) على مستوى الحوار المتضمن في النص من خلال تعبير القاصة على الثنائية المفترضة بين وجود شخصيْن، يدلّ على وجودهما فعل (جلسا / للمثنى) والفعل المشار إليه باسم الإشارة الدال على هذا المعطى أو الطرح كذلك، هو جملة: (هذا يتوعد، وذاك يهدد..) وفيه إشارة إلى الصراع وعدم التفاهم بين اثنيْن.. وهنا يكمن اللغز الخفي للحوار، وما وراء الحوار، حيث أن المتحاوريْن الجالسيْن إلى طاولة واحدة، يرمز إلى أن هناك شيئا مشتركا يجمع بينهما، كل واحد منهما يدّعي لنفسه أوفي نفسه، أنه الأحقّ به، أو أنه على الطريق الصحيح، وفيه دلالة على عدم التفاهم بينهما في رسم خريطة الوحدة، ضد التعدد، ويستنتج ذلك من خلال ما يصاحب مراقبتهما وبلهفة شديدة.. (عينا الذئب).. التي توحي، وترمز إلى العدوّ، الذي يترصّدهما من بعيد، (فالعينان تشيران إلى الحراسة الشديدة، والذئب يرمز إلى العدوّ أيا كان..) وذلك على خلفيةِ الخلافِ الذي سيأجج المكان، ويحوّل الحوار إلى صراع.. وهنا قد أفْلحتِ القاصّة في توظيف سيميائية الدلالة.. بما ترْفدُه من إيحاءات وإشارات وعلامات، تقود القارئ إلى معالم النص وآفاقه الممكنة بفكّ خيوطه والغور في بنياته العميقة...
................
هذا وقد تبين لنا من خلال هذه المقاربة النقدية التأويلية للقصة القصيرة جدا (حوار) على أن الساردة قد وفقت في توظيف آليات القص الناجح بامتياز..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق