أبحث عن موضوع

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

نهاية العالم ( قصة قصيرة ) ................. بقلم : فؤاد حسن محمد / سوريا




طويل هذا اليوم ، هذه المسافة التي تفصل باب المشفى عن باب بيتها ،لكن في جميع الاحوال تمضي الحياة ، نظرت هدى حولها تبحث عن الهة الجمال والإلفة ،لم تكن اسراء في جوارها ،تركتها في العدم ،تحاول قدر المستطاع مواجهة جنود الموت ،منذ ان غادرتها فقدت هدى الغذاء والدفء والسمر الليلي والحكايات ، تذكرت كيف كانت اسراء جميلة ،لكن قلبها اعتقد للحظة ان النهاية ستصل ،لم تكن تستطيع ان تكتشف نقطة انطلاق بالضبط حتى تبلغ الحقيقة ،طوال اليوم وهي تتأرجح في مقعدها المتحرك بصورة قلقة حزينة ،وهنا وقفت ،وشعرت بعدم الارتياح عند التوقف ،ربما بسبب خوفها مما تفكر به .
كل شئ يوحي بالحيرة في هذه الغرفة ،فيض من الافكار مرتبة بانتظام تنزلق الأن ،اضافة الى ذلك كان هناك درجة من الاحباط على وجه هدى ،ولأن الاحتمالات واسعة ، كان تفكير سئ واحد يثير بالضرورة مجموعة معقدة من الافكار تغرق الحياة بأكملها باليأس ،عبثاً كانت تقتل في دواخل نفسها هواجس تشعرها بالوحشة، فهي موجودة هناك في المشفى ،وهنا هاتفها ... سجادة الصَّلاة الخاصة بها... وعباءتها.... كلُّ أشيائها كانت أمامها إلَّا اسراء ،مسكت دفترها وقرأت اّخر الشذرات التي كتبتها،فبدت كأنها كانت تنتظر حدوث شئ ما يعيد للبشرية جمعاء معنى وجود الانسان ،في كتاباتها كل شئ ممكن ،القيام بنزهة ،الأرتفاع للأعلى ،ثم الققز للأسفل ،وحتى السقوط ممكنا ، او حتى النط من جانب الى أخر ،مأساتها الكبرى في مرضها الذي حرمها من القيام بهكذا حركات ،ابتسمت هدى بحزن وهي تنادي بحدة " اسراء ...اسراء "
يتجاوز الوقت منتصف الليل ،تجد هدى نفسها خائفة تلفها الوحدة ،ووحيدة ، وصامتة ،يحتويها القلق الذي يلف ردهة الغرفة ،لم تستطع أن تجلس في المكان الَّذي ٱعتادت الجلوس فيه معاً،كي لا ترى مكانها خالياً منها ،دفعت كرسيها المتحرك نحو النافذة ،في الغالب ينظر المرء الى السماء للتخلص من الضغوط ،فبدت لها مظلمة وقبيحة ، كان ثمة خليط من الادراك في تفكيرها يختلط مع ماهو متوقع ، اكان من اللائق ان يخفوا جميع الأهل حالة اسراء لمجرد انها تحبها ،نظرت الى الارض رمز الحياة ،وقفت متسمرة والهواء عبر النافذة جافا وفاترا ، ثم عادت الى الطاولة ،تعيد ترتيب الروايات التي اشترتها ليقرؤها سويا ،تتأمل الكتب تعيد قراءة العناوين ، بينما عقلها يواصل الاستنتاجات والبديهيات .
دقات الساعة تشير الى الثالثة صباحا ،عندما رن الهاتف ، طلبت من اخيها ان يضع سماعة الهاتف على فم اسراء ،لم تسمع هدى الا انفاس تصارع الموت ،نفس ...اثنان ...ثلاثة ....اربعة وتتلاحق الانفاس بسرعة اكبر ،قالت لها هدى مفتعلة الهدوء
-اسراء حبيبتي ..كيف حالك
لكن لسانها لايسعفها للرد ،نادتها هدى بحدة
- اسراء ...اسراء
لكن اسراء لم تعد تستطيع الكلام .
سحقا للزمن اللعين انه يسرق اغلى ماعندنا ،ضاقت الدنيا بصدر هدى فارتمت في حضن ذاتها ،لاحضن لها،وبكت الما ودما اكثر منه دموع ،انتحبت على اختها ، وانتحبت على نفسها .اجهشت في البكاء وحبال صوتها يمزقه الالم - اسراء ..ياحبيبتي ..
استرجعت هدى الايام الخوالي حين كانت تلعب معها لعبة " الغميضة "، لعبة الظهور والاختباء ,لكن هل كانتا تدركان انها قانون فصل الروح عن العالم وفصل العالم عن الروح ، وعندما تفتح هدى عينيْها لا تجدها، في كلِّ مرة كانت اسراء تهرب منها فتبقى تبحث عنها؛ تعجز عن إيجادها في كلِّ زوايا البيت، يدخلها اليأس حد البكاء فتظهر لها وهي تضحك .

لازال قلب هدى يحلم ان يعيش يوم أضافي مع اسراء ،كانت بجسدها النحيل الذي لم تغادره الطفولة بعد ، والذي يخفي وراءه ذكريات تكسر العظم ،تحاول طرد الافكار السوداء ،التفتت يمينا وشمالا في محاولة يائسة لعودة الهدوء ، أوشكت على فقد الوعي، وبدأت الأشياء تفقد حدودها ، وفجأة رن الهاتف ، انه أخوها يهاتفها من المشفى بصوت بارد ووقور :
ــ إسراء في العناية المركزة ونحتاج أوراقها الثُّبوتية..
ــ ألم تقولوا أنها أفضل اليوم وستخرج من المستشفى؟؟
ــ قال الطَّبيب نريد أن نطمئن عليها أكثر..
ــ عندما تأتي إلى البيت خذني معك لأراها..
ــ نعم سوف آخذك إليها..
حمدت الله ، وبين لحظة وأخرى ينزلق في داخلها غصة بلغت مداها ، فصرخت :
- ليتني اموت قبلك ...ليتني كنت انت
تدق الساعة السادسة تماما .. ويعلوا صوت قرآن ،فندت عنها صرخة دوت ارجاء المكان ،شئ واحد لن تعثر عليه بعد اليوم هونفسها ولاتدري اين ستجدها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق